حول التراث الديني والمخطوط المغربي وحلقة تازة من برنامج “الباحث”..
تازة بريس
خدمة لكل ما هو تراث مادي ولامادي وطني من حيث عملية الحماية والصيانة والترميم وغيرها، يخصص المغرب سنويا اعتمادات مالية معبرة تقدر بعشرات ملايين الدراهم. ولعل حجم هذه اللمخصصات المالية لهذا المجال، يعني درجة العناية بمعالم البلاد ومكوناتها الأثرية التاريخية ذات الأهمية الثقافية الهوياتية والقيمية، وعيا بما لهذا الأثاث الأثري من مكانة ورمزية في وجدان وتفاعلات وذاكرة المغاربة الجماعية، ووعيا أيضا بما للمجتمع المغربي من ارتباط بزخم تراثه الديني الروحي الثقافي الذي منه ما هو بتفرد وندرة تخص المخطوطات، التي تتوزع هنا وهناك بين مؤسسات وصية وخزانات وزوايا ومساجد وجوامع ومدارس عتيقة وغيرها. كله إرث وطني بقدر ما يشهد على عمق الحضارة المغربية وعبقها وأعلامها وعلمائها واسهاماتهم الفكرية وتشاركهم ومن ثمة تنوع وتعدد مشارب ما هناك من ذخيرة وبصمات عبر التاريخ، بقدر ما يقتضيه هذا التراث من عناية وحفظ وحسن تدبير وتأطير قانوني، فضلا عن خطة عمل وتنسيق بين الجهات المعنية الوصية تجنبا لكل ضياع لهذا السبب أو ذلك.
ويسجل الباحثون المهتمون أن من سبل حماية المخطوط المغربي، تحفيز عمل تصحيحه وإعادة نشره ثم تحقيقه وضبطه. وغير خاف ما اسهم به السلف المغربي في هذا الاطار من جهود، بحيث أفنى عدد من الباحثين المؤرخين المغاربة حياتهم لتحقيق عدة مخطوطات، فضلا عن البحث عنها ونشرها وفهرستها وتقاسم فائدتها، منهم نذكر محمد الفاسي وعبد الله كنون وعبد الوهاب بنمصور وعبد الهادي التازي، ومحمد المنوني ومحمد حجي ومحمد بنشريفة..الخ. وفي صلة بالمخطوط المغربي، يسجل ما هناك من أدوار لمؤسسة أرشيف المغرب خلال السنوات الأخيرة، من حيث ليس فقط عمل التحسيس والتعريف والتعبئة والتواصل والمبادرة لهذا الغرض، انما ايضا التدخل لفائدة كل أرشيف وطني عبر ما يسجل هنا وهناك بهذه المناسبة وتلك من توصيات ورسائل واشارات تروم حفظه ومنه ما هناك من مخطوطات، فضلا عن تحفيز نقل ما يوجد منه ومن وثائق ذات طبيعة تاريخية تراثية لدى الأسر، لوضعها رهن إشارة أرشيف المغرب عوض تركها في وسط قد لا يكون بما يكفي من وعي بقيمتها الوطنية.
ولعل الحديث عن المخطوط المغربي والتراث الديني الروحي الثقافي، يحيلنا على جملة أسئلة ذات صلة من قبيل واقع حال وأحوال وموضع المخطوط ببلادنا ؟، درجة حضور هذا المكون في حفظ الهوية المغربية الممتدة في الزمان والمكان؟. واقع ما هناك من تحقيق علمي ونهج وحصيلة جدية وجودة وقواعد عمل تخص هذه المخطوطات؟، قيمة وفائدة ما تم تحقيقه ونشره منها ومستوى تأسيسه وضوابطه، وهل هو أم مجرد تهافتات وادراج احيانا لعبارة تحقيق دون وجه حق، بحيث يغيب عنها التحقيق العلمي المطلوب وفق هو دقيق منصوص عليه من ضوابط غير خافية عن متخصصين؟. وأية رقابة ومساءلة علمية لِما تم تحقيقه وهل هو بما ينبغي من معايير واخلاقيات؟، من المؤهل من الباحثين المهتمين لممارسة تحقيق النص التراثي؟، واية سبل لتجميع هذا التراث الرمزي النفيس الوطني، عوض الإبقاء عليه مشتتا هنا من الأمكنة بمدن وبوادي؟، وهل هناك معرفة شافية وإلمام بثروة البلاد من المخطوطات؟، وماذا عن إحياء قيمة التراث من المخطوطات كأرشيف وطني، وإعادة الحياة اليها من حيث الحماية والتحقيق والاستثمار في مجال الدراسات والبحث العلمي والاشعاع الثقافي والحضاري؟، وماذا عن واقع المخطوطات بعدد من المؤسسات والمرافق، بين جامع ومسجد وزاوية ومدرسة عتيقة وأسرة وخزانة عتيقة؟، وما درجة وطبيعة حضور وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمؤسسات الجامعية وغيرهما، على مستوى جمع المخطوط المغربي وتحقيقه وحمايته ونشره واستثماره بهذه الكيفية أو تلك؟. وأية ثقافة وإجراء وسلوك يخص تثمين تراث المغرب من المخطوطات؟، واي تحفيز لدور النشر على طبع تحقيقات المخطوطات؟، وأي تشجيع على قراءتها والتعريف بها واعتمادها هنا وهناك بمعارض ولقاءات وأنشطة وأعمال ثقافية فنية وغيرها؟. وأية ذخيرة كائنة هنا وهناك بربوع البلاد؟، وأية تصنيفات وترتيبات وتباين أعلام وعلماء ومجالات اهتمام؟.
بعض من الأسئلة وغيرها على هذا المستوى وذاك، هو توجه اليه برنامج”الباحث” عن القناة الثقافية في حلقته الأخيرة التي استهدفت المخطوط المغربي وسبل حفظه، عبر اقتفاء أثر وجهد باحثين ومتخصصين مغاربة، إن على مستوى البحث العلمي الأكاديمي أو ما هو مشترك حضاري إنساني. وغير خاف كما ورد في توطئة البرنامج الذي تم بثه خلال شهر رمضان الأخير، أن المخطوط المغربي هو ذخيرة وإحالات على كنوز معرفة وعلوم وانسانية انسان في شتى المجالات، وأن المغرب باعتباره بلدا وعاء متميزا بحضارة اصيلة عريقة، هو بنفائس من مخطوطات ذات روافد متعددة. وأن هذه النفائس المكتوبة/ المخطوطات لا تزال بأهمية ودور رافع للبلاد على أكثر من صعيد. هكذا كانت جولة “الباحث” في حلقة متميزةحول المخطوط المغربي عبر عددا من الأمكنة الحافظة العتيقة منها والحديثة، من أجل تأثيث صورة شافية ورؤية تهم هذا المكون الثقافي الحضاري وسبل الحفاظ عليه. “برنامج “الباحث “الذي يعده ويقدمه الصحافي يونس البضيوي ويخرجه منير العباسي، تمكن في حلقة المخطوط المغربي من شد عناية المشاهدين لصورة ما يجري من حياة علم وأثر علماء في عدد من المجالات، عبر عمل وثائقي توثيقي ينقل مشاهد حيوية فضلا عن تتبع مسار باحثين، من مختبرات صوب فضاءات عامة ومرافق مختلفة تراثية.
هكذا كان حضور المخطوط المغربي بجهة فاس مكناس عبر “الباحث”، من خلال خزانة جامع القرويين بفاس وزوايا المدينة ومدارسها العتيقة وغيرها، فضلا عن خزانة مكناس وأمكنة تراثها المخطوط وتجلياتها الدينية الروحية، وكذا جامع تازة الأعظم السلطاني وخزانته المرينية وتراثها المخطوط الديني الروحي الصوفي. حضور كان بتأطير ومساهمة ثلة من الأساتذة الباحثين والمهتمين، وقد أثاروا في حديثهم جملة نقاط بقدر كبير من الأهمية حول المخطوط المغربي. مع استحضارهم لقيمة هذا التراث في بعده الرمزي الوطني والإنساني، معرجين في اشاراتهم على أعلام وعلماء مغرب الوسيط، وما هناك من نصوص/ مخطوطات بنوع من التفرد والندرة، مشيرين لِما هناك من حاجة لالتفات عناية وانصات لتراث وطني اصيل رافع لكل بحث ودراسة وتنمية وعلاقات وتلاقح باحثين ودارسين. وفي علاقة ببرنامج “الباحث” قبل حوالي السنة، أعلن اتحاد اذاعات الدول العربية عن فوز الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بالجائزة الثانية في مسابقة التبادلات البرامجية التلفزيونية صنف :”في ربوع الوطن العربي” عن برنامج“الباحث “بالقناة الثقافية، من خلال حلقة له تمحور موضوعها حول “النيازك بالمغرب بين الخيال والعلم“. علما أن البرنامج هو مساحة علمية شهرية منذ عدة سنوات، تمكنت من تحقيق تراكم تلفزي وطني بقدر عال من الأهمية والقيمة المضافة. مثمنة بحصيلتها شأن كل علم وعلماء وأعلام وتراث وتلاقح افكار واجيال ومن ثمة مخطوط مغربي، رافعة لقيمة هذا الأخير ومعه الأبحاث العلمية الوطنية مبرزة لأهميتها في الإغناء والتنوير، فضلا عن سبل وتجليات مساهمتها في كل نماء وورش تنمية وطنية على هذا المستوى وذاك.