في رحاب نص رحلي جنائزي يوثق لنقل جثمان السلطان مولاي عبد العزيز من طنجة الى فاس ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من نصوص وأرشيف زمن المغرب المعاصر، تّقرير نفيس أعدّه مُحمد بن عبد القادر ابن موسى وزير الأحباس بالحكومة الخليفية بتطوان خلال فترة الحماية. ويخصّ هذا التقرير جنازة سلطان مغرب مطلع القرن الماضي المولى عبد العزيز (ت: 1362هـ /1943م)، الذي حكم المغرب خلال فترة حرجة طبعتها وقائع وتطورات عدة ومتداخلة، فقد تنازل عن العرش لأخيه السلطان المولى عبد الحفيظ، ليستقرّ بقيّة حياته بمدينة طنجة حيث ارتبط بمجتمعها ارتباطاً روحياً، فكان له بهم ولهم به علاقة الأب بأبنائه إلى أن لقي الله تعالى ونُقل جُثمانه إلى مدينة فاس ليدفن بضريح المولى عبد الله بن إسماعيل. بهذه العبارات والاشارات استهل الباحث يونس السباح تقديما متميزا لإصدار جديد له (تقديم وتحقيق) بعنوان “رحلة الوفد الخليفي في مهمة نقل جثمان السلطان المولى عبد العزيز من طنجة إلى فاس”، وهو تقرير وضعه الوزير محمد ابن موسى كما سبقت الاشارة لذلك ويقع في مائة وواحد وعشرين صفحة، وقد صدر مؤخرا عن دار النشر سليكي أخوين بطنجة.
وكان مُحمد ابن موسى وزير الأحباس بالحكومة الخليفية زمن الحماية على المغرب خلال القرن الماضي- يضيف-، بعلاقة قوية وسابق معرفة بالأسرة العلَويّة الشّريفة لقربه من البلاط السلطاني. ونظرا لمكانته المرموقة لدى الخليفة السّلطاني بشمال المغرب مولاي الحسن بن المهدي، ولمكانته العلمية الرّفيعة ايضا ووظيفته السّامية فضلا عما كان يجمعه بالسلطان المولى عبد العزيز، اختير من طرف الخليفة الحسن بن المهدي ليكون على رأس الوفد الموفد من قبل سموّه رفقة وزير العدليّة العلامة الشريف مُحمد بن التهامي أفيلال. وفي وفادته هذه كتب مُحمد ابن موسى هذا التّقرير الذي تناول فيه أحداث هذه الرّحلة وبتفصيل ووصف دقيق، منذ انطلاقها من مدينة طنجة مروراً بمدن مختلفة وما صاحب ذلك من أعراف مخزنية إلى أن وصل الجثمان لمدينة فاس. ويذكر يونس سباح في تقديمه، ما حصل في هذه الرّحلة من اجتماع للسلطان بمجلس جامع القرويين بحضور كبار العلماء، مشيرا لمن كان من بينهم من أفراد وفد منطقة الشمال (الحكومة الخليفية)، وهم: محمد ابن موسى وزير الأوقاف ومحمد أفيلال وزير العدلية والعربي التمسماني قاضي طنجة وباشاها، مضيفا أن السلطان أنعم عليهم بعضوية شرفية بمجلس القرويين تكريماً لهم وتوطيداً لعلاقته بخليفته في الشمال.
ولعل من جملة ما تمت الاشارة اليه في تقديم هذا التقرير، خطبة وليّ العهد آنذاك الحسن الثاني بخصوص تحديث نظام جامعة القرويين بفاس وجامعة ابن يوسف بمراكش، وما أسفر عنه من تقارير وبنود صيغت صياغة أدبية دقيقة على خلاف المعهود من كتابات التقارير الرّسمية. فضلا عما تضمنه نصّ التقرير من انشطة مواكبة لدفن السلطان المولى عبد العزيز، لعل أبرزها زيارة جلالة السلطان محمد الخامس لضريح المولى إدريس وتدشينه للمدرسة القرآنية الحسنية بزُقاق الحَجر. كلّ هذا- يقول الأستاذ سباح- هو ما يتم تقديمه للقراء والباحثين والمهتمين عموم،ا إغناء لوعاء نصوص خزانة المغرب التاريخية وتعريفاً بأعلام وعلماء البلاد عن القرن الماضي كما بالنسبة للوزير الشاعر مُحمد ابن موسى صاحب هذا التوليف.
وقد توزع كتاب”رحلة الوفد الخليفي في مهمة نقل جثمان السلطان المولى عبد العزيز من طنجة إلى فاس”، على تقديم استحضر سياقه الزمني والمكاني، هذا قبل ترجمة سلطت الضوء على حياة السلطان المولى عبد العزيز بمدينة طنجة. فضلا عن ترجمة ثانية توجهت بعنايتها لمؤلف التّقرير الوزير محمد ابن موسى وقد أبرزت جوانب سيرته العلمية والوظيفية وكذا ما كان يجمعه من علاقة وطيدة بالسلطان المولى عبد العزيز. وقد جاءت بعض نّصوص هذا التقرير معنونة بفقرات فرعية لتسهيل عملية القراءة، مع ملاحق لأهمّ الأحداث الواردة في التّقرير لارتباطها به إثراءً وإغناءً من الأستاذ سباح لنصّ الكتاب. هذا فضلا عن ملحق لصور الوفد الخليفي الذي صاحب جثمان السلطان عبد العزيز من طنجة إلى فاس. مع أهمية الاشارة الى أن تقرير الوزير محمد ابن موسى هو نص رحلي جنائزي يوثق لمحطات ووقائع نقل جثمان السلطان مولاي عبد العزيز عبر القطار من مدينة طنجة يوم الخميس 6 جمادى الثانية: 1362هـ/ 10 يونيه 1943 م ـ، إلى أن وصل يوم السبت إلى مدفن أسلافه بمدينة فاس بضريح مولاي عبد الله، حيث دفن جثمان الفقيد بين والدته وأخيه السلطان مولاي يوسف. ويعد كتاب”رحلة الوفد الخليفي في مهمة نقل جثمان السلطان المولى عبد العزيز من طنجة إلى فاس” الذي صدر مؤخرا، قيمة مضافة بقدر كبير من الأهمية لفائدة الباحثين والمهتمين والقراء ولفائدة ما هو رمزي تراثي رافع لنصوص خزانة المغرب التاريخية.