تازة بريس
*عبد الإله بسكًمار
تتحدد جاذبية منطقة أو مدينة أو جهة معينة بما تتميز به عن سائر المناطق الأخرى وهذا بات أشبه ما يكون بقانون يسري على كل بلاد العالم، إنها بعبارة أخرى العلامة التجارية Image de marque التي نعرف بواسطتها خصائص ومميزات المنطقة المعنية والتي يمكن في كثير من الأحيان أن تكون عامل جذب وإغراء، قياسا إلى باقي المناطق وبواسطة تلك العلامة التجارية يتم تسويق المنطقة أو المدينة قتصبح معروفة لدى الخاص والعام، ومن ثمة تتيح العرض المغري للزواروالسياح المغاربة والأجانب على حد سواء، إذ بمجرد أن تظهر تلك العلامة للمتلقي حتى يدلك على مصدرها سواء كان مدينة أو ساحلا أو حتى جبلا وواديا أو أثرا تاريخيا وما إلى ذلك، وتلعب الدعاية والإشهار شئنا أم أبينا في هذا المجال دورا حاسما، فكلما كانت العلامة التجارية شائعة ومعروفة انسحب ذلك على مصدرها ومنبعها، حينما نذكر مثلا فرقة الوفاء المسرحية لابد أن نضيف إليها” المراكشية ” أو ضريح مولاي ادريس الثاني وجامع القرويين والمدرسة البوعنانية والبرج الشمالي التي تحيل كلها على العاصمة العلمية فاس، ويدل صهريج السواني وموقع قارة والسلطان مولاي اسماعيل على مدينة مكناس وموريسكيو الرباط وسلا ومسجد حسان وموقع شالة والأوداية، كلها مرتبطة بعاصمة المملكة وموسم أصيلا الثقافي ومهرجان الشعر بشفشاون وفن الراي بالنسبة لمنطقة وجدة والناحية الشرقية وفن العيطة المرتبط بقبائل الشاوية والطقطوقة الجبلية وأحيدوس الشهير بخنيفرة بقيادة موحى الحسين أشيبان وما إلى ذلك من الرموز والعلامات المميزة لعدد من المدن والمناطق المغربية .
الصورة ملتبسة إلى حد بعيد بالنسبة لتازة مع إقليمها، سواء لجهة المسار التاريخي أو الموقع الجغرافي أو جملة من الرموز المعبرة هنا وهناك، وسواء تعلق الأمر بالرأسمال الشعبي كالرقصات واللهجات والأسامي والأهازيج أو على مستوى المجال كالفضاءات الدينية والسياسية أو حتى بعض المحطات”الثقافية” كالمسرح مثلا، لا نعثر للأسف الشديد على علامة مميزة حقيقية، فهل أخفقت المدينة وإقليمها في صياغة تلك العلامة، أم أن طبيعة الفضاء نفسه لعب دورا سلبيا والذي تميز ويتميز عموما باقتصاد القلة وطغيان التهميش والظواهر الانقسامية والانعزالية، علاوة على الثقافة الطاردة بدل الجاذبة ؟ قد نؤكد مثلما أكدنا في عدد من المناسبات أن الموقع الاستراتيجي للمدينة ومعها ممر تازة، يمكن أن يشكل رافعة حقيقية للنهوض بالمنطقة، من هنا نحيل على رمز المفتاح مثلا الذي وضع في وقت ما ضمن رموز الإقليم، والذي يشير إلى ممر تازة مفتاح المغربين الشرقي والغربي، غير أن هذا الموقع الذي لا يوازيه على المستوى العالمي إلا مناطق قليلة في أمريكا وآسيا، لم يتم تفعيله في التسويق للمدينة باعتبارها جهة عبور واستقرار أيضا، بل تذهب بعض القراءات التاريخية خاصة الاستعمارية منها إلى أن هذا الموقع بقدر ما خدم الحركات السياسية والدول المختلفة، بقدر ما شكل وبالا على المدينة في بعض الفترات التاريخية، مع العلم بأن الموقع ذاته يمكن مع ذلك تسويقه بشكل ذكي وعقلاني علاوة على ما تزخر به المنطقة من مؤهلات طبيعية وثقافية، الشيء الذي لم يتم لحد الآن رغم جهود ومساعي الغيورين وبسبب عدم وجود نخب حقيقية على صعيد مدينة تازة وأحوازها ترافع عن قضايا تازة وهمومها، بكل أسف ولوعة.
من الفعاليات الواعدة بالإقليم أنشطة الاستغوار Spéléologie التي قطعت أشواطا بعيدة في اكتشاف وسبر ودراسة مغارات المنطقة وتجويفاتها والتي تصل إلى 300 على مستوى الإقليم، وقد بذل الغيورون في هذا المجال جهودا معتبرة للتعريف بتازة وما تزخر به من معالم طبيعية على وجه العموم وليس المغارات فقط كمنطقة واد البارد والقلعة وأدمام وكهف الغار وكلدامان ومغارة شيكر وفريواطو وغيرها، بيد أن كل هذه الأنشطة المحترمة، وإن شكلت مفارز متميزة بالنسبة لإقليم تازة، فإنها لم ترسم العلامة التجارية لحد الآن، بسبب محدودية الإمكانات اللوجيستيكية ثم وجود مناطق مغربية أخرى تزاحم إقليم تازة في هذا المجال كأكادير وبني ملال ومراكش وغيرها، وليس المقصود هنا أن نثبط العزائم بل بالعكس، فنحن نطمح إلى أن يصل النشاط الاستغواري مستوى المنافسة الوطنية والدولية وأن تصبح تازة فعلا قبلة الاستغواريين من جميع أنحاء الدنيا، ومع ذلك نشد على يد كل الناشطين في هذا المجال محليا.
على مستوى آخر، من الممكن الافتراض بأن مهرجانات المسرح المتتالية يمكن أن تنجز شيئا ما، والتي وصلت في إحدى المحطات إلى توصيف تازة من طرف الكاتب المسرحي عبد الكريم برشيد بأنها “عاصمة احتفالية ” كذا، لكن الرأي العام المحلي وحتى الوطني يعاين الميزانيات الضخمة من جيوب دافعي الضرائب وحجم الضيوف والعناوين العريضة دون أن يرى أثرا ولو بسيطا على مسار التنمية في المنطقة، يجتمع القوم من كل حدب وصوب ويتمتعون بهواء و”شهيوات تازة ” وتمر بعض العروض المتوسطة في أفضل الأحوال أو حتى الرديئة ونؤكد ذلك عبر الميزان النقدي الذي لا يحابي أحدا، ثم سرعان ما ينتهي كل شيء، ومثل هذه المحدودية تلاحظ بالنسبة لظواهر المديح والسماع والغريب والطريف معا أنه على”شهرة “بعضهم فإنه ارتبط بأشخاص معينين أكثر بكثير من المدينة نفسها التي نشأ فيها السماع والمديح وترعرع، صدق أو لاتصدق، فعموم المهتمين قد يعرفون فلانا أو علانا في هذا المجال دون أي معرفة غالبا بمدينة تازة أو أحوازها، ولذا لا يمكن الحديث عن علامة مميزة للمنطقة ضمن نفس السياق، ولم يضف مهرجان الزهر أي شيء يذكر. قس على كل ماسبق الكثير من التظاهرات التي يصعب حصرها منذ بداية الألفية الثالثة ونستثني من ذلك مهرجان سينما الهواء الطلق الذي وصل إلى حلقته السادسة وبإمكانيات بسيطة، تجعله محدودا أيضا في الزمان والمكان، ونعتقد أنه إذا توفرت له بعض من شروط البهرجانات التي وصفناها سابقا لذهب بعيدا في المجال، ولكن للأسف الشديد فاستفحال النزعات الانقسامية والتدميرية والإقصائية جعلت إشعاعه وطنيا بالكاد.
يتميز الإقليم بتنوع مظاهر التعبير الشعبي كالتبوريدة الغياثية وتشكلل البرنوسي وأحيدوس بني وراين والزريع التسولي، لكنها جميعها لم تتجاوز الإطار الجهوي رغم تعبيريتها وجماليتها، إضافة إلى أنها بقيت محافظة على نفس النسقية التقليدية، يضاف إلى ذلك عيساوة التازية وهي التابعة للزاوية الأم بمكناس، وضمنها الرقصة المتميزة”اللبية” أي اللبوءة زوجة الأسد، ومن المعالم التي تشكل الترميز الأساس لتازة ثريا المسجد الأعظم التي لم تسوق لحد الآن إلا بشكل بائس يطبعه الاجترار الذي يصل حد السذاجة أحيانا.
من جهة أخرى، يمكن من خلال أشكال الطبخ التازي المتميز أن تصاغ علامة هامة للمنطقة، إذ هناك وجبات لا توجد في غيرها من المدن كالحميس في عيد الأضحى وبيبي المحشو باللوز أو بيبي المعسل والفلفل المدقوق التازي والحريرة التازية، وكل هذا المطبخ يمكن أن يعزز الميزات الأخرى، لكن للأسف هناك قلة قليلة من أبناء تازة التي توجه اهتمامها نحو هذا الميدان وهو كما نلمس لا يقل أهمية عن باقي المجالات الرمزية للمنطقة. نذكر هنا العرس التازي المتميز بطقوسه وعاداته الأصيلة، وإذا أضفنا ظواهر وعادات معينة كالعوادات والمولودية وشعبانة يتضح مدى غنى الرأسمال الرمزي لتازة وأحوازها، من غير أن يؤدي ذلك إلى التعريف به واستثماره على الوجه الأمثل، أما أنشطة الباحثين في مجال التاريخ والتراث فتبقى جهودا مشكورة، وهي تساهم في التعريف بالمنطقة، لكنها ليست كافية لوحدها، لابد من تظافر جهود كل الغيورين لتسويق المدينة والإقليم، كل من موقعه.
* رئيس مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث .