بشراكة مع مؤسسة هانس زايدل الألمانية، نظمت جامعة مراكش ندوة دولية حول “الهجرة والأمن الإنساني في البحر الأبيض المتوسط”، يومي 24 و25 فبراير الجاري، موعد علمي أطره عدد من الباحثين الجامعيين والخبراء في المجال عن المغرب وليبيا وتونس وفلسطين، من خلال عشرين مداخلة عن حقل التاريخ والعلاقات الدولية والاقتصاد والقانون الدستوري والعلوم السياسية وعلم الاجتماع والقانون الدولي..
في جلسة الافتتاح حصل تأكيد على أهمية وراهنية موضوع الهجرة والأمن الإنساني في السياقات الدولية والإقليمية والوطنية، وعلى ما تطرحه الهجرة من تحديات إنسانية حقوقية أمنية واجتماعية في ظل تحولات جيواستراتيجية يشهدها العالم. مع مداخلة افتتاحية ألقاها الاستاذ المؤرخ عبد الواحد أكمير(مؤرخ)، مشيرا للتطور التاريخي للهجرة بين ضفتي المتوسط التي شكل فيها البحر مجال صراع وهيمنة من جهة ومجال تواصل ثقافي من جهة ثانية، قبل أن يتحول منذ منتصف الماضي الى مجال اقتصادي بفعل ما شهدته الضفة الجنوبية لمتوسط من أزمات، مما طرح جملة إشكاليات منها قضية المواطنة والاندماج. و شكل الإطار المفاهيمي والقانوني للهجرة والأمن الإنساني محور مداخلات جلسة علمية اولى من خلال استحضار التداخل المفاهيمي المرتبط بالهجرة غير الشرعية والدوافع ثم العوامل الجاذبة والطاردة لها، ثم إشكاليات الأحوال الشخصية للاجئ التي تطرح الاتفاقيات المؤطرة لوضعيته، والتي تنهل من المرجعية الغربية أساس فلسفتها. أما الجلسة العلمية الثانية فقد تناولت التغيرات السياسية والاقتصادية والسياسية بإفريقيا وانعكاساتها على الهجرة عبر المتوسط، حيث تمت الاشارة لضرورة الموازنة بين احترام حق المهاجر والمقاربة الأمنية التي تنهجها الدول المعنية، من خلال احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة ثانية تمتيعه بكل مؤشرات الأمن الإنساني بما فيه أمنه اللغوي، مع الانفتاح على التعاون الدولي والإقليمي من خلال استحضار أولوية المشاركة والإشراك لمواجهة ظاهرة ذات طابع كوني.
بينما الجلسة العلمية الثالثة فقد انفتحت في مداخلاتها على مقومات الأمن الإنساني والهجرة بإفريقيا، من خلال استحضار اشكالات بنيوية يثيرها غياب مقومات امن انساني بهذه القارة ، مما يفتح المجال لهجرة قاصرين واطفال في ظل ضعف حماية قانونية لهم، فضلا عن اللمعاملة التمييزية التي يتعرضون لها في الحدود ومراكز الإيواء. أو لهجرة كفاءات أصبحت محددا للصراع الاستراتيجي بين القوى الاقتصادية الكبرى أمام ضعف مؤشرات العودة وصعوبتها، هذا في ظل ظروف دول عالم ثالث خاصة بإفريقيا حيث انتشار الفساد السياسي والفشل في بناء الدولة بها اضافة إلى التدخل الخارجي، مما عمق الأزمات وأدَى إلى تغييب كل مقومات الأمن الإنساني التي لا يمكن تحقيقها دون استقرار سياسي ونظم اقتصادية وتربوية ناجعة تساهم في تحقيق الاندماج الاقتصادي. أما الجلسة الرابعة فقد ناقشت علاقة الأمني والإنساني في مواجهة الهجرة عبر المتوسط، مؤكدة من خلال مداخلاتها على تنصيص القانوني الدولي على الاعتبارات الإنسانية من خلال اعتبار الأمن الإنساني صوب قضايا الهجرة غير الشرعية، وتجاوز النظرة النمطية للمهاجر من طرف أوساط غربية تتماهى في بعض الأحيان مع الخطاب المؤسساتي. اما جلسة ندوة جامعة مراكش الختامية، فقد ركزت على السياسة المغربية للهجرة واللجوء ورهاناتها، التي اعتمدت بعدا انسانيا وتعددا في أبعادها، ، من خلال المواكبة والتفاعل الإيجابي مع قضايا المهاجرين بالمغرب، كما الأمر بالنسبة للسياسة الوطنية في مجال الصحة، دون نسيان ما هناك من اشكالات مطروحة ذات صلة.
حضور هذه الندوة كان من مختلف الجامعات المغربية، وقد خلصت اشغالها الى التأكيد على أهمية استحضار الجوانب الإنسانية في جميع أبعادها للتعامل مع قضية الهجرة، وعلى تجاوز صور نمطية لهذه الظاهرة باستحضار أثارها في التنمية وتعزيز العلاقات الإنسانية، مع الدعوة إلى إرساء تعاون دولي مبني على احترام ما هناك من تشريعات ومواثيق دولية والعمل على تطويرها لمواكبة ما هناك من تحولات دولية، فضلا عن العمل على إرساء تعاون إقليمي يضمن تنظيم التدفقات البشرية والاستفادة من فرص الهجرة، مع التنبيه لكلفة هجرة الكفاءات نحو الخارج والتأكيد على أهمية الانفتاح على كفاءاتها، والتعامل مع الموضوع بشكل شمولي، مع تثمين جهود المغرب باعتباره بلدا معنيا بالهجرة وفضاء المتوسط.