تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من تجليات ذاكرة تازة التاريخية، ما هناك من رمزية تصوف وصوفية بمشاهد موزعة بين حاضرة وبادية بالفهم التاريخي للمجال، ولعل صوفية المدينة من خلال خريطة إرثها المادي الشاهد الذي يعود بعض أثاثه لزمن مغرب العصر الوسيط حيث القرن الرابع عشر الميلادي، تعكس ما هناك من تنوع أعلام وطبيعة تجارب وأصول جامعة بين ما هو محلي تازي ومغربي ومغاربي ومشرقي عربي اسلامي. وما كان لصوفية تازة من مكانة واعتبار وحاجة نفسية روحية في ثقافة بيئة ومجتمع. وعليه، ما كان للتصوف ورجالاته ومن ثمة للولي الصالح من حظوة وهيبة ومكانة اجتماعية وسلطة رمزية حول هذا وذاك من أمور دينية ودنيوية. وهو ما ورد جليا في مصادر تاريخية مغربية عدة، وما يحضر من حديث في مناقب صوفية مغرب ومغاربة اختاروا روح وحياة اعتكاف وخلوة بعيدا عن انشغالات الدنيا وهمومها لدرجة القطيعة.
وكان مغاربة العصر الوسيط سواء ببوادي البلاد أو حواضرها كما بالنسبة لتازة، بعناية خاصة بأعلامهم من الفقهاء والعلماء والصلحاء، من خلال ما اظهروه من ثقافة وتقاليد تعظيم لهؤلاء وما احاطوا به اضرحتهم من تشييد واهتمام بعد وفاتهم، رغم علمهم بما تحتويه العقيدة الاسلامية من اشارات محرمة لتقديس الموتى كيف ما كان شأن حياتهم. ولعل ما احيطت به اضرحة متصوفة المغرب عموما ومنها أضرحة صوفية تازة من رعاية خاصة، لا شك أنه كان بغرض جامع بين ما هو روحي اجتماعي ونفسي، على أساس انتماءات صلحاء أو كرامات وتميزات وغيرها من اعتبارات علم وتعليم وتنوير وعبادة ومعرفة وشيخ ومريد وزوايا وأمكنة وغيرها، تلك التي احيطت بما احيطت به عبر الأزمنة من قدسية وهيبة وتوقير ثقافي اجتماعي لا يزال قائما عالقا ممتدا. هكذا ما هناك من مساحة أضرحة بمشارب عدة ونعوت وقناعات وصورة في ذاكرة تازة الصوفية، وهكذا ايضا لم تكن تازة بنوع من الاستثناء في خريطة حواضر مغرب العصر الوسيط، من حيث ما كان من عمارة جنائزية مغربية ومشاهد اضرحة تخص أولياء وصلحاء وأعلام تصوف، حظيت بما حظيت به من مكانة في الماضي ولا تزال عبر ما هو روحي ثقافي ضمن ما هناك من ذاكرة وتمثلات مجتمع.
من أضرحة صلحاء وأولياء وفقهاء تازة الذين يحضرون في ذاكرة المدينة الشعبية ب”موالين البلاد”، وممن يتم نعتهم عند كل تأمل ووقفة وقضية ب”شي الله أرجال البلاد”، لِما هي عليه هذه الأضرحة في الوعي الجمعي المحلي من حزام واق وتحصين روحي رمزي وحماية لبلاد وعباد، فضلا عما يعتقد من كرامات وايمان بقضاء حاجات وغيرها. ومن أضرحة تصوف وصوفية تازة هذه، هناك ضريح الشيخ ابن بري التسولي المقوري اللنتي التازي الشهير بإمام القراء المغاربة، الذي عاش ما بين ستينات القرن السابع وثلاثينات القرن الثامن الهجري، وكان من نوابغ طلبة تازة وعدولها قبل أن يشد رحاله صوب فاس من أجل مهمة الكتابة في ديوان البلاط السلطاني والدولة. وقد عاصر تأسيس دولة بني مرين في مغرب الع مستفيدا من نهضتها العلمية، فكان بما كان من تميز في عدة مجلات جمعت بين قراءات وتجويد وعلوم عربية واللغة وخط، ولعله صاحب مؤلف”الدرر اللوامع في قراءة الامام نافع” وغيرها من كتب فقه وشرح وتهذيب وشعر وتاريخ واصول ونحو وعروض وغيره. ونظرا لما كان عليه ابن بري هذا من صيت واسع داخل البلاد وخارجها، بلغ خبره لملوك بني مرين وقد تميزا بشغف العلم والمعرفة واستقطاب العلماء والعناية بهم، حيث سارع السلطان ابي سعيد المريني لالحاقه بفاس مطلع القزن الثامن الهجري، بحيث جعله كاتبا لولده ابي الحسن بل استاذه الخاص ايضا، فضلا عن مهمة كرسي الاقراء بالقرويين التي كانت فضاء وقبلة للعلم والعلماء. ولعل ضريح الشيخ ابن بري مؤسس المدرسة القرائية المغربية في مغرب العصر الوسيط، هو الأكثر تميزا ضمن اضرحة صلحاء وأولياء وعلماء تازة، نظرا لما هو عليه ضريحه من تميز عمارة شاهدة جامعة بمثابة مركب أثري جامع بين أسوار محيطة تاريخية وبيوت اقامة وبهو وأقواس، تجعله من معالم تازة ومبانيها الدينية التاريخية.
ولعل ما أوردناه من اشارات بمختصر مفيد حول ضريح ابن بري التازي الذي ارتأيناه نموذجا فقط، نفسه ما يمكن أن يقال حول أضرحة عدد من صوفية وفقهاء تازة وباديتها، من قبيل ضريح الشيخ أحمد زروق البرنسي في خلوته وقد اشتهر بمحتسب العلماء، وكذا ضريح الشيخ ابن يجبش التسولي التازي الشهير بصوفي الجهاد، وغيرهم كثير من أضرحة علماء وصلحاء وفقهاء يتقاسمها مجال تازة العتيق، وتتوزع على دروبه وأزقته وفضاءاته الدفينة بإحالاتها الرمزية التاريخية.
كل هذا الأثاث من إرث تازة الثقافي الرمزي، يطرح سؤال سبل تدبير واستثمار موارد زمن المدينة من قبيل أضرحتها التاريخية، ومن ثمة سؤال التنمية المحلية وسبل اعادة دينامية مجالها العتيق عبر حسن اعتبار ما هناك من علاقة تشابك بين جوانب ومكونات عدة رافعة لما هو سياحي ثقافي تاريخي، من خلال حسن ادراج وموضعة وتوظيف ما هناك من مؤهلات متفردة في بعض جوانبها. ومن هذه المؤهلات ما تحفظه تازة من مساحة أضرحة صلحاء وفقهاء وعلماء، من شأن بيئتها وتمثلاتها وغرائبيتها وموقعها ووقعها السسيولوجي والانتروبولوجي في ذاكرة تازة والمغرب والمغاربة، أن تكون بأثر معبر في خطوات تنمية سياحية محلية واعدة، عبر ما ينبغي من خطة عمل ورؤية واضحة وفرز نقاط أزمنة وأمكنة وإعداد دليل، وعبر ما ينبغي ايضا قبل كل هذا وذاك من فعل تشارك وقوة إرادة وأفق استشراف وروح مستقبل مدينة.