محمد الكًحص التازي .. الاعلامي المتميز والسياسي المحنك والمثقف العميق ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
إنسان عادي بسيط شعبي بل ربما أكثر من هذا وذاك من توصيف، مع ما يظهر عليه بمحياه من قيم كائن وخجل ذات، انما مقابل هذه الصورة والوجه هو انسان منفتح على كل ما هو حياة وحداثة وثقافة غرب بحكم تكوينه ودائرة نتحه الفكري العلمي. بحيث بعدما تابع دراسته العليا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة نانسي بفرنسا، غير مساره كلية صوب وجهة آخرى لم تكن ربما بتوقع وخطوة ومغامرة، وقد سمحت له بولوج بحر مهنة متاعب حيث”الخبر مقدس والتعليق حر”. هكذا كانت الصحافة محطته الموالية بعد دراساته العليا تخصص اقتصاد، قبل أن يعود الى المغرب وبحوزته شهادة “ميتريز” في العلوم الاقتصادية، ثم دبلوم الدراسات المعمقة في التسيير فضلا عن دبلوم دراسات عليا في الصحافة من جامعة ستارسبورغ. مسار دراسي وأثاث تكويني علمي بقدر ما انتهى بجملة بحوث/ نصوص توجهت بعنايتها لعالم التدبير الاستراتيجي والعلاقات الأورومغاربية فضلا عن التسويق السياسي والتيكنولوجي، بقدر ما سمح له سفره العلمي ومساره هذا بولوج جريدة ليبراسيون”من بابها الواسع، لسان حال حزب كان بما كان من صدى لدى بلاد وعباد لعقود من الزمن، جريدة تقلد فيها منصب مدير تحرير منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. وصاحب افتتاحيتها لسنوات وسنوات، وما أدراك ما هيبة وسلطة ورسالة افتتاحية ليبيراسيون في ذاكرة صحافة مغرب أمس الورقية المفرنسة. افتتاحية ارتآى صاحبها ابن تازة خطا تحريريا مبكرا له في عالم سياسة وهو في سن الرابعة عشرة من عمره، ذلك الذي يفضل البعض نعته بالفقير الذي استوزر من مهنة المتاعب، وبالوزير الذي عرف كيف يسلط على نفسه الأضواء عبر زاوية الشباب. فضلا عما قيل عن أثر وتغيير وقيمة مضافة تركها في دواليب وزارة الشباب التي كلف بها ذات يوم، الى جانب ما طبع تجربة استوزاره من أفكار تمكن بها وعبرها من إضفاء ما اضفاه من اثارة وجدل، لِما حصل من مبادرات تخص وعي مجتمع وتطلع وتفاعل ومن ثمة شباب. تلك التي من بصماتها ما شمل مكون “الكتاب” من عناية وقد اجتهد لتحريره من قبضة رفوفه وسكونه، مستهدفا استرجاع هيبته ومكانته وزمنه وما كان عليه من دفئ ورفقة وقراءة ولقاءات وقيمة جمع وجدل.
ذلك هو الأستاذ والاعلامي المقتدر وكاتب الدولة لدى وزارة الشباب ذات يوم قبل حوالي الربع قرن، ابن تازة البار المحترم محمد الكًحص خريج جامعة نانسي ثم جامعة ستارسبورغ. بفرنسا، انما أيضا مدرسة الاتحاد الوطني لطلبة فرنسا ومدرسة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. دون نسيان أن بداية مشوار صاحبنا التعليمي من ابتدائي كانت عبر مدرسة بيت غلام الشهيرة بتازة، ومن إعدادي وثانوي بها أيضا عبر ثانوية ابن الياسمين محطته الأخيرة، قبل أن يشد رحاله صوب تجربة طلب بالديار الفرنسية مطلع ثمانينات القرن الماضي. تلك التي مكنته بما مكنته هوية فكر وعمق معرفة اطلاع وتأطير وتكوين وأخذ وتقاسم وتأثير وتأثر. تكفي الاشارة الى أن من مساحات تداريبه التكوينية الدراسة في مجال الصحافة، تلك التي قضاها بمجلة “جون افريك” فضلا عن مقر المجلس الأروبي ب”ستراسبورغ”، رفقة ثلة من المثقفقين من الطلبة المغاربة آنذاك من قبيل الأستاذ برادة رئيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي كان محكوما عليه بالاعدام. علما أن الأستاذ محمد الكًحص ابن تازة البار، كان خلال فترة طلبه العلمي بفرنسا مراسلا لجريدة الاتحاد الاشتراكي على صعيد كل اروبا الغربية.
في قراءة عدد من السياسيين وكذا المثقفين الرصينين المغاربة، محمد الكًحص كان وزيرا بوليميكيا لِما امتلكه وتميز به من بعد نظر ونبوغ، ولِما انتهى اليه من اجتهادات كانت جميعها نتاج تأملات ومقاربات وتقديرات، وأن كل هذا وذلك من مكامن وشجاعة أدبية وتطلعات طبعته، هو ما مكنه من مساحة أثر نتيجة ما بلوره وانجبه من مبادرات رفيعة المستوى، منها ما تميز به من عناوين طموحة غير مسبوقة من قبيل “الجامعات الشعبية”، “العطلة للجميع”، “زمن الكتاب”، “مسرح الشباب”، “أندية وأوراش سينما الشباب”، “الكتاب على الشاطئ”، “المخيمات اللغوية”، فضلا عن المركز الوطني للإعلام والتوثيق للشباب، ومعه “المشروع التطوعي” وكذا “بطاقة الشباب”. كلها مشاريع وطنية بقدر ما كانت عليه من صدى فضلا عن إغناء لوعاء شباب وزخم أنشطة وزارة، بقدر ما تحفظ من منجز وأثر للأستاذ محمد الكًحص ومن ثمة من سيرة ذات وزارية وذاكرة. ومن طيف السياسة والثقافة أيضا، من يرى في شخص “الكًحص” كونه انسانا متجددا ومجددا ورجل مبادرة وجرأة وصاحب مواقف، حريصا دوما على إبداء رأيه، وهو ما يجعله دوما بنوع من لمسة شباب. وهناك من يرى في ابن تازة هذا، ذلك الحداثي أكثر من الحداثيين وذلك الجامع بين قبعة السياسي وقبعة الصحافي. ليبقى في جميع الأحوال كون محمد الكًحص التازي شكل لبنة أساس في مجال تشبيب القطاع الوزاري بالمغرب قبل حوالي ربع قرن، وأنه واحدا من الصحافيين المغاربة المتميزين الذين تمكنوا من قيادة وزارة ليست دواليبها وتدبير شؤونها بالعمل السهل.
صحيح أن محمد “الكًحص” غاب عن الأضواء عموما وعن الساحة الوطنية السياسية ومعها حتى الفكرية والابداعية منذ سنوات، ولم يعد اسم وشخص من سمح لمئات الآلاف من أطفال المغرب بخوض غمار الاصطياف بعيداً عن المدرسة والأسرة. من خلال تجربة “العطلة للجميع” التي لا يزال أثرها ممتدا منتصبا حتى الآن. وغير خاف عن مهتمين متتبعين ما كان لبرنامج “عطلة للجميع”، من أساس فكري ومشروع رافع انساني اجتماعي لفائدة طفولة وشباب وتكوين وروح عمل جماعي وإعداد جيل واستشراف. لم يعد مؤسس أنشطة قرب في عالم تخييم واستفادة من عطلة كيفما كان مستوى المستفيدين منها واينما كانوا، لم يعد ابن تازة الوزير هذا يذكر الا نادرا جدا، وحتى عندما يظهر في ظل ندرته هذه يظهر بقبعة مثقف هنا وهناك بين ندوة ولقاء واحتفاء أو مؤتمر سياسة دون رغبة في اضواء، وهو الذي قال مؤخرا أن المغرب بحاجة ليسار قوي، وأنه لا يمكن تحقيق ديمقراطية بدون هذا المكون الذي يمثل إيديولوجيا مختلفة. مضيفا أنه في حال استمرار تدمير المدرسة العمومية والخدمات الصحية والأساسية والقضاء على فكرة التضامن في المجتمعات الإنسانية، سنكون مقبلين على “حتف حضاري”.
هكذا هو ابن تازة “الكًحص” الذي قيل عنه أنه من العناوين القليلة التي تركت بصمات في مسارها الوزاري، وأنه بكاريزما انسان مثقف بطرح وحضور في كل لقاء ونقاش ومقال ومقام رصين. ومن لا يتذكر مساحة برنامج على القناة الثانية لا يزال في حفظ”غوغل”ورعايته، وقد عاد فيه كل من المفكر عبد الله العروي وابن تازة الصحافي المقتدر محمد الكًحص، لنقاش كثيرا ما شغل مغرب ومغاربة أمس، حول قضايا كبرى جوهرية واستراتيجية في بناء المجتمع ومشروعه، من قبيل قضية التعليم والمواطنة وتنظيم الدولة والمرأة والديمقراطية والعلاقة بين العقيدة والسياسة… ، ولعل ابن تازة الوزير السابق، رغم ما يسجل عليه من غياب، كان بحضور فكر ولقاء هنا وهناك من قبيل ما يخص مثلا عالم السينما المغربية ورهاناتها وأوراشها انتظاراتها، في علاقتها بجوارها من المجال. وقد دعا ذات يوم للتفكير في بناء انسان متوسطي مهما كانت جنسية هذا الانسان وديانته، في أفق ما ينبغي من تعايش بين ضفاف بحيرة بإرث حضاري رمزي واسع ومتعدد، مقترحا أهمية تقوية الدول الوطنية مع سعي لهوية متوسطية قبل كل تفكير في وحدة أو اتحاد. عندما تحدث عما يطبع البحر المتوسط من مشاكل واكراهات، من قبيل ما هناك من تطرف وعنصرية وإرهاب ومخدرات وتهريب وهجرة فضلا عن فقر وتعثر تنمية..، معتبرا الثقافة أداة رافعة من اجل أفق وهوية متوسط، مشددا على تعبئة كل الثقافة بمعناها الواسع من سينما وكتاب ومسرح وتشكيل وأدب وصورة ومعها كل تعبير فني آخر، لربح بحر متوسط مندمج.
هكذا أيضا هو ابن تازة المحترم أحد ايقونات معركة وذاكرة انتخابات تازة الجماعية الأولى سنة ألف وتسعمائة وستة وسبعين، ضمن ما يعرف ب”الانطلاقة الجديدة” بعد حدث المسيرة الخضراء ومغرب مطلع سبعينات القرن الماضي. محمد الكًحص الذي تشبع ذات يوم بفكر واشتراكية أروبا الشمالية الديمقراطية من قبيل ما طبع نماذج عن المجموعة الاسكندنافية، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي ذات يوم، وعاشق تازة ونصوص الرواية وفكر عبد الله العروي وطروحات السسيولوجي محمد كًسوس وغيره من عناوين غير خافية، كانت بما كانت عليه من بصمة وهيبة علم وفكر ورأي وطرح وجدل ورأي. وهكذا هو ابن تازة “الكًحص” الذي بقوة وطاقة فكر وجدل وتحليل وترافع وعرض حول هذا وذاك، من قضايا صحافة واديولوجيا وهوية مجتمع وفكر ومرجعيات وفعل جمعوي وتطلعات وتماسات تنمية ورؤية ومقترح ..، عرض حول هذا وذاك قد يمتد لساعات بايقاع مسترسل ليس لوقت محدود بل لساعات دون عياء ولا ملل ولا كلل، مع أهمية الاشارة لِما للرجل من احالات وتكوين لغوي وتعبير متين سواء تعلق الأمر بالفرنسية أو العربية، ولِما له ايضا من قدرة تدافع وترافع وطاقة صمود وحرص على رأي. يجعل من غنى تجربته وطبيعة كفاءته إن في شقها الصحافي أو السياسي أو الفكري، بنوع من حالة تفرد وبصمة وصدق ومبدإ وموقف وغيرة ووطن، محمد الكًحص الذي يحضر في زمن تازة الحديث وذاكرتها، اسما وشخصا ومفكرا وسياسيا وصحافيا ووزيرا عظيما، وكذا قامة تازية شامخة ومقاما ديوانا بهيا مفخرة، مستحقا حفظه الله كل ذكر ومحبة وعرفان وتقدير واجلال واكبار.