تازة بريس

في رحاب ذاكرة تازة الرياضية الكروية وتهيئة ملعبها البلدي زمن الحماية ..

-

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

غاية في الأهمية ما يطبع تازة ويميزها من تراث مادي ولامادي، ولعل من معالم تراث المدينة ما هو حديث تبلور خلال القرن الماضي زمن الحماية الفرنسية على البلاد. وعليه، ما هناك من حاجة لإلتفات وإحاطة بشواهد هذا التراث الرمزي من خلال ما ينبغي من جمع ودراسة وفرز وابراز، من أجل فكرة شافية تخص أثاثه وأعلامه وفضاءاته. ويسجل ضمن تراث تازة ما شهدته المدينة من نشاط رياضي حديث، لايزال في سواده الأعظم بمعطيات شحيحة عن بداياته ومساراته ومسالكه لاعتبارات عدة، منها ما يسجل من حجل يخص الاقبال على نبش موضوعه وفق ما ينبغي من نهج وتوثيق، فضلا عما يُطرح من إكراه وعوز يخص المادة العلمية ومنها ما هو أرشيف. مع أهمية الاشارة الى أن غياب هذا وذاك من أسس الحديث عن إرث المدينة وذاكرتها الرياضية، يجعله بكثير من الرواية والمعلومة التي يصعب الاطمئنان اليها. ذلك أن نشاط تازة الرياضي لهذه الفترة ، لا يزال ببياض معبر يخص مشهده الحديث علما أنه مجال بقدر كبير من الأهمية باعتباره جزءا لا يتجزأ من تاريخ المدينة وتراثها.

ولا شك أن موقع تازة وأهمية ممرها بين وجدة شرقا، وقد شهدت هذه الأخيرة ما شهدت رياضيا منذ احتلالها من قبل الفرنسيين عام 1907، وبين فاس المدينة العاصمة غربا، فضلا عما طبع هذه المدن الثلاث من عناية خاصة استعمارية، وما جمع بينها من طريق عابر وسكة حديدية وأدوار استراتيجية وبنية عسكرية. لا شك أن موقع تازة هذا ضمن هذا الترابط، كان بدور في تسهيل حصول تأثر سريع بما هو حديث استعماري وما هو حداثة على عدة مستويات لعل منها ما هو ثقافي وعمراني واجتماعي وترفيهي رياضي .. عبر هذا وذاك من السبل والآليات. وعليه، تحضر ذاكرة تازة الرياضية الحديثة من خلال ما تحتويه المدينة من معالم كولونيالية شاهدة منذ ثلاثينات القرن الماضي،  وقد تم إحداثها من أجل حركة رياضة حديثة في بنيتها ومعالمها، من قبيل الملعب البلدي والمسبح البلدي وغيرهما من الفضاءات التي تقاسمت فرجة وايقاع الرياضة الحديث الأروبي. كما تحضر ذاكرة تازة الرياضية الحديثة ايضا من خلال ما هناك من أرشيف بلدي، والذي لا شك أن نصيبا منه كظل متوفرا الى غاية ستينات وسبعينات القرن الماضي، قبل أن يتعرض لِما تعرض له من ضياع وإتلاف إثر ما حصل من تعمير جديد واصلاحات وتحويل مهام مرافق وبنايات وغيرها، بعد استقلال البلاد. ولعل من هذا الأرشيف البلدي ما يهم وثائق منشآت تازة الرياضية وتصاميمها الهندسية خلال فترة الحماية، فضلا عن صور مواقعها وأطوار اشغالها وانجازها. ناهيك عما لهذه الوثائق من قيمة بحثية تاريخية، نظرا لِما تحتويه من معطيات تخص من أعد هذه المنشآت وأشرف على أشغالها من أسماء ومصالح ادارية، ومن وفر كلفتها وتموينها وتجهيزاتها، دون نسيان ما هناك من أرشيف صحفي فرنسي استعماري، وما يمكن أن يسهم به من معلومة رغم شتاتها حول شأن الرياضة والرياضيين وأنشطة تازة الرياضية خلال هذه الفترة. 

ويحق سؤال الباحث المهتم بتاريخ الرياضة الحديث وتراث تازة الرمزي هذا، حول ما هناك من عوامل كانت بأثر مساعد في نشأة حركة رياضية محلية حديثة بشكل مبكر مقارنة مع جهات أخرى بعد نهاية ما سمي مكرا زمن الحماية ب”التهدئة”؟، وحول ما قد يكون لانفتاح تازة على حدود البلاد الشرقية غير البعيدة حيث وجدة وتماساتها مع مستعمرة الجزائر الفرنسية آنذاك، وما شهدته هذه الأخيرة بعد احتلالها قبل فرض الحماية على البلاد، من حركية رياضية في صورتها وألوانها وفرجتها الحديثة الأوربية الأصول من قبيل كرة القدم؟، وماذا عن أثر فاس العاصمة وما حظيت به من عناية فرنسية منذ احتلالها سنة 1912، وما شهدته من توافد لجالية فرنسية خاصة، ومن ثمة من تعمير ومنشآت حديثة منها ما هو ترفيهي رياضي؟، ثم ما الذي قد يكون حصل من مشهد رياضي حديث بتازة بعد احتلالها سنة 1914، وتحويلها الى قاعدة عسكرية كبرى إثر ما أحدثته سلطات الاقامة الفرنسية بها من ثكنات ومرافق تموين وتجهيز ومعدات عسكرية وغيرها، فضلا عن فِرق جيش واسع بمهام حربية متعددة استهدفت به إحكام سيطرتها على المنطقة وتأمين ممرها وضبط قبائلها، وكذا توفير موارد دعم تقني وبشري لعملياتها وفق السرعة المطلوبة هنا وهناك شرقا وغربا. مع ما صاحب كل هذا الأثاث الاستعماري العسكري بتازة من إدارة مدنية ومرافق اجتماعية وخدماتية، فضلا عن جالية فرنسية مقيمة، ومن ثمة ما شهدته المدينة من دينامية وتحولات وحداثة ونمط حياة وسلوك جديد وترفيه وتعبير وأنشطة لعل منها ما هو رياضي؟.

كلها أسئلة وغيرها لا شك أنها ذات أهمية، لإثارة ما يمكن اثارته وابراز ما يمكن ابرازه من أتر يهم شأن الرياضة بتازة وبداية حداثتها ومن ثمة مظاهر ايقاعها خلال فترة الحماية، من أجل ذاكرة رياضية بمعطيات ذات فائدة الى حين ما ينبغي من دراسات وتقارير رصينة، وكذا من انخراط باحثين ودارسين في هذا الورش من تراث تازة خلال هذه الفترة من مغرب وزمن الحماية، من أجل نصوص مؤسسَّة من شأنها إغناء خزانة المدينة وتنويع مواردها المعرفية التاريخية وتوثيق ذاكرتها اللامادية الحديثة. مع ما ينبغي من تحفيز للبحث والباحثين ومن سؤال حول ما هناك من أرشيف محلي رياضي، في أفق أعمال وتقارير تنويرية رافعة للتنمية المحلية، بعيدا عن مزيد من الانتظار بعد حوالي سبعة عقود من الاستقلال.

اشارات ارتأينا أنها ذات أهمية من أجل ورقة بمختصر مفيد، حول بعض تجليات تازة الرياضية الحديثة، التي بدأت صورتها وأنشطتها ومعالمها وفضاءاتها تتشكل وتتبلور زمن الحماية على البلاد، تحديدا منذ ثلاثينات القرن الماضي إثر ما شهدته المدينة من تهيئة رياضية، استهدفت تحقيق انسجامها مع وضع اجتماعي جديد ونمط عيش حديث يخص جالية فرنسية عسكرية ومدنية مقيمة بها. بحيث يستفاد مما طبع تازة خلال هذه الفترة من بنية ومستقر واسع للقوات العسكرية الفرنسية فضلا عن مساحة معمرين، أن المدينة باتت بمظاهر عيش ونمط أوربي على مستوى مجالها الكولونيالي (تازة السفلى). الى جانب ما بات يطبعها من منظر ترابي تعميري وعلاقات وسبل ترفيه حديث، تقاسمته مقاهي وقاعات راحة وترويح عن النفس واحتفاء، فضلا عن أنشطة رياضة بقدر ما انحصرت في أول أمرها داخل الثكنات العسكرية، بقدر ما اقتصرت على جنودها باعتبارها جزءا من برنامج تدريبي منتظم خاص بهم، في اطار إعدادهم بشكل مستمر ضمانا لجاهزيتهم البدنية من أجل قيامهم بما هو منوط بهم من أدوار قتالية. بقدر أيضا ما يسجل حول ما كانت تعرفه هذه الثكنات العسكرية الفرنسية محليا من أنشطة رياضية ترفيهية ترويحية بين الجنود من حين لآخر، ولعل من هذه الأنشطة الترفيهية لعبة كرة القدم التي كان يمارسها جنود فرنسيون كلما سمحت ظروفهم وتوفرت شروط فسحاتهم. كرة القدم هذه التي بدأت فرجتها تتجاوز أسوار هذه الثكنات تدريجيا، صوب فضاءات مجاورة وأمكنة آمنة كانت قبلة راغبين في الترويح عن أنفسهم من أسر عسكريين ومدنيين فرنسيين وغيرهم. وعليه، فإن ما اتسع من مشهد رياضي بالمدينة كان بدور في انفتاح وتَعَرف الأهالي على أنشطة رياضية حديثة، ومن ثمة ما حصل من اقبال على فرجتها خاصة بعد نهاية ما سمي ب”التهدئة” وإحكام سيطرة القوات الفرنسية على تازة ومحيطها، وتوجه إدارة الحماية لتنزيل ورشها الترابي وفق رؤيتها ومعالم تعميرها الأوربي الحديث، ذلك الذي تضمن مرافق رياضية بمجال بات يعرف منذ ذلك الحين بتازة السفلى، وقد اختير له موضعا فسيحا عرف منذ القرن التاسع عشر ولا يزال ب”دراع اللوز” 

هكذا تسربت لعبة وفرجة كرة القدم واتسع ايقاعها ودرجة الاقبال على ممارستها ضمن شروط بسيطة أولية بين أطفال تازة وشبابها هنا وهناك داخل أسوار المدينة العتيقة وخارجها. بالموازاة مع ما كانت عليه المدينة الكولونيالية (تازة السفلى) من أثاث فرجة رياضية حديثة منذ ثلاثينات القرن الماضي، إثر ما توفر بها من فضاء وفِرق وجمهور متتبع، خاصة بعدما تمت تهيئة أرضية ملعبها البلدي، وما أحدثته هذه التهيئة من إعجاب في صفوف رياضيين تازيين آنذاك بشأن هذه اللعبة، عندما عادوا بعد عطلة صيفية لهم بفرنسا وفق ما يذكره الأرشيف. علما أن تهيئة أرضية ملعب تازة هذا خلال هذه الفترة كان بمثابة نهضة رياضية كبرى وانطلاقة حقيقية للعبة كرة القدم بالمدينة، بحيث خضع هذا الملعب الذي كان بمثابة مجمع لأنشطة رياضية( parc des sports)، لتسوية أرضيته وتغطيتها بفرشات رملية لغمر ما كان بها من ثقب وحفر وتحدبات، لتغيير مظهره وجعله ملائما لممارسة رياضة وفق سبل وضوابط حديثة. كما استهدفت هذه التهيئة ايضا ابراز ملامح ملعب من خلال توسيع مساحته، فضلا عن إحاطته بسياج لحمايته مع عملية تشجير منتظمة على جنباته لإضفاء منظر جاذب عليه.

ولعل ما أحيط بملعب تازة من أشغال خلال ثلاثينات القرن الماضي، كان بهدف توفير شروط مناسبة حديثة أولية لممارسة لعبة كرة القدم بالمدينة وتحقيق فرجتها ولحظاتها الشعبية الممتعة. فضلا عن أهمية هذه التهيئة في الاستجابة لحجم ما كان يحج لهذا المكان (الملعب) من متفرجين نهاية كل أسبوع، عبر إحداث منصة tribune مفتوحة مناسبة لمتابعة ما كان يحتضنه من مباريات بين فرق كروية محلية وأخرى زائرة، وهي المنصة التي لا تزال قائمة لحد الآن والتي كانت في طور الانجاز آنذاك، وقد استهدف انجازها جعل المتفرجين المتتبعين في أحسن حال وكيفما كانت الأحوال المناخية. ويسجل أن ما حصل من تهيئة لملعب تازة البلدي كان بفضل يد عاملة وفرتها السلطات العسكرية الفرنسية المحلية ومعها المصالح البلدية، علما أن ورش التهيئة هذا كان تحت إشراف أحد العسكريين الرياضيين الفرنسيين هو العقيد lausanne. مع ما أسهمت به مصالح التدريب العسكري المحلي التي وضعت فرقها رهن إشارة هذه التهيئة طيلة مدة الأشغال، دون نسيان ما أسهم به السجناء الذين وضعهم المراقب المدني بتازة رهن اشارة المشرفين على العملية. هذا الى جانب ما قامت به أن السلطات المحلية والعسكرية، من تعبئة في صفوف الرياضيين التازيين من أجل المشاركة في هذا الورش وانجاحه وقد اعتبرته الجهة المشرفة تحديا حقيقيا. كلها جهود وتعبئة وغيرها، سمحت بتهيئة جيدة جعلت ملعب تازة البلدي واحدا من أهم ملاعب مغرب زمن الحماية من حيث أرضيته آنذاك.

عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

إلغاء الاشتراك من التحديثات