في الحاجة الى مساءلة موارد جبال تازة وتنمية مجالها وهندسة مستقبلها ..

تازة بريس7 نوفمبر 2024آخر تحديث : الخميس 7 نوفمبر 2024 - 8:16 صباحًا
في الحاجة الى مساءلة موارد جبال تازة وتنمية مجالها وهندسة مستقبلها ..

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

كان الجبل بالمغرب ولا يزال، بجدل بيئي وعناية وسؤال عن موقعه الترابي كمورفولوجيا من جهة وكوسط سوسيو- ثقافي من جهة ثانية. سياق تجدر الإشارة فيه لِما انعقد من عشرات الندوات واللقاءات العلمية حول هذا المعطى الطبيعي، في علاقته بتاريخ وتراث وتراب ورهان عدد من المدن المغربية وقضاياها الترابية وتطلعاتها وأوراشها هنا وهناك. وقد استضافت في هذا الاطار على سبيل الذكر كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس قبل حوالي ربع قرن، ندوة علمية وطنية تمحورت حول “الجبل في تاريخ المغرب”، وهو ما تم تناوله في علاقته بأودية مجاورة وتجارب حكم بالمغرب منذ العصر الوسيط، وكذا بما حصل من توسع وغزو أجنبي عبر فترات تاريخ البلاد، فضلا عن نماذج جبلية طبعها ما طبعها من تجليات روحية ووقائع عسكرية وسياسية وغيرها، مع ما حضر وحضي به سؤال الجبل والمقدس زمن ما قبل الإسلام من مقاربة في هذه الندوة، وكذا درجة مركزية هذا الجبل / المعطى وهامشيته ضمن المجال المغربي. ولعل بقدر ما أحيط به الجبل من عناية وما أنجز حوله من تقارير خلال القرن الماضي زمن الحماية الفرنسية بالمغرب، وما تحقق من أبحاث ذات صلة من قِبل باحثين مغاربة بعد الاستقلال، بقدر ما يُسجل من ندرة سؤال بحث علمي راهن حول هذا الجبل، كمكون مجالي طبيعي في علاقته بالإنسان والموارد والثروات والتنمية وقضايا ما هو تدبير وتباينات واقتصاد ورهان جهوية فضلا عن تطلعات ما هو نماء محلي، علما أن الجبل بالمغرب هو مجال ترابي واسع ومعقد في آن واحد. واسع إذا ارتأينا ما هو امتداد ونفوذ من حيث مقدراته وثرواته الحيوية التي تجمع بين المياه والغابات والمعادن وتُحَفِ المشاهد…الخ، ومعقد من حيث واقع حاله الاقتصادي والاجتماعي والانمائي والولوجي… فضلا عن حجم ما هو مطروح من إكراه مُركبٍ إلى حين.

عن الجبل بالمغرب كبناءات بارزة ومشهد بيئي وثقافة وأنماط عيش ممتدة في الزمن، ارتأينا بعض الضوء والاشارة حول جبال تازة هنا وهناك شمال الاقليم حيث مقدمة جبال الريف وجنوبه حيث الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي، مع ما يتقاسمها من قمم شاهدة فضلا عن ذاكرة وزمن مغربي سياسي تاريخي، من خلال ما هناك من تماسات بنشأة كيانات سياسية مغربية وانهيارها منذ العصر الوسيط، دون نسيان ما طبع هذه المرتفعات من أحداث وتطورات وملاحم وطنية الى عهد قريب. ورغم ما تبدو عليه جبال تازة من هيبة بروز، يظهر أنها لم تكن بما ينبغي من عناية ومعلومة شافية، اللهم ما ورد عنها ضمن تقارير زمن الحماية خلال القرن الماضي، من خلال أنشطة تعرفية من قِبل استكشافيين ودارسين أجانب خاصة منهم الفرنسيين، مع أهمية الاشارة لِما أحيطت به هذه الجبال خلال هذه الفترة، من سياسة ترابية استعمارية عملت جاهدة من اجل ضبطها وإحكام القبضة عليها وعلى علاقاتها بمحيطها، فضلا عن حصارها باعتبارها مصدر ردود فعل ومقاومة. ويسجل أنه إذا كان قد تم استحضار جبال تازة كما الحال في باقي جهات البلاد منذ الاستقلال من خلال ما حصل من سياسات ترابية قروية وخيارات تدخلات، فإن نتائج ما تم تسطيره خلال هذه افترة من راهن البلاد لا يزال بغير ما كان منشوداً من تطلعات. ومن هنا أهمية وقوف المعنيين كل من موقعه مع مساءلتهم لِما هناك من افراز ترابي، فضلا عن اختلالات وتباينات وحاجيات جبال اقليم تازة باعتبارها ترابا واسعا بتباينات عدة ومتداخلة. مع طرح سبل إنصاف انمائي ترابي لفائدة جبال هذه المنطقة، التي لا شك أنها تقوم على خاصيات ومؤهلات ومتطلبات وواقع معيش وثقافة ساكنة وتكوينات قبائل وغيرها. وبقدر ما جبال اقليم تازة هي بامتداد مجالي واسع بقدر ما واقع حالها هو بأسئلة عدة واكراهات وتعقيد، بقدر ما واقعها نِتاج سبل تدخلات وقراءات تمت بها منهجَتُها وتنظيمها وتدبير ترابها. وعليه، ما يحتاج اليه حال هذه المكونات الترابية بالاقليم، من أهمية إعادة صياغة وقراءة وتطلع، ضمن سياق تنمية محلية وجهوية رافعة. وعندما نقول ما تم اعتماده من سبل تدبير على مستوى جبال تازة من خلال بعض التجارب الموضعية (مصطاف باب بودير..)، نعني بذلك ما هو استراتيجي استشرافي كقراءات وخيارات، وكذا ما هو أثر لِما رسَمَته هذه السبل وما خطته وبلغته من أجل تنمية هذا المجال.

هكذا يبدو أنه ما أحوج جبال اقليم تازة، لرأي ومقترح وآليات عمل تشاركي وتقاسم لأدوار من أجل إنجاح خيارات تنميتها ومن خلالها انجاح ورش تنمية الوسط القروي. علما أنه كثير هو ما لا يزال عالقا من اسئلة حول نماء هذه الجبال في شموليتها وفي علاقتها بهويتها  المجالية بعد عقود من الاستقلال، بل تبقى أسئلة الوسط القروي بالإقليم عموما أكثر الحاحاً لعوامل عدة موضوعية. وقد يكون انخراط الجميع كل من موقعه، بأثر في بلورة ما ينبغي تصور لمشاريع انمائية رافعة من اجل اقتصاد جبلي محلي منه ما هو اجتماعي، مع تأسس هذا الانخراط على ما هو تأطير للنهوض بهذه الجبال/ البادية كمجال لا يزال ببنيات معقدة. ويتبين أن سياسة تدبير تراب الإقليم منذ استقلال البلاد، غابت عنها أهمية ومكانة معطى الجبل به، وغاب عنها استشراف حاجاته البشرية وما يحتويه من موارد لا تزال بحاجة لتهيئة وتأهيل. وعندما نتحدث عن الجبل في اقتصاد الاقليم، تحضر باديته بمشاهدها اللامتوازنة واللامسايرة واللامتجاوبة مع ما هناك من تحولات وانتظارات. كل هذا وذاك لا شك أنه واقع هو نِتاج سياسات ترابية وتجارب اعتُمِدت في مغرب ما بعد الاستقلال، كخيارات بقدر ما كانت عليه من طموح بقدر ما طبعها من محدودية انجاز وفعل ترابي، اللهم ما هناك من استثناءات ذات طبيعة نطاقية. كلها تراكمات يؤدي ثمنها الجبل عموما بالبلاد ومنه جبال اقليم تازة وبواديه، نظرا لِما لا تزال عليه من مشاهد هشاشة وصعوبة ولوجية وحاجة للتنمية على أكثر من صعيد.

ولا شك أن بنية اقتصاد اقليم تازة كمجال جغرافي، تقتضي احاطة عنصر الجبل بما يستحق ككيان ترابي هام بحاجة لتنمية أكثر انسجاماً وتجاوباً مع ما هو متباين ومتوفر فيه من موارد محلية، علماً أن مؤهلات جبال الاقليم إن على مستوى نطاق الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي جنوبا، أو الذي له تماسات ترابية بجبال الريف شمالا، تقتضي اعادة نظر في زاوية قراءتها وسبل تدبيرها.  مع أهمية الإشارة الى أنه لجعلها بأثر في التنمية الترابية المحلية، نعتقد أنه من المفيد أخذ ما هو وظيفي انتاجي فيه بعين العناية، واعادة توجيه ما ينبغي توجيهه لفائدة عقلنة أهمً في اطار ضبط علاقة الانسان ببيئته وانسجامية هذه العلاقة. وإذا كان كل قرار تدبيري ترابي مجالي انمائي أمر رهين بما هو ثقافي اجتماعي بيئي لبلوغ رضى وقناعة الفاعلين، فإن نماء الجبل ومن خلاله البادية باقليم تازة يقتضي فهم علاقة الانسان القروي بوسطه أولا، وكذا العلاقة بين ما هناك من إمكان حقيقي وأمرٍ مراد إنماءه لبلوغ انجازات بقيمة مضافة على أرض الواقع. وحتى تكون جبال تازة بموقع مناسب في التنمية المحلية والجهوية من خلال ما هي عليه من تميز ومواد خامة ومعالم طبيعة، لابد من شروط منها قدرة تجاوبها مع ما هو محلي كحاجات ضمن اقتصاد اجتماعي أكثر تجاوباً مع المقدرات الترابية الكائنة، ناهيك عن بنية ولوجية صوب هذه الجبال فضلا عن قدرة تسويق لخصوصيتها كمؤهلات منتجة للثروة، في علاقة بما هناك من سسيولوجيا محلية في أفق ما هو رافع لتنمية مستديمة. وحتى تكون جبال تازة بما ينبغي من دينامية بما في ذلك ذات البعد الاجتماعي، من المفيد توفر عنصر بشري مؤهل لمسايرة هذا الرهان، ذلك أن الواقع الاجتماعي وما هناك من هشاشة لا يساعد على توجيه تراب جبال لِما هو أفضل، وأن جودة التدخل الترابي بقدر ما هي بحاجة لطاقات بشرية محلية كجزء من هذا الجبل وثقافته، بقدر ما هناك من حاجة لتكوينٍ وتأهيلٍ وحافزيةٍ واستشرافٍ وواقعيةٍ ودمجٍ واشراك. ويتبين أن تنمية تراب جبال تازة بشكل ناجح ومن خلالها الوسط القروي بالاقليم، يحتاج لاستيعاب ما يطبع هذا المجال في جغرافيا المنطقة من تنوع، للتمكن منه ومن توجيهه بما يفيد من إغناء واضافة وثروة ونمو وتحول. بل تدبير جبال تازة يقتضي منهجاً واختياراً يجمع بين ما ينبغي من ذكاء ترابي وابداع عملي وظيفي، وبين حاجيات وما هو متوفر من موارد دون تجاهل طبيعة الفاعل/ الانسان في المجال كخاصية سسيوثقافية وبيئية.

ولعل جبال اقليم تازة بكائِنِها الحالي كمجتمع واقتصاد وثقافة ..، هي بحاجة لتنمية عبر خيارات ونظم ومخططات وبرامج أكثر تجاوبا مع ما هو منشود من جهوية ترابية. فما عرفه الاقليم منذ استقلال البلاد من تدخلات وما احيطت به جباله من تجارب في التنمية القروية، كانت بأثر محدود في حصيلتها كاستثمار واستغلال لِما هو متوفر بها من موارد. ففي هذا الاطار وعلاقة بمياه جبال الاقليم مثلا التي تغدي سد ادريس الأول عبر وادي ايناون وروافده لا يستفيد منها الاقليم ضمن مستوى من المستويات، وعليه يظهر أن هناك إفقار للمنطقة وإغناء لأخرى رغم أنها تدخل ضمن الاطار الجهوي، وأن هذه المشاهد من موارد الاقليم الترابية لا تقدم شيئا من أجل إنماء ترابي اقليمي متوازن. وقد بات الوسط القروي باقليم تازة يعج بشباب باحث عن الشغل، من المفيد ادماجه عبر سبل تنمية ترابه الجبلي، من خلال ما ينبغي من اقتصاد بطابع اجتماعي وآليات تكوين تخص ما هو مهارات فضلا عن الدعم المادي. ولعل تنمية جبال الاقليم وبلوغ ما هو منشود من نتائج، يجعل الجميع كل من موقعه مدعو لأدوار هامة في أفق تنمية نسقية عبر الممكن المتوفر، ضمن توزيع عادل لأنشطة اقتصادية واجتماعية. وكانت جبال اقليم تازة دوما مساحة جدل لأهميتها باعتبارها وسطا سسيو ثقافيا، وعليه ما ينبغي من بادرة ومواعيد صوب هذا الكيان في كل أبعاده وتجلياته وأفقه، لإبراز ما هناك من تميزات زمن ومجال وغنى موطن وانسان وثقافة وتراث..، فضلا عن قراءة هذه الجبال في علاقتها بجوارها ومواردها من أودية وطبيعة بيئة ومنتج وذاكرة وإرث مادي ولامادي ..، ناهيك عما يطبعها من اكراهات عدة ومتداخلة.. الخ، دو نسيان ما هناك من حاجة لدراسات بمعطيات مؤسسة رافعة لمعرفة انمائية حولها. فمن شأن العمل البحثي العلمي عموما، أن يكون ليس فقط بأثر على مستوى افراز نصوص مؤطرة داعمة لكل تطلع واستشراف، انما ايضا ابراز نقاط قوة تراب هذه الجبال / جبال تازة، ومساءلة مواردها وواقع اقتصاد مجتمعها وهندسة مستقبلها.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق