تازة بريس
يحكي يوسف القرضاوي الذي وافته المنية أمس الإثنين 26 شتنبر الجاري، عن زيارته إلى المغرب وما صادفه من حفاوة واستقبال، ويذكر بعض الطرائف التي أثثت رحلته إلى المغرب لإلقاء درس من الدروس الحسنية أمام الملك الحسن الثاني رحمه الله، يقول: في شهر رمضان سنة 1403هـ الموافق 1983م، دعيت من قبل وزير الأوقاف المغربي الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري عن طريق سفير المملكة المغربية بالدوحة، للمشاركة في الدروس الحسنية الشهيرة التي اعتاد ملك المغرب الحسن الثاني أن يقيمها كل رمضان، ويدعو إليها عددًا من العلماء من خارج المغرب، بالإضافة إلى علماء المغرب. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي أدعي إليها لهذه الدروس، فقد دُعيت إليها من قبل عدّة مرات ولكني كنت أعتذر عن عدم تلبية الدعوة بأعذار شتّى..، لكن سفراء المملكة في قطر الذين خالطوني وعرفوني ظلوا يلحُّون عليّ أن أستجيب، وقالوا لي: إن أحدًا لا يلزمك بشيء من الطقوس وكل عالم حر في تصرفه…وأخيرًا استجبت للدعوة في رمضان 1978م، وسافرت إلى المغرب فعلًا، للمشاركة في هذه الدروس، ولكن قدَّر الله ععع: أن يدخل الملك المستشفى لإجراء عملية جراحية، فلم تعقد هذه الدروس في ذلك الموسم. ومن هنا رتَّبوا لنا زيارة بعض المدن المغربية، وإلقاء بعض الدروس والمحاضرات في بعض المدن، منها مدينة الرباط والدار البيضاء وفاس التي زرت فيها جامع القرويين الشهير، وألقيت محاضرة في جامعة محمد بن عبد الله كما زُرت مدينة تازة، وألقيتُ فيها محاضرة في ذكرى غزوة بدر. كما شاركتُ في ندوة عقدها التلفزيون المغربي حول «غزوة بدر».
وبعد ذلك عدت إلى قطر بعد أن تعرفت على المغرب في أول زيارة لي إليه، أما هذه المرة،(زيارة المغرب) فقد كانت سنة 1983م، وفي شهر رمضان 1403هـ. وفعلًا عندما وصلت إلى مدينة الرباط، .. بقيت أيامًا أنتظر دوري في إلقاء درسي، وقد دعانا بعض وجهاء الرباط للإفطار على الطريقة المغربية، حيث نتناول شربة «الحريرة» ثم نصلي المغرب: فريضته وسنته، ثم نعود لاستكمال الإفطار…. وكانت الدروس عادة تنطلق من آية كريمة، أو من حديث شريف، وقد سألوني عن منطلق الدرس، وهل هو مكتوب أو مُرتجل، فأخبرتهم أنه مرتجل وأنه ينطلق من الحديث النبوي الذي رواه أبو داود والحاكم وغيرهما عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة: من يجدد لها دينها» والذي رجّح اختياري لهذا الحديث: أننا في أوائل القرن الخامس عشر الهجري، فلم يمض منه إلا سنتان وبعض الثالثة. وفي الليلة المعهودة، ذهبت إلى قصر الملك، وحيَّيته وسلَّمت عليه من وقوف، ولم أضطر إلى أن أنحني، أو أخرج عن طبيعتي قيد أنملة، كما قد قيل لي من قبل، بل كان الرجل ودودًا بشوشًا مُرحَّبًا بي أكثر من غيري ممن ألقوا دروسًا قبلي.. جلست على الكرسي وجلس الجميع- ومنهم الملك نفسه- على الأرض، وقد حضر ولي العهد – وهو الآن الملك محمد السادس- وحضر الوزير الأول والوزراء وكبار رجال الدولة، وقادة الجيش، وسفراء الدول الإسلامية، وكبار العلماء ووجهاء البلد.
وابتدأت درسي بقولي: مولانا الملك المُعظم…ثم استرسلت في درسي. وجدت الخطاب بهذا الوصف هو أكثر ما يكون ملاءمة لموقفي، وهو تعبير صادق عن الواقع وليس فيه ما يؤخذ عليَّ. وفي آخر الدرس، أو قل: بعد أن ختمته، سألني الملك سؤالًا مهمًا على عادته في مناقشة العلماء، وذلك حين قال: إنَّ الذي نحفظه في رواية هذا الحديث: أنه بلفظ: «يجدِّد لها أمر دينها». قلت: هذا هو المشهور على الألسنة، ولكن الذي رواه أبو داود في كتاب الملاحم من «سننه»، ورواه الحاكم في «مستدركه»، ورواه البيهقي في «معرفة السنن والآثار»، كلهم متفقون على هذه الصيغة: «يجدد لها دينها»، والتجديد بالمعنى الذي شرحته لا حرج فيه. وقد كان هذا السؤال من الملك والرد عليه مني بصراحة، موضع حديث المغرب كله:. فقد سأل الملك سؤالًا وبيَّنت له الإجابة حسب علمي.. وفي ختام المجلس: صافحني الملك بحرارة وقال لي: نريدك أن تكون معنا في الموسم القادم، وطلب مني أن أبلغ سلامه إلى سمو أمير قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني وقد فعلت.