تازة بريس

“راس الماء بتازة” من مجرد موقع جبلي ونقطة عبور إلى منتجع سياحي ..

-

تازة بريس  

عبد الإله بسكًمار

إلى حدود السنوات الأولى من استقلال المغرب، لم يكن لموقع “راس الماء” أو”راس الواد”  كما كان يطلق عليه أهل الحيز المرتفع من قمم تازة الأطلسية، أية أهمية من الوجهتين السياحية والترفيهية، فقد اقتصرت سلطات الحماية ومصالحها بتازة على تهيئة العين النضاحة التي تم اكتشافها في وقت سابق، والتي تعد ضاية شيكر منبعها الأساس، ويبلغ صبيب مياهها السطحية خلال التوالي الطبيعي للفصول وفي المتوسط : 270 لترا في الثانية، قلت: اقتصرت كل جهود الحماية على إقامة صهريج للمياه الاحتياطية وقنوات مد المدينة بهذه المادة الحيوية، ثم بناء محطة كهربائية للضغط العالي، الناجم عن التيار المائي، أما المسلك أو الطريق الذي كانت الحماية قد هيأته، فظل هدفه الوصول إلى مصطاف بابودير وهو بيت القصيد، سياحيا وترفيهيا، اعتبارا من نهاية حرب التهدئة بالمنطقة، أي حوالي 1927 وبداية الثلاثينات من القرن الماضي، وذلك بالنسبة للجنود والضباط الفرنسيين ومعهم عدد من المعمرين وأسرهم، وهناك تم بناء العديد من الدور ومنشآت الاستراحة والترفيه وبنمطها الجبلي المتميز المقاوم للثلوج، أما موقع راس الماء، فلم يُنتبه إليه إلا بعد الاستقلال ومن طرف الأسر التازية خاصة، ثم جمعيات الشباب عموما ومنها الإطارات الكشفية، التي نشطت به غير مامرة، هذا علاوة على أهالي المنطقة المنتمية لمجال غياثة الشرقية .

هناك العديد من التوائم الإسمية للمنطقة، فنجد مثلا “راس الماء” بمعنى مصب نهر ملوية Cape de L’eau  الموجود بمنطقة كبدانة غرب مصطاف السعيدية، والتي تشكل الحد الشرقي للريف المغربي، ونجد منطقة “راس الماء” غرب فاس ومجال”راس الماء” بإيفران، ثم “راس الماء” شفشاون، وهذا التوأم الإسمي الأخير قريب الدلالة الجغرافية والمجالية لراس الماء تازة، بحيث يحيل على منبع المياه وليس مصبها. من تسمية”راس الواد” إلى”راس الماء” ومن مجرد محطة وصهريج وعين مائية، تمد المدينة بالماء الشروب، وتبعد عنها بعشرة كيلومترات جنوبا، إلى شبه منتجع سياحي وترفيهي لساكنة تازة والنواحي أساسا، ترتاده متمتعة بمياهه وهوائه وظلاله وأشجاره، بدءا من فصل الربيع وحتى متم موسم الصيف، قلنا هو شبه منتجع، لأن هناك إكراهات مجالية ومعاشية، بل وقانونية أحيانا، تقف حجر عثرة في سبيل تحويل الفضاء إياه إلى منتجع حقيقي، باستثناء مقهى”الحافة” الذي يطل على مشاهد طبيعية رائقة، ومقهى” البشاري” في الطرف الآخر للطريق، وهناك المقهى والمطعم الحديثا العهد، عند الركن العلوي، باستثناء تلك المرافق، لم تُضف أي منشأة سياحية ذات قيمة فعلية بالمنطقة، فامتداد الإنارة العمومية ومقاعد الفسحة وترصيف مجمل المكان، قد حولت كلها الفضاء من مجال بسيط بالمعنى الفطري Sauvage  إلى مدار سياحي وطبيعي له بعض الجاذبية، خاصة بالنسبة لساكنة المدينة، لكن ينقصه في المقابل أمورعديدة للأسف، تخص البنية التحتية والمواصلات والخدمات ذات الطابع السيـاحي .

تثمين منتوجات المنطقة كالزيتون واللوز والجوز والتين والكرز والبرقوق وبعض الفواكه الأخرى كنبات الجمار البري، يقتضي بذل مجهود مضاعف لتأهيل المنتجع، ورفع الطابع الموسمي عنه، مع التأكيد على أهمية المزيد من غرس الأشجار المثمرة، والحد من البنايات الإسمنتية المسلحة وتأثيث المرافق المذكورة وفق ما تقتضيه بيئة المنطقة أساسا، وليس عبر”حداثة” كسيحة مقطوعة الجذورومفصولة عن المنطقة، وكنموذج لذلك، الاستغناء عن اللدائن الاصطناعية واستعمال خشب السنديان أو البلوط الفليني في الكراسي ومرافق المقاهي، على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن أن يعزز ذلك إنشاء مرفق سياحي كبير، عن طريق تأهيل المساحات المجاورة، أي الحفر والتوسع الأفقي في محاولة للتغلب على ضيق المجال الحيوي وتوفير الوعاء العقاري اللازم، الذي يشكل عقبة أساسية بالنسبة لهذا الفضاء الطبيعي، كما أن نشر الوعي بأهمية نظافة البيئة والحفاظ عليها وعدم رمي الأزبال في المياه، أووسط النبات وكيفما اتفق وتجنب قطع الأشجار، يعد بعدا حاسما في التعاطي مع حاضر ومستقبل المنطقة، لا سيما وأن مجال راس الماء يشكل المدخل الجنوبي الرئيس للمنتزه الوطني لتازكة وعبره لمصطاف بابوديرومنتجع عين خباب ومحطة أدمام ومختلف المواقع الجذابة سياحيا، كواد البارد ومغارات افريواطو وشيكروالشعرة . كل تلك الخطوات تستطيع أن ترتقي بالمجال إلى مستوى منتجع حقيقي، بما يقتضيه ذلك من تحريك لعجلة التنمية وإطلاق دينامية تشغيل أبناء المنطقة، وهي عناصر رهينة بتعاون الجميع، سلطات معينة ومنتخبة وجمعيات تنموية والساكنة على وجه العموم .

إلغاء الاشتراك من التحديثات