جبال اقليم تازة .. امتدادات بارزة وغنى موارد وحاجَة لتنميةٍ ترابيةٍ مندمجة
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
واسعة ببناءات بارزة ممتدة ومنظر متميز وأنشطة وتباين أنماط عيش انسان منذ القدم، هي جبال اقليم تازة ومرتفعاتها هنا وهناك شمالا وجنوبا مع ما تتقاسمها من قمم شاهدة وذاكرة ذات علاقة زمن ونشأة كيانات سياسية مغربية منذ العصر الوسيط، فضلا عما لهذه القمم والجبال معا من علاقة بأحداث وتطورات الى عهد قريب. ويظهر أنه رغم ما تبدو عليه هذه الجبال من هيبة مجالية وبروز واضح، أنها لم تكن بما ينبغي من عناية اللهم ما ورد حولها من تقارير وما قيل عنها زمن الحماية خلال القرن الماضي، ضمن ما كانت وجهة له من أنشطة تعرفية لاستكشافيين أجانب وبخاصة منهم الفرنسيين، مع أهمية الاشارة ايضا لِما أحيطت به جبال الاقليم هذه هذه الفترة من سياسة ترابية استعمارية كما حال ما شمل كل مناطق البلاد، وقد عملت هذه السياسة جاهدة على ضبطها وإحكام قبضتها عليها وعلى محيطها مع حفظ أنماط عيش أهاليها، فضلا عن ضربته من حصار عليها باعتبارها مصدر ردود فعل ومقاومة غير خافية عن كل مهتم.
وإذا كان قد تم استحضار كيان الجبل ضمن وسط تازة القروي منذ الاستقلال مثلما حصل في باقي تراب البلاد، من خلال ما حصل من سياسات ترابية وخيارات ونماذج تدخلات، فإن نتائج ما تم تسطيره على الورق لا تزال بغير ما كان منشوداً على أرض الواقع. ومن هنا أهمية الوقوف على ما هناك من اختلالات وتباينات وحاجيات وتحديات تخص جبال اقليم تازة كحيز جغرافي واسع معبر، مع طرح الممكن من حيث ما ينبغي من انصاف انمائي ترابي لفائدة هذا المعطى، الذي لا شك أنه يقوم على خاصيات معينة ومؤهلات ومتطلبات واقع ومعيش وثقافة ساكنة وقبائل. وبقدر ما جبال اقليم تازة هي بامتداد مجالي واسع بقدر ما واقع حالها هو بأسئلة عدة واكراهات وتعقيد، بقدر ما واقعهاهو نِتاج تدخلات وقراءات تمت بها منهجَتُها وتنظيمها وتدبير ترابها. وعليه، ما يحتاج اليه حال هذه المكونات الترابية بالاقليم، من أهمية إعادة مساءلة ضمن سياق التنمية المحلية والجهوية. وعندما نقول ما تم اعتماده من سبل تدبير لهذه الجبال، نعني بذلك ما هو استراتيجي استشرافي كقراءات وخيارات ووقعٍ رسَمَته هذه التدخلات والسبل وما خطته من اجل نماء هذا المجال.
هكذا يبدو أنه ما أحوج جبال اقليم تازة لرأي ومقترح وظيفي انمائي، وآليات عمل تشاركي وتقاسم أدوار لإنجاح خيارات تنميتها ومن خلالها انجاح رهان وانتظارات الوسط القروي. علما أنه كثيرة هي الأسئلة التي لا تزال عالقة حول نماء هذه الجبال في كليتها بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال، بل تبقى أسئلة هذا الوسط بالاقليم أكثر إلحاحاً لعوامل موضوعية. وقد يكون انخراط الجميع كل من موقعه بأثر في بلورة سبل انماء رافع من اجل اقتصاد جبلي اجتماعي بالاقليم، إن تأسس هذا الانخراط على ما ينبغي من تأطير للنهوض بهذه الجبال ومن خلالهاعموما بالبادية محليا.
ويتبين أن سياسة تدبير تراب الاقليم منذ استقلال البلاد، غابت عنها الى حد كبير أهمية ومكانة الجبل به، وغاب عنها استشراف حاجاته البشرية وما يحتويه من موارد لا تزال بحاجة لتهيئة وتأهيل. وعندما نتحدث عن الجبل في اقتصاد الاقليم، تحضر باديته بمشاهدها اللامتوازنة واللامسايرة واللامتجاوبة مع ما هناك من تحولات وانتظارات. وهو واقع لا شك أنه نِتاج سياسات ترابية وتجارب اعتُمِدت في مغرب ما بعد الاستقلال، كخيارات بقدر ما كانت عليه من طموح بقدر ما طبعها من محدودية انجازات وفاعلية ترابية، اللهم ما هناك من استثناءات ذات طبيعة نطاقية. كلها وغيرها تراكمات يؤدي ثمنها الجبل عموما بالبلاد ومنه جبال اقليم تازة وبواديه، بالنظر لِما لا تزال عليه من هشاشة وصعوبة ولوجية وحاجة للتنمية.
ولا شك أن بنية اقتصاد اقليم تازة كمجال جغرافي، تقتضي احاطة عنصر الجبل بما يستحق ككيان ترابي بحاجة لتنمية أكثر انسجاماً وتجاوباً مع ما هو متباين ومتوفر فيه من موارد محلية، علماً أن مؤهلات جبال الاقليم إن على مستوى نطاق الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي جنوبا، أو الذي له تماسات ترابية بجبال الريف شمالا، تقتضي اعادة نظر في زاوية قراءتها وسبل تدبيرها. ولجعلها بأثر في التنمية الترابية المحلية، من المفيد أخذ ما هو وظيفي انتاجي بعين الاعتبار واعادة توجيه ما ينبغي توجيهه لفائدة عقلنة أهم في اطار ضبط علاقة الانسان ببيئته. واذا كان اتخاذ قرار تدبيري ترابي مجالي انمائي ما هو أمر رهين بما هو ثقافي اجتماعي وبيئي لتحقيق المنشود من رضى وقناعة الفاعلين، فإن نماء الجبل ومن خلاله البادية باقليم تازة يقتضي فهم علاقة الانسان القروي الحقيقية بوسطه أولا، وكذا العلاقة بين ما هناك من إمكان حقيقي وأمر يراد إنماءه لبلوغ انجازات بقيمة معينة مضافة على أرض الواقع. وحتى تكون جبال تازة بموقع مناسب في التنمية المحلية وحتى الجهوية من خلال ما هي عليه من تميز ومواد خامة ونقط تراب ومعالم طبيعية قوية، لابد من جملة شروط منها قدرة تجاوبها مع ما هو محلي كحاجات ضمن اقتصاد اجتماعي أكثر تجاوباً مع المقدرات الترابية الكائنة، ناهيك عن بنية ولوجية صوب هذه الجبال ومن قدرة تسويق خصوصيتها على اساس ما هناك من مؤهلات منتجة للثروة في علاقة بما هناك من سسيولوجيا محلية رافعة لتنمية مستديمة.
وحتى تكون جبال تازة بما ينبغي من دينامية اقتصادية ومنها ما هو اقتصاد اجتماعي، من المفيد ما ينبغي من عنصر بشري مؤهل لمسايرة هذا الرهان، ذلك أن الواقع الاجتماعي وما هناك من هشاشة لا يساعد على توجيه تراب الجبال لِما هو أفضل، وأن جودةكل لتدخل في هذا التراب بقدر حاجتها لطاقات بشرية محلية عن الجبل، بقدر ما هناك من حاجة لتكوين وتأهيل وحافزية واستشراف ودمج واشراك. ويتبن أن تنمية تراب جبال تازة ومن خلالها الوسط القروي بالاقليم يحتاج لاستيعاب ما يطبع هذا المجال البارز في جغرافيا المنطقة من تنوع، للتمكن منه ومن توجيه مكامنه بما يفيد من إغناء وثروة ونمو وتحول. بل تدبير جبال تازة يقتضي منهجاً واختياراً يجمع بين ذكاء ترابي وابداع عملي وظيفي وبين حاجيات وما هو متوفر من موارد، دون تجاهل طبيعة الفاعل في المجال كخاصية سسيو ثقافية وبيئة.
ولعل جبال اقليم تازة بكائِنِها وواقعها الحالي كمجتمع واقتصاد وثقافة..، هي بحاجة لتنمية ترابية عبر خيارات ونظم ومخططات وبرامج أكثر تجاوبا مع ما هو منشود من رهان محلي وجهوية. فما عرفه الاقليم منذ استقلال البلاد من تدخلات وما احيطت به جباله من تجارب تنموية قروية، كانت بأثر محدود في حصيلتها كاستثمار واستغلال لِما هو متوفر بها من موارد عدة. فمياه جبال الاقليم على سبيل المثال التي تغدي سد ادريس الأول عبر وادي ايناون وروافده غير بعيد غربا، لا يستفيد منها الاقليم ضمن مستوى من المستويات. وعليه ما يظهر من صورة إفقار للمنطقة وإغناء لاخرى رغم أنها تدخل ضمن الاطار الجهوي، وأن هذه المشاهد من موارد تراب الاقليم لا تقدم شيئا معبرا يخص إنماءه الترابي. وقد بات وسطه القروي يعج بشباب باحث عن الشغل، من المفيد ادماجه من خلال سبل تنمية ترابه الجبلي عبر ما ينبغي من اقتصاد بطابع اجتماعي وآليات تكوين مهاري ودعم مادي. ولعل تنمية تراب جبال الاقليم وبلوغ ما هو منشود من نتائج، يجعل الجميع مدعو لأدوار طلائعية في أفق نماء نسقي عبر الممكن المتوفر، ضمن توزيع عادل لأنشطة اقتصادية واجتماعية.
وكانت جبال اقليم تازة دوما مساحة تفاعل وجدل منذ الماضي، لأهميتها ومورفولوجيتا وباعتبارها وسطا سسيو ثقافيا. وعليه، ما لا يزال ينبغي من مواعيد صوب هذا الكيان الترابي في كل أبعاده وتجلياته وأفقه عبر الممكن من السبل لابراز ما هناك من تميزات زمنه ومجاله وغنى مَواطِنه من انسان وثقافة وتراث ..، فضلا عن حسن قراءة هذه الجبال في علاقتها بجوارها ومواردها، منها أوديتها وطبيعة بيئتها ومنتجاتها وذاكرتها وارثها المادي واللامادي..الخ، ناهيك عما يطبعها من اكراه هشاشة وولوجية .. دو نسيان ما هناك من حاجة لنصوص بمعطيات مؤسسة رافعة لمعرفة تاريخية ومجالية وانمائية، علما أن الخزانة المحلية لا تزال تفتقر لدراسات شافية تخص هذا الكيان في بعده الترابي الاستشرافي. فمن شأن هذه الأعمال وغيرها بحثية كانت أم ابداعية فنية ثقافية بما في ذلك ما هو سينمائي..، أن تكون بأثر في ابراز وتسويق نقاط قوة تراب جبل تازة والاقليم، ومساءلة موارده (مياه، غابات، معادن، مشاهد بيئة..) واقتصاد مجتمعه الى حين ما ينبغي من أفق ورش عملي.