تازة بريس

تراث تازة التاريخي بين الإتلاف والردم والإهمال والتشويه واللامبالاة ..

-

تازة بريس 

عبد السلام انويكًة

شأن التراث المادي التاريخي وما هناك من شواهد تخص ماضي تازة عبر العصور، بل ما هناك أيضا من أثر يهم موضع المدينة عن فترة ما قبل التاريخ، ممثلا في عدد من النقاط التي كانت موضوع حفريات بقدر كبير من الأهمية، تلك التي أعدها عسكريون فرنسيون عن مصلحة الشؤون الأهلية الفرنسية بالمغرب زمن الحماية، والتي لا تزال حصيلة معطياتها الأركيولوجية مع الأسف هي المتداولة والمعتمدة حرفيا منذ أكثر من مائة سنة. شأن تراث المدينة هذا بقدر ما هو عليه من زخم وتنوع وتفرد ومستويات، بقدر ما يطرح حول استدامته، وما ينبغي من إجراء أثري وقائي حماية لهذا الإرث وتجاوز ما يهدده من أخطار، وعوامل اتلاف وصور لامبالاة وتدهور محيط وردم وتشويه. فضلا عن سؤال درجة الوعي والمعرفة به من قبل الجهات الوصية وكذا مدبري الشأن المحلي، من أجل ما ينبغي من تدخل استباقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، علما أن هذا التراث كنوز بشرية بقيمة لا تقدر بثمن، يمكن أن تكون بأدوار رافعة، إن هي حظيت بما يجب من عناية وإعداد جيد وتهيئة وحماية وحسن إدماج فيما هو منشود من تطلعات.

ولعل الحديث عما ينبغي من وقاية وإنقاذ، يخص تراث تازة المادي التاريخي وما يمكن أن يكون مغمورا مطمورا منه في عدد من الأمكنة على مستوى محيط المدينة واجرافها وكهوفها، فضلا عن باقي الأثر الذي لا يعرف عنه شيئا والذي قد يكون تعرض لطمر وتشويه حديث، متأثرا بما شهدته المدينة من زحف عمراني وتهيئات وشق طرق وبناء فضاءات وإعادة بناء، وغيرها من الأوراش الحضرية التي بعيون مهتمين من شأنها تعريض الأثر البشري التاريخي للهشاشة. وغير خاف ما أحيط به مجال التراث الثقافي والأثري بالمغرب خلال العقدين الأخيرين، من تأطير قانوني وتثمين ودعوة للحماية رفعا لكل ضرر وتشويه وخطر زوال. ولعله ما حضر في انشغالات مكونات المجتمع المدني التازي على الأقل منذ تسعينات القرن الماضي، عبر ما عقد من ندوات ونظم من ملتقيات من قبيل الملتقى الوطني الأول للمدينة العتيقة قبل حوالي ربع قرن، والذي بقدر ما أطره باحثون أثريون من طراز رفيع بشهادة الأرشيف، بقدر ما انتهى بجملة توصيات ومقترات بقدر عال من الأهمية صوب حفظ تراث المدينة. دون نسيان ما اشتغل عليه الفعل الصحفي المحلي آنذاك ولا يزال من خلال عشرات المقالات عبر صفحات عدد من اليوميات المغربية.

إن ما هناك من وضع يخص الأثر التاريخي المادي بتازة العتيقة، وما هناك من إتلاف بعدد من نقاطه، والتي منها على سبيل الذكر شبكة ما سمي زمن الحماية ب”كيفان بلغماري” التي برمزية واحالة متفردة عن زمن المدينة القديم، وكذا ما هناك من تخريب ومظاهر اهمال ولامبالاة أمام أعين الجميع، من شأنه أن يسهم في اختفاء ما هناك من مواقع أثرية والتي هي بمثابة رأسمال ثقافي وانساني محلي. ولعل واقع الحال هذا يدعو قبل فوات الأوان لوقفة والتفات من قبل الجميع كل من موقعه، بما في ذلك الورش البحثي الأركيولوجي الوطني، ولِما لا إعلان حملة مع زيارات ميدانية لجرد وتحديد ما هناك من أثر تاريخي حضاري معرض للطمس، من قبيل مثلا الخندق (المريني) الذي لم يتبق منه سوى ما يشهد عليه وقد يصبح في خبر كان اذا استمر الردم والإهمال على ما هو عليه، بعدما كان يمتد من مشارف واد تازة (الهدار) غربا حتى محيط الحصن السعدي (البستيون) شرقا ذات يوم. ناهيك عما هناك من إتلاف وتشويه وطمر بالأتربة المستعملة ومخلفات أوراش البناء من هنا وهناك، والتي يتعرض لها جانبا مهما من اسوار تازة المرينية غير بعيد عن البرج الملولب الذي بمشهد مثير للشفقة، من شدة ما بلغه ومعه جواره الأثري أيضا من إهمال وعبث. ودون نسيان أيضا ما حصل من زحف اسمنتي عمراني حديث، على حساب مقومات تراث المدينة ممثلا في أسوارها التاريخية في تحد واضح للقوانين المنظمة لهذا الشأن.

فأي حفظ لهوية تازة الثقافية والحضارية والأثرية والحالة هذه، في غياب ما ينبغي من فعل وقائي أثري وإنقاذ، والذي ليس من مهمة الدولة لوحدها ممثلة في مصالحها القطاعية الوصية، بل أيضا ما يجب أن يسهم به الشركاء المعنيين على المستوى المحلي، من قبيل الهيئات المنتخبة والمجتمع المدني والإعلام والمدرسة والأسرة ..الخ. ثم أي أثر لتصنيف تازة تراثا وطنيا قبل عدة سنوات إن لم يفرز هذا القرار عمليا ما من شأنه المواكبة والتتبع وحماية ووقاية تراث المدينة الذي يذوب أمام أعين الجميع، ولِما لا فتح ورش حفريات بتعاون مع المعهد الوطني لعلوم التراث والآثار، والاستفادة من خبرة وتجارب وتراكم الباحثين الأركيولوجيين المغاربة النظرية والميدانية، والتي من شأنها تأطير المواقع الأثرية المحلية تأطيرا علميا وبخاصة منها التي هي مثار جدل، وفق ما ينبغي من معطيات دقيقة بعيدا عن الإنشاء المتداول، مع رفع سقف العناية والوعي بما تحتويه المدينة من كنوز تاريخية وأثرية إنسانية وتحف رافعة، لِبُعد تازة الإنساني وتطلعات تصنيفها من قبل منظمة اليونيسكو. بل من شأن الفعل الأركيولوجي بها أن يسهم بدور كبير في توثيق وأرشفة تراثها المادي، وبخاصة منه الذي يهم زمن ما قبل التاريخ ممثلا في تحف”كيفان بلغماري”، مستفيدا من واقع الثورة الرقمية وتقنيات البحث والرصد الحديث، ومن سبل استقبال البيانات وتحويلها الى منتج معلوماتي مرن من اجل كل تفاعل وتوظيف واستثمار، فضلا عن تخزين المعطيات ومعالجتها آليا وتحليلها بيانيا خدمة لِما هو منشود من تنمية ترابية محلية.

ولعل ما هناك من تطلعات محلية تروم إنماء القطاع السياحي ومن رؤية استشرافية مندمجة جهويا ووطنيا، عبر ما هناك من موارد من شأنها توسيع وعاء الإنعاش الاقتصادي بالمدينة والاقليم. يقتضي حماية ووقاية ما هناك من تراث حضاري ضمن ما ينبغي من استدامة عوض ما هناك من واقع مهدد لوجود هذا التراث، الذي يدخل ضمن الموارد المحدودة غير المتجددة وبالتالي حتمية الاشتغال على وقايته. ولعله ما كان محور وجوهر ندوة “الورش الاركيولوجي بتازة والأفق الترابي الإنمائي المحلي”، التي نظمت بالمدينة خلال شهر ماي الأخير، وكان من جملة من أطرها الباحث الأثري أبو القاسم الشبري الاطار بوزارة الثقافة. وهي المناسبة التي بقدر ما استهدفت لفت الانتباه لأحوال التراث التاريخي بتازة، وما يطبعه من زخم قديم متفرد بحاجة لتشخيص وحفريات، بقدر ما كانت هذه الندوة غير المسبوقة في تيمتها وشجاعتها الأدبية، دعوة مفتوحة من أجل توسيع النقاش حول ما ينبغي من حماية ووقاية. الى حين ما يمكن أن يسهم به المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وما يعلق عليه من أمل لتحريك الملف ضمن ما ينبغي من شركاء وتعاون على المستوى المحلي.  

رئيس مركز ابن بري للدراسات وحماية التراث 

إلغاء الاشتراك من التحديثات