تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من الرياضيين الموهوبين منذ طفولته، ومن اللاعبين الذين طبعوا فرجة كرة القدم التازية خلال فترة تنعت في تقدير عدد من المتتبعين بالفترة الذهبية، ومن علامات وبصمات ذاكرة تازة الرياضية، لِما كان عليه من تميز تحفظه أرضية وجمهور ملعب تازة البلدي، فضلا عما يحفظه أرشيفه الخاص وما يوجد منه بحوزة عدد من الأسر التازية والشخصيات التي كانت فاعلة مهتمة بشأن الرياضة وميادينها محليا. التحق بالجمعية الرياضية التازية AST وهي بالقسم الوطني الثاني مطلع ستينات القرن الماضي، كلاعب مدافع أيمن ضمن نخبة جمعت لاعبين تازيين منهم يحيى جفال، الجربوعي (حارسا)، الصديق (حارسا)، محمد طاطا (حارسا)، أحمد حاجي، عبد السلام حاجي، الزوبير حاجي، محمد لمعلم، بنشلال، العبدليوي، البيضاوي، قدور، الصادقي، مصطفى جزاري، الجاوي، بوجمعة بيبيش، أحمد بايلو، علي بايلو، ثم أحمد االبكاري، مكًداد، ادريس الطاس، شحيمة الخ.. ومن فرنسيين ايضا من قبيل كًابي..، علما أن صاحبنا هو بتجربة كروية ومسار تدرج بين المحلي الوطني مع تجربة خاصة خاضها بفرنسا الى غاية نهاية سبعينات القرن الماضي.
ذلك هو “إدريس بلخضار”حفظه الله وبارك في عمره وصحته، وهو لاعب سابق في صفوف الجمعية الرياضية التازية يصعب القفز عن إسمه، خلال سنوات مجد عاشها الفريق وكان بما كان من هيبة ومكانة وموقع ظل قائما الى غاية مطلع ثمانينات القرن الماضي. وقد انجب فريق تازة هذا ما أنجب من أسماء أغنت لعبة كرة القدم ورفعت اسم تازة عاليا في محافل محلية ووطنية ودولية. ولعل “بلخضار” لاعب AST ومدافعها الأيمن لسنوات والذي تميز بخفة لعبه وحركاته واستماتته وقوته البدنية، هو إبن المدينة العتيقة (تازة العليا) تحديدا زنقة حجامة “قبة السوق” من مواليد أربعينات القرن الماضي، والده ذو الأصول المراكشية حل بتازة مطلع القرن الماضي، وكان صاحب مقهى شعبي شهير بالمدينة “مقهى بلخضار” في موقع بين فندق أهل توات وحمام قبة السوق. و”بلخضار” الطفل الذي تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة خالد بن الوليد، كان بموهبة رياضية كروية مبكرة تبلورت مع فريق”رجاء تازة” الذي أحدثه وأسسه”عبد الحق السملالي” بالمدينة العتيقة، وحرص على أنشطته وتداريبه بملعب تازة العليا الكائن خارج السور الأثري الجنوبي غير بعيد عن باب طيطي، نفسه الملعب الذي لا يزال قائما لحد الآن”ملعب العربي مهدي”. وكان ضمن هذا الفريق الذي تم إحداثه بداية ستينات القرن الماضي، كل من مصطفى بوصفيحة، مصطفى الصادقي، مصطفى جزاري، محمد زربع، عبد الرحمن الغفولي، طاطا بالعياشي، عبد الحق السملالي، ادريس كابي، بونار، بنعيسى البخوش ثم بجو وغيرهم ممن لعب برفقتهم لاعبنا “ادريس بلخضار”. مع أهمية الاشارة الى أن التحاق هذا الأخير بالجمعية الرياضية التازية خلال هذه الفترة، كان إثر مقابلة لها مع فريق رجاء بتازة العليا الذي كان يرأسه عبد الحق السملالي، وقد انتهت بفوز رجاء تازة على الجمعية الرياضية التازية باصابة مقابل صفر. وعليه، تم السماح بالتحاق ثمانية لاعبين بها واحد منهم هو ادريس بلخضار.
ويسجل أن أول مقابلة لهذا الأخير ضمن الجمعية الرياضية التازية لكرة القدم، التي كانت بمكانة وشهرة وأسماء وحضور كروي متميز خلال خمسينات القرن الماضي، عندما كانت تضم لاعبين متميزين مغاربة تازيين وأجانب فرنسيين. يسجل أن أول مقابلة له معها كانت ضد فريق المغرب التطواني بداية الستينات بمدينة تطوان وكان يوما ممطرا من ايام شهر رمضان. أما مقابلته الثانية فكانت ضد فريق النادي المكناسي بتازة أمام جمهور غفير، وقد انتصرت الجمعية الرياضية التازية لكرة القدم فيها بنتيجة إصابتين لواحدة. فضلا عن مقابلات أخرى ضد فريق سيدي قاسم، مشرع بلقصيري، البريد الرباطي، الخميسات، بركان وغيرها من الفرق المغربية ضمن القسم الوطني الثاني. وكان المشرف على تدريب فريق الجمعية الرياضية التازية آنذاك هو “محمد البورقادي” من مدينة فاس وكان قد قضى عدة سنوات بتازة.
وقد ظل ادريس بلخضار الذي كان لاعبا رسميا في صفوف الجمعية الرياضية التازية كمدافع أيمن، لسنوات حتى نهاية ستينات القرن الماضي، حيث سيهاجر الى الخارج تحديدا فرنسا حيث حط رحاله بمدينة “لانكًوي” بعمالة “نانسي” الفرنسية، ليتم التعرف عليه هناك وعلى موهبته وتجربته الكروية، ومن ثمة إلتحاقه كمدافع أيمن بفريق “لانكًوي” لكرة القدم الذي كان يلعب بالقسم الثاني، وهو الفريق الذي قضى معه عدة سنوات قبل انتقاله لفريق “لونكًوتيل” (نانسي) القسم الوطني الثاني، الذي حقق فيه شهرة متميزة حيث اصبح إسما كرويا بصدى وشهرة كبيرة بهذه المنطقة، تلك الشهرة التي جعلته ينتقل ضمن تجربته الكروية هناك الى فريق “بيزيي”(مونبوليي) والذي قضى به ثلاث سنوات. لينتهي به المطاف بقرار اختياره العودة الى المغرب أواسط سبعينات القرن الماضي، ليلعب من جديد في صفوف فريق الجمعية الرياضية التازية. ولعل من مقابلات هذه الفترة بعد هذه العودة، تلك التي جرت بطنجة مع اتحاد طنجة (الشرطة) بملعب الصواني وقد انتهت بالتعادل. ونظرا للمستوى الذي ظهر به ادريس بلخضار وما كان عليه من لياقة بدنية واثارة لدى الجمهور الطنجي وادارة تسيير فريق اتحاد طنجة، طلب منه البقاء بطنجة للمشاركة في دورى منظم آنذاك جمع بين فريق”جبل طارق” و”الفتح الرباطي” و”النادي المكناسي” و”اتحاد سيدي قاسم” ثم فريق “مرشان الطنجي”، وقد لعب ادريس بلخضار الى جانب فريق اتحاد طنجة رفقة لاعب تازي آخر هو “بوجمعة بيبيش”. وكان مدرب فريق اتحاد طنجة آنذاك هو حسن أقصبي، وهو الذي طلب من ابن تازة ادريس بلخضار بالمشاركة لتجريبه ضمن الفريق خلال الشوط الثاني واللعب كدفاع أيمن، وقد أبان فعلا عن طاقة وموهبة وموهبة كروية ولياقة عالية خاصة ما كان يقوم به من حين لآخر معتمدا تقنية المقص أثناء تصديه للكرات، ليتم التوقيع رسميا من اجل اللعب بشكل رسمي مع فريق اتحاد طنجة.
ونظرا لِما كانت عليه الجمعية الرياضية التازية لكرة القدم من وضعية صعبة في ترتيبها ونتائجها، والتي جعلتها مهددة بالنزول الى القسم الوطني الثالث، ارتآى ادريس بلخضار ومعه بوجمعة بيبيش العودة الى مسقط رأسه تازة وفريقه الأول بعد الترخيص له من اتحاد طنجة. حيث قام الحاج “بلعياشي” والد محمد بلعياشي حارس مرمىAST لسنوات، ومعه “عزوز نوالي” و”أحمد لبحر” و”لحسن تسولي” و”بناني” (صاحب حافلات تازة)، بتنظيم لقاء خاص للوقوف على وضع وحاجيات فريق تازة لكرة القدم، والعمل لانقاذه عبر ما يجب من استعداد من اجل تحقيق نتائج جيدة فيما كان مبرمجا من مقابلات، من خلال تحفيز اللاعبين وتشجيعهم ودفهم لِما ينبغي من عطاء واستماتة. وفعلا أعطت جهود واجراءات وتدخلات وتحفيزات أعيان تازة أكلها في ظرف وجيز، وتمكنت الجمعية الرياضية التازية من بلوغ الرتبة الرابعة ضمن القسم الوطني الثاني، بعدما حصل بين لاعبيها ومسيريها من انسجام وإعداد واستعداد وتداريب منتظمة ومحبة واحترام وتعاون جماعي.
بعض فقط من ذاكرة تازة الكروية وذاكرة الجمعية الرياضية التازية، ومن خلالها ذاكرة وماضي لاعبيها من قبيل”ادريس بلخضار” الذي كان ببصمات طبعت الرياضة المحلية، وفرجة كرة القدم بالمدينة خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، ومن ثمة ما كانت عليه تازة من مجد كروي وحضور وطني وملعب جاذب وجمهور عاشق متتبع، بفضل لاعبين متميزين منهم من انتقل الى دار البقاء رحمهم الله ومنهم من لا يزال على قيد الحياة بارك في صحتهم وعمرهم.