تازة بريس
عبد الإله بسكمار
مرت منذ عدة أشهر وفي صمت مطبق الذكرى السابعة لرحيل أحد رجالات تازة الأفذاذ المرحوم بكرم الله، احمد بن قليلو، المجاهد الوطني والمناضل التقدمي الوفي للمدرسة الاتحادية الأصيلة، ففي 30 يناير 2015 التحق بجوار ربه هذا المناضل الفذ الذي عز نظيره أخلاقا وتكوينا وميدانا، عن سن تناهز 84 سنة بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال الصادق الذي لا يرجو جزاء ولا شكورا، في وطنية ونكران ذات مشهودتين تؤشرعليهما الحكم بالإعدام الذي صدر في حقه أواخر عهد الحماية، ثم النسخة الثانية للحكم بالإعدام في عهد الحرية والاستقلال بكل أسف ولوعة .
ولد احمد بن قليلو بمدينة تازة سنة 1932 بدرب الزاوية اليجبشية المعروف برمزيته النضالية والتاريخية والصوفية وتابع دراسته الابتدائية بمسقط رأسه، ثم التحق بالرباط لمتابعة دراسته ضمن مدارس محمد الخامس، وفي هذه المرحلة تشبع بمبادئ الحركة الوطنية وحزب الاستقلال الذي انخرط فيه يافعا، حيث وقع استقطابه هناك مع طلبة آخرين عن طريق المجاهديْن عبد الرحمان الشرقاوي والحسين الزعري الذي يذكر الواقعة في صفحات من مذكراته نشرت في مجلة ” ملفات من تاريخ المغرب “( ع 03 غشت 1996 ) وهو ينتمي في الأصل إلى بيت قليلو الذي ورد ذكره عند صاحب ” زهرة الآس” محمد الكتاني وقد كتب عن هذا البيت قائلا ” أعلم أن هؤلاء أصلهم من تازة وكان بفاس لبعض منهم عن قلة، تقدم فيهم بفاس الحاج العربي بن قليلو، واليوم انقرض هذا القبيل بفاس ويتساءل الكتاني هل بقي بعضهم بتازة أم لا؟ فنجيبه : نعم بقي شقيق الراحل وبعض من أهله بمدينته تازة لحد الآن، أما والد سي احمد فهو الحاج الجيلالي بن قليلو وكان من أعيان ووجهاء مدينة تازة .
لما اشتدت الأزمة بين السلطان الوطني محمد الخامس رحمه الله والإقامة العامة وتم نفي محمد بن يوسف عن عرشه ، وبعد أن دشن الشهيد علال بن عبد الله مسلسل العمليات الفدائية في 11 شتنبر 1953 سُجلت للمجاهد الوطني وكان في ميعة الشباب وقتذاك ( واحد وعشرين سنة ) أحمد بن قليلو العديد من أنشطة المقاومة عبر إحدى خلاياها بمدينة الرباط بين 24 نونبر 1953 و16 يناير 1954، وذلك بمختلف أحياء العاصمة وخاصة حي العكاري، حيث كان المناضل احمد هو المشرف والمسير والمنفذ أحيانا لتلك العمليات، كملاحقة بعض المتعاونين وعمليات وضع القنابل كما هو الشأن بالنسبة لجريدة الصدى “L’Echo” وسينما العنبرة حتى انكشف أمر خليته الوطنية فتم اعتقاله وذاق العذاب الأليم من طرف زبانية الاستعمار، ثم أحيل على المحكمة العليا يوم 12 أبريل 1954 حيث حكم عليه بالإعدام بتهمة تكوين” منظمة إرهابية ” وكان بصحبته في النضال الوطني المقاوم التازي الفذ عبد الرحمان بن سعد وهو من عائلة تازية معروفة أيضا، والذي حكم بالمؤبد علاوة على ثمانية مناضلين آخرين حكم عليهم ما بين 10 و30 سنة سجنا، وبينهم بعض مناضلي الرباط :المعلم حمو – الحسين الزعري عباس الزموري- عمرو العطاوي – مصطفى كديرة – عبد الرحمان الشرقاوي. كما كان من بين المناضلين الذي نسقوا ونشطوا في ساحة النضال الوطني وصحبواالسي احمد رحمه الله ، محمد الجوهري وعبد الفتاح سباطة، وكان من محامي هذه الخلية الوطنية أحمد رضا كديرة الذي سيصبح فيما بعد من أبرز مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني .
بات من الممكن جدا أن يُعدم الشاب بن قليلو في أي لحظة وهو بسجن العاذر بالجديدة، ولكن تشاء الظروف والأقدار أن تكتب للمناضل سي احمد حياة ثانية بعد العفو عن المعتقلين وفقا لاتفاقيات الاستقلال مع الجانب الفرنسي، فأفرج عن سي احمد وعاد إلى تازة في يوم مشهود وافق إعلان الاستقلال في 03 مارس 1956، إذ استقبلته جماهير مدينته بشكل حافل تاريخي، وأصبح احمد بن قليلو مسؤولا هاما في مفتشية حزب الاستقلال بتازة منذ ذلك الوقت، وحتى انتفاضة 25 يناير 1959 وتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بل وقد حضر الزعيم علال الفاسي لحفل عرس سي احمد بتازة يوم 22 فبراير 1958 ، ويبدوأن مسؤولياته بحزب الاستقلال لم تك مقنعة بالنسبة له، فضلا عن خطه الأيديولوجي فبمجرد انطلاق الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال ثم تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية انضم سي احمد للحركة الجديدة خاصة وأنه كان في أوج شبابه ( 27 سنة ) وتلك الحركة بالذات انتشرت وسط الشباب أساسا في حين نُظر إلى حزب الاستقلال الأصل على أنه حركة تقليدية ضمت الرعيل الأول للحركة الوطنية فضلا عن العناصر المحافظة ( خريجي القرويين مثلا) .
علاوة على ماسبق ونظرا لطبيعة شخصيته الثورية وأخلاقه النضالية وقوفه إلى جانب المظلومين انضم سي احمد إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة المهدي بن بركة وآخرين سنة 1959 وساهم في تأسيس خلايا الحزب وخوض معاركه النضالية بتازة، إلى أن ألقي عليه القبض في مؤامرة 16 يوليوز 1963 فذاق مختلف أنواع التعذيب، ومن مكر التاريخ، فقد حكم مرة ثانية بالإعدام وهذه المرة بتهمة التآمر ضد الدولة، وكان ممكنا أن ينفذ الحكم لولا العفو الملكي الذي صدر سنة 1965، وتواصل القمع المخزني تجاه الحركة التقدمية فكانت محاكمة مراكش الكبرى التي توبع فيها أيضا.
واصل السي احمد نضاله الديمقراطي بكل طاقاته ونكران ذاته وهو المنحدر من أسرة ميسورة بتازة ولم يكن بحاجة لانتهازية أو كراسي أو مواقع كما فعل الكثيرون وحولوا الاتحاد الاشتراكي إلى دكان انتخابوي ثم إلى حزب إداري محض، قلت واصل سي احمد نضاله حتى حدود الثمانينات من القرن الماضي، إذ انسحب تماما من أي عمل سياسي أو تنظيمي، لاقتناعه بان كل شيء قد انتهى بالنسبة لحركة سياسية مناضلة هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وقد حضرتُ شخصيا – وأنا في الشبيبة الاتحادية وقتذاك – بعض المعارك النضالية ( أقصد الانتخابات المعادة بدائرة تازة وباب مرزوقة ) للمناضل الفذ سي احمد خاصة في سنتي 1977 و1978 وكان آخرمرة التقيته وتبادلنا التحايا إثر رحيل المناضل عزوز الجريري في سنة 1996، وكان وقتذاك قد انسحب من كل نشاط تنظيمي أو سياسي، بعد أن انتقل إلى مدينة مكناس فالرباط التي وافته المنية فيها. تعرض لبعض جوانب النضال الوطني والديمقراطي لأحمد بن قليلو عدد من المناضلين والزعماء كعبد الله الصنهاجي في مذكراته، ومحمد الحبيب الفرقاني في كتابه ” الثورة الخامسة / صفحات من تاريخ المقاومة وجيش التحرير/ ج 1، كما وسبق أن أبنه في كلمة مؤثرة نشرت في الصحافة رفيق نضاله بمدينة مكناس محمد الجابري ( وهو غير محمد عابد الجابري المفكر) . رحم الله السي احمد بن قليلو وجزاه عن وطنه افضل الجزاء