تازة بريس

الميديا والكذب المرضي ..

-

تازة بريس

عزيز باكوش

شيئان لا يمكن أن يحدق المرء فيهما طويلا ، من دون أن تدمع عيناه ، الشمس ومواقع التواصل الاجتماعي . ليس بسبب طوفان التفاهة  والهتك الأخلاقي ، وإنما بسبب الكذب ، الذي بات ديكورا يوميا يؤثث مختلف الصفحات والمواقع والنطاقات . ولا يقتصر الكذب على الرسائل الخبرية والقصاصات والتسريبات والسبق الصحفي المزعوم، بل يتعداه إلى ابتداع صفات وألقاب تقدم خدماتها مع وفرة الطلب وسرعة الإنجاز .  ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي  ستصبح  بدون الكذب ، مجرد  قارة قطبية متجمدة شاسعة الأرجاء يكسوها غطاء أبيض . وحتما ،لن تكون هناك طاقة ولا حياة إلا بالقدر الكافي  للإبقاء على أنواع من الكائنات الحية ،وغلاف نباتي فريد ، وقطعا لا نعثر على الماء السائل الذي هو قوام  الوجود والحياة . فالكذب بكل صفاته وأنواعه بات اليوم عملة رابحة ،مقاولة مضمونة الأرباح ، ملح طعام الصفحات التواصلية ،وقدر المواقع المستعجل ، إنه أحد أخطر التحديات التي تواجه  الكوكب في عالم تواصلي زئبقي مشوب بالسرعة والجنون .

في ظل هذا الوضع المشوب  بالقلق والارتجال ، بات جمهور  السوشل ميديا يهوى من يكذب عليه ، ويستلذ بتصديقه الكذب ويستزيد ، والإعلامي صار يكذب بمهنية، ورجل الدين أجاز الكذب بالقرآن والسنة، والوزير يكذب بحزمة برامج حزبه المعلنة الرديئة الغير قابلة سوى للاستهلاك الواجهاتي زمن الحملات الانتخابية ، والبرلماني يكذب بفراغ جعبته ولسانه الذي لا يطاوعه على قول الحقيقية .  وعاطل الروح والذاكرة ،وجد فرصا حقيقية لممارسة هواية الكذب المفضلة لديه. علاوة على كون جميع المؤثرات – ين – كذابين بهذا الشكل أو ذاك ،بفضل هامش الحرية الكبير  وانعدام الرقابة الذاتية .  ومن الملاحظ  اليوم أن طائفة من هؤلاء المؤثرين ، خلقت لنفسها ستارا واقيا على مواقع التواصل الاجتماعي . وشيدت سور حماية  شفاف تمارس عبره ما يحلو لها بعيدا عن أعين  الرقابة ، يتعلق الأمر بابتداع صفات وألقاب تنكرية  تتيح لها هامشا كبيرا للكذب الذي يطلبه الجمهور البارد ، في سوق العرض الزاحم بالأنفاس والزفرات على الدوام . ألقاب وصفات تنكرية تبرز من حين لآخر، قد تتخذ  شكل صفحات خاصة ، أو تظهر على شكل مواقع إخبارية محفوظة الحقوق .

 على أن مجمل وصفات الكذب هاته ، لا تصمد طويلا في دورانها حول الكوكب ، إذ سرعان ما تغير الوجهة في زمن قياسي من 60 إلى 180 درجة  دون حسيب أو رقيب . فترحل من حالة الوفاء إلى سوق الخيانة .  وتنتقل من الثقة إلى الغدر بمزاجية ،وتتحول من الالتزام إلى الانتقام  بذهول ،وتغير جلدها من الحب إلى الكراهية بثقة لا تقاوم . وقد يعثر الباحث عن الكذب التواصلي على أسماء وصفات للكذب متشابكة المعاني، مختلطة المفاهيم ، مبعثرة تائهة وضالة ممزوجة بلغات ولكنات غير متجانسة . لقد أصبح الكذب على الناس ملح وجودهم . نقولها بصوت منخفض ، فمتى يتوقف المرسل الكاذب عن كذبه؟ ،ويكف المتلقي الجانح الجامح المتعطش للكذب ؟ ،ومتى تتصف الرسالة بينهما بروح مأنسنة بقيم بعيدة عن الكذب؟

إلغاء الاشتراك من التحديثات