الميديا والكذب المرضي ..

تازة بريس9 سبتمبر 2022آخر تحديث : الجمعة 9 سبتمبر 2022 - 4:13 مساءً
الميديا والكذب المرضي ..

تازة بريس

عزيز باكوش

شيئان لا يمكن أن يحدق المرء فيهما طويلا ، من دون أن تدمع عيناه ، الشمس ومواقع التواصل الاجتماعي . ليس بسبب طوفان التفاهة  والهتك الأخلاقي ، وإنما بسبب الكذب ، الذي بات ديكورا يوميا يؤثث مختلف الصفحات والمواقع والنطاقات . ولا يقتصر الكذب على الرسائل الخبرية والقصاصات والتسريبات والسبق الصحفي المزعوم، بل يتعداه إلى ابتداع صفات وألقاب تقدم خدماتها مع وفرة الطلب وسرعة الإنجاز .  ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي  ستصبح  بدون الكذب ، مجرد  قارة قطبية متجمدة شاسعة الأرجاء يكسوها غطاء أبيض . وحتما ،لن تكون هناك طاقة ولا حياة إلا بالقدر الكافي  للإبقاء على أنواع من الكائنات الحية ،وغلاف نباتي فريد ، وقطعا لا نعثر على الماء السائل الذي هو قوام  الوجود والحياة . فالكذب بكل صفاته وأنواعه بات اليوم عملة رابحة ،مقاولة مضمونة الأرباح ، ملح طعام الصفحات التواصلية ،وقدر المواقع المستعجل ، إنه أحد أخطر التحديات التي تواجه  الكوكب في عالم تواصلي زئبقي مشوب بالسرعة والجنون .

في ظل هذا الوضع المشوب  بالقلق والارتجال ، بات جمهور  السوشل ميديا يهوى من يكذب عليه ، ويستلذ بتصديقه الكذب ويستزيد ، والإعلامي صار يكذب بمهنية، ورجل الدين أجاز الكذب بالقرآن والسنة، والوزير يكذب بحزمة برامج حزبه المعلنة الرديئة الغير قابلة سوى للاستهلاك الواجهاتي زمن الحملات الانتخابية ، والبرلماني يكذب بفراغ جعبته ولسانه الذي لا يطاوعه على قول الحقيقية .  وعاطل الروح والذاكرة ،وجد فرصا حقيقية لممارسة هواية الكذب المفضلة لديه. علاوة على كون جميع المؤثرات – ين – كذابين بهذا الشكل أو ذاك ،بفضل هامش الحرية الكبير  وانعدام الرقابة الذاتية .  ومن الملاحظ  اليوم أن طائفة من هؤلاء المؤثرين ، خلقت لنفسها ستارا واقيا على مواقع التواصل الاجتماعي . وشيدت سور حماية  شفاف تمارس عبره ما يحلو لها بعيدا عن أعين  الرقابة ، يتعلق الأمر بابتداع صفات وألقاب تنكرية  تتيح لها هامشا كبيرا للكذب الذي يطلبه الجمهور البارد ، في سوق العرض الزاحم بالأنفاس والزفرات على الدوام . ألقاب وصفات تنكرية تبرز من حين لآخر، قد تتخذ  شكل صفحات خاصة ، أو تظهر على شكل مواقع إخبارية محفوظة الحقوق .

 على أن مجمل وصفات الكذب هاته ، لا تصمد طويلا في دورانها حول الكوكب ، إذ سرعان ما تغير الوجهة في زمن قياسي من 60 إلى 180 درجة  دون حسيب أو رقيب . فترحل من حالة الوفاء إلى سوق الخيانة .  وتنتقل من الثقة إلى الغدر بمزاجية ،وتتحول من الالتزام إلى الانتقام  بذهول ،وتغير جلدها من الحب إلى الكراهية بثقة لا تقاوم . وقد يعثر الباحث عن الكذب التواصلي على أسماء وصفات للكذب متشابكة المعاني، مختلطة المفاهيم ، مبعثرة تائهة وضالة ممزوجة بلغات ولكنات غير متجانسة . لقد أصبح الكذب على الناس ملح وجودهم . نقولها بصوت منخفض ، فمتى يتوقف المرسل الكاذب عن كذبه؟ ،ويكف المتلقي الجانح الجامح المتعطش للكذب ؟ ،ومتى تتصف الرسالة بينهما بروح مأنسنة بقيم بعيدة عن الكذب؟

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق