تازة بريس
عبد السلام انويكًة
بمكانة خاصة في الذاكرة الوطنية الجماعية للمغاربة، هي سنوات المغرب الحرجة للاستقلال التي امتدت منذ حدث نفي السلطان الشرعي محمد بن يوسف سنة 1953، وما طبعها من عمل فداء وكفاح مسلح الى غاية انطلاق عمليات جيش التحرير بشمال البلاد في 2 أكتوبر 1955، وما سطرته هذه العمليات ميدانيا من معارك بطولية حتى مطلع سنة 1956. سنوات / فترة دقيقة بقدر ما كانت عليه من هوية نضالية وبيئة مؤطرة خاصة، بقدر ما شكل مطمح استقلال البلاد هدفها وجوهرها وقضيتها الأولى، تلك التي شغلت الحركة الوطنية ومن خلالها الشعب المغربي منذ ثلاثينات القرن الماضي، من خلال ما حصل من ردود فعل وأحداث ووقائع وتجليات على عدة مستويات. ولعل ما اغتنت به المكتبة الوطنية من مذكرات خلال الثلاث عقود الأخيرة بكيفية خاصة، توجه بعنايته لرصد ملاحم جيش التحرير وعملياته، وأثر وبصمات صناع هذه الملاحم من رجال ونساء هنا وهناك من البلاد، بين مدن وبوادي وجبال وسهول وصحراء شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. علما أن من اعلام هذه الفترة الفاصلة من زمن المغرب الوطني الراهن، عدد كبير من الشهداء والمقاومين الذين منهم من لا يزال حيا يرزق، ومنهم وهم السواد الأعظم من انتقل الى جوار ربه رحمهم الله.
ويسجل أنه لم يكن بالإمكان التعرف على ما حصل خلال ملحمة استقلال المغرب والكفاح المسلح وجيش التحرير، لولا ما هناك من أرشيف ودراسات وأبحاث، ولولا ما كتب من مذكرات إن من قبل مقاومين أنفسهم، أو ما تم جمعه وكتابته من قبل أبناء هؤلاء وأسرهم بعد وفاتهم، وقد كانت بدور تنويري هام ومعلومة تاريخية وإغناء وتصحيح واضافة. مع أهمية الإشارة لِما تراكم من مذكرات مستفيدة من شروط عدة مساعدة، منها ما احيطت به من حفز من قِبل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعيا منها بقيمة هذا المنحى والتقليد في صيانة الذاكرة الوطنية، فضلا عن توفير روايات تاريخية من شأنها دعم مجال البحث والباحثين حول تاريخ البلاد الوطني الراهن. دون نسيان ما أسهمت به مصلحة النشر بالمندوبية السامية نفسها، على مستوى سبل التوجيه والدعم والمساعدة واخراج نصوص هذه المذكرات للوجود، وفق معايير كتابة وتوثيق وضوابط محددة. ومستفيدة أيضا مما رُفع من توصيات بين ندوات ولقاءات واحتفاءات هنا وهناك، تقول بأهمية توثيق ذاكرة وشهادات المقاومين وجمع شتات ارشيفهم خدمة لما ينبغي من بحث رصين ومادة مؤسسة وحقيقة نسبية. وغير خاف عن باحث مهتم ما تحتويه مذكرات هؤلاء من مواقف وجدل ومعطيات وظروف عامة وخاصة، طبعت عمليات الفداء والكفاح المسلح وجيش التحرير وما حصل من مواجهات ميدانية ضد القوات الاستعمارية من اجل الاستقلال. وكذا من مخزون معلومة حول خلايا فداء وتنقلات وخطط وتنظيم، واتصال وانخراط وتدريب وتنسيق وإعداد وتأطير وأسرار وشخوص وأمكنة وأزمنة وجزئيات وغيرها. ما يجعلها مرجعا هاما ووعاء مادة رافعة للبحث والدراسات، بل تراثا فكريا وطنيا بقدر معبر من الرمزية والأهمية لفائدة الناشئة المغربية. عبر ما ينبغي من انفتاح واطلاع وقدوة وعبرة وتنشئة وتلاقح وأخذ للدرس عن السلف، وما كان عليه هذا الأخير من نبل تضحيات ونكران ذات وغيرة وروح وطنية ونضال وفداء وصفحات كفاح من اجل الحرية والاستقلال.
في هذا الاطار عن جديد إصدارات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعن جديد المذكرات منها تحديدا التي جاءت بتحفيز ومساعدة منها، وبرغبة من أسرة أحد رجالات المقاومة وجيش التحرير، في اخراج ما بحوزتها من مخطوط ووثائق تعريفا به وابرازا لإسهاماته، وكذا تنويرا للمهتمين من الباحثين والقراء حول فترة الكفاح الوطني من اجل الاستقلال. عن جديد هذه المذكرات تلك الموسومة ب ” محمد القباج .. مسار مقاوم إبان فترة الكفاح الوطني”، والتي هي محور نشاط ثقافي ومساحة قراءة يؤطرها باحثون مهتمون، بحضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري، مساء يوم السبت فاتح فبراير 2025 على الساعة الثالثة والنصف زوالا، بالفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، أكدال – الرباط. موعد ونشاط احتفائي رمزي يستحضر فيه المساهمون في أشغاله، حقبة هامة من مسار تاريخ المقاوم “محمد القباج” ومحيطه الأسري، وما طبعه وما كان عليه من قيم وطنية وانخراط نضالي وطني، ومن دور أيضا في حركة المقاومة وجسور الاتصال والتنسيق ضمن ثلة من المقاومين، انطلقوا من أحياء فاس العتيقة المناضلة حاملين هموم وآلام وطنهم في ثنايا أفئدتهم، منخرطين حتى النخاع وبإرادة قوية وعفوية ونكران ذات في تأجيج جذوة النضال والفداء والكفاح من أجل حرية واستقلال ووحدة الوطن.