تازة بريس
واقع مهنة الصحافة والعراقيل التي تمنعها من التطور، كما تداول في أوضاع الصحافيات والصحافيين المتسمة بالهشاشة وعدم وضوح العلاقات التعاقدية مع الجهات المشغلة، داعية إلى ضرورة إجراء إصلاح شامل لقطاع الإعلام وإطلاق مبادرات للتقليل من التوثرات وإلغاء متابعة الصحافيين في قضايا الصحافة والنشر بموجب القانون الجنائي، معلنة إطلاق مبادرة في اتجاه إيجاد صيغ مقبولة في ملفات “الصحافيين”، الذين يقضون عقوبات سجنية بأحكام غير نهائية، رافضة استخدام وسائل الإعلام لتصفية حسابات. هو ما تم تداوله في المؤتمر التشاوري الدراسي الذي نظمته النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يومي الجمعة والسبت 25 و26 نونبر الجاري. وقد توزعت أنشطة هذا اللقاء إلى خمس ورشات عمل تناولت أوضاع القطاع المهنية وانتهت إلى:
راهنية واستعجالية القيام بإجراءات التصحيح والتقويم في أفق التطوير، ارتباطا بالتحولات العميقة الحاصلة في قطاعات الصحافة والاتصال، والتي تمثل تحديا كبيرا مؤثرا على مستقبل مهنة الصحافة، التي أضحت معرضة أكثر من أي وقت مضى للاختراق والهشاشة، وإفرازات جائحة كورون التي لا زالت تلقي بظلالها على أوضاع الصحافيات والصحافيين المادية والاجتماعية، في شبه تنكر لمجهودات الإعلاميين خلال الجائحة على مستويات الإخبار والتثقيف والتوعية ومقاومة الأخبار الزائفة، التي كانت مواقع التواصل الاجتماعي مسرحا لها، كما أن السمة العامة التي تميز المرحلة تتسم بتردي الأوضاع الاجتماعية لكافة العاملات والعاملين في مختلف مهن الإعلام والصحافة. ووقف المؤتمر على الأخطار التي تحدق بالمغرب في غياب إعلام وطني قوي وفعال، ليس فقط فيما يتعلق بتوفير قنوات النقاش الوطني العمومي في مختلف القضايا، وتعميم المعلومة و تنمية المعارف وبلورة الافكار والبدائل والمقترحات وغيرها من الوظائف التقليدية لوسائل الإعلام، ولكن لأن بلادنا “تتعرض باستمرار لحملات عدائية، تعتمد مخالب إعلامية حادة مسخرة لخدمة أجندات مضبوطة ومحددة بدقة، ولا سبيل إلى مواجهة ما يترتب على ذلك من تداعيات إلا بوجود إعلام وطني قوي وقادر على المساهمة بفعالية في حماية المصالح الوطنية والدفاع عن الحقوق الوطنية المشروعة” يقول البلاغ الصادر عن المؤتمر والذي تتوفر جريدة “أصوات” على نسخة منه.
وارتباطا بهاته الأحداث الكبرى دعا المؤتمر التشاوري إلى ضرورة القيام بإصلاح شامل وعاجل لقطاع الإعلام في بلادنا، العمومي منه أو الخاص. وإطلاق سلسلة من القرارات التي من شأنها تقليل التوترات في القطاع، وتتطلع النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى التوصل لصيغة تمكن من الإلغاء النهائي لمتابعة الصحافيين في قضايا الصحافة والنشر، بموجب القانون الجنائي، مؤكدة تقدمها بمقترحات في هذا الباب، وإطلاق مبادرة في اتجاه إيجاد صيغ مقبولة في ملفات “الصحافيين”، الذين يقضون عقوبات سجنية بأحكام غير نهائية، بما يرضي جميع الأطراف ويحفظ حقوقهم وكرامتهم. كما أعلن المؤتمر رفضه المطلق لاستخدام وسائل الإعلام بغرض تصفية حسابات قديمة أو مستجدة، مما يضر بمصداقية الصحافة الوطنية، ويخل بأهم مقتضيات أخلاقيات المهنة، ويحيد عن الدور الأساسي للإعلام باعتباره خدمة إخبارية وتثقيفية وتنويرية.
وعلى مستوى قطاع الصحافة المكتوبة الورقية والرقمية، تطرق المؤتمر لواقع الصحافة المكتوبة والإلكترونية وما تشهده من تأزم زاد حدة عما كان عليه في السابق، وفي هذا السياق أكدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن مجمل التدابير التي اتخذتها الحكومات السابقة لم تنجح في إنقاذ هذا القطاع، وأن الدعم القدم المقاولات الصحافية طيلة 17 سنة الماضية لم ينعكس إيجابا على المهنة وعلى أوضاع المهنيين، داعية إلى فتح تحقيق في مجالات صرف هذا الدعم العمومي للمقاولات الصحافية في بلادنا، في أفق إيجاد صيغة تحقق مطلب الشفافية والمحاسبة، مطالبة بإعادة النظر في فلسفة الدعم العمومي، عبر ربطه بدفتر تحملات استثماري، بحيث يتحول الدعم إلى رافعة للاستثمار في المقاولة الصحافية الوطنية، مع اعتماد معايير دقيقة، تراعي حجم المقاولة الصحافية، وقيمة استثماراتها وعدد العاملين فيها، وتربط التطبيق الكامل للاتفاقية الجماعية الخاصة بالصحافيين والصحافيات وأن تقوم بمراجعة الأوضاع الاجتماعية لمجموع العاملين والعاملات بالقطاع. وأكد المؤتمر الدراسي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية على ضرورة التعجيل بالمصادقة على صيغة جديدة للاتفاقية الجماعية الخاصة بالصحافيين والصحافيات، وهي الاتفاقية التي لم تراجع منذ سنة 2005، رغم أن مقتضياتها تنص على ضرورة مراجعتها كل ثلاث سنوات
.وللتذكير فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت قد وافقت على صيغة الاتفاقية الجماعية آنذاك رغم عديد الملاحظات والاعتراضات التي ابدتها، معتبرة حينها أن الأمر يتعلق بمرحلة انتقالية نحو وضعية التعاقد التي تحدد الحقوق والواجبات؛ لكن الأطراف الأخرى لم تراع هذه التنازلات المبدئية، وآثرت التعامل بانتهازية وعقلية انقلابية على التعاقدات المعلنة، ورغم النداءات المتكررة للنقابة الوطنية للصحافة المغربية المطالبة بمراجعة الاتفاقية الجماعية، فإن الإصرار على تجاهل هذا المطلب المشروع من طرف أرباب العمل رغم استمرار استفادتهم من الدعم المالي العمومي، عطل أي أمل في التغيير.وعليه فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تعد تقبل بهذا السلوك الانتهازي من طرف البعض، وتؤكد اليوم للسلطة الحكومية المختصة وللناشرين أن الاتفاقية الجماعية للصحافيين والصحافيات يجب أن تكون المدخل الرئيس للاستفادة من الدعم المالي العمومي، وبوابة رئيسية لأي إصلاح منشود.
وفيما يخص قطاع القطب العمومي، اثارت النقابة الوطنية للصحافة المغربية الانتباه إلى تردي أوضاع الصحافيات والصحافيين العاملين في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والقناة الثانية، وتثير من جديد إشكالية انعدام الرؤية الاستراتيجية للمرفق العمومي وشبه العمومي في هذا القطاع، مما يجعل مؤسسات مختلفة تنتمي لنفس المرفق العمومي متفاوتة على مستويات التوظيف والاشتغال والخطوط التحريرية واحترام التعاقدات والعمل النقابي وحقوق العاملين بها، وفي ضوء ذلك تعتبر النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن الضرورة أضحت ملحة لتوضيح الرؤية بالنسبة لهذا القطاع الاستراتيجي وتوحيده في قطب عمومي قوي قادر على انتاج خدمة عمومية تستجيب لانتظارات المهنيين والرأي العام الوطني، وتحترم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين فيها التي يجب أن ترقى إلى مصاف الأولوية، وفي هذا الإطار تطالب النقابة الوطنية للصحافة المغربية بفتح حوار جدي ومسؤول حول هذه الأولويات المستعجلة. وتؤكد من جديد أن مصالح العاملين والعاملات والصحافيات والصحافيين فوق كل المزايدات النقابية، وتذكر أنها كانت دائما تشجع على العمل التنسيقي الذي يعود بالنفع على العنصر البشرى بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، لكنها ترفض كل تطاول على أطرها ومناضليها كما يحدث مثلا في القناة الجهوية بالعيون وتعلم استعدادا الرد عليه.
وحول وكالة المغرب العربي للأنباء وبمناسبة الحديث عن الخدمة العمومية في الإعلام، فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تعيد التذكير بالأوضاع الملتبسة داخل وكالة المغرب العربي للأنباء، وتعتبر أنه قد آن الوقت لتقييم ما يحصل داخلها في إطار من المكاشفة والشفافية، فقد صرفت اعتمادات مالية في استثمارات، من أجل إحداث نقلة نوعية لهذه المؤسسة، لكن بعد سنين من العمل اتضح أن تردي الخدمة في هذا القطاع ازداد حدة، وأن الاستثمارات التي خصصت لها ميزانيات مهمة لم يكن لها أي أثر فعلي، مما يشكك في إمكان وجود دراسات جدوى مسبقة، مما أفرز قنوات اذاعية وتلفزية ومجلة مكتوبة لا أثر لها في المشهد الإعلامي الوطني. والغريب أنها استثمارات عمومية من المال العام صرفت في وظائف تقوم بها مؤسسات إعلامية أخرى بدورها تشكو ضعف الدعم العمومي. واثارت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بهذه المناسبة أسئلة حقيقية عن طبيعة التشغيل والتوظيف في جميع هذه المؤسسات المتفرعة عن وكالة المغرب العربي، وطبيعة التعاقدات مع شركات إنتاج ومع أشخاص اعتباريين غير منتمين لمهن الإعلام يشرفون على تقديم برامج بقنوات تابعة للوكالة، وتطالب إدارتها بالكشف عن المساطر المعتمدة في هذه المنهجية.
أما عن قطاع الإذاعات الخاصة فقد سجلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن تجربة هذه الإذاعات مثلت تحولا مهما في تاريخ الإعلام الوطني، مما يؤكد الأهمية البالغة لقرار تحرير هذا القطاع. وهو اليوم يقوم بأدوار رائدة في إعلام القرب وتوسيع مجالات النقاش العمومي. والأكيد أن الصحافيين والصحافيات قاموا بأدوار مهمة في انطلاق هذه التجربة ونجاحها لحد الآن، لذلك يجب ان يكونوا في مقدمة إعطاء الاعتبار للقطاع من خلال معالجة وتدارك الاختلالات الكثيرة التي تؤثر سلبا على أوضاعهم المادية والمهنية، وتتجسد الاختلالات التي تمس بشكل واضح كل القوانين المؤطرة للشغل وللقانون الصحافي المهني وضمنها عقود الشغل داخل جل الإذاعات الخاصة التي تتسم بالكثير من الاختلالات القانونية، وفترة الاختبار أو التدريب التي قد تصل الى السنة والسنة والنصف وبدون أجور أو تعويضات، إضافة إلى حرمان العاملين من نسخة من عقد الشغل، كما أن أجور الصحافيين في غالبية هذه الإذاعات لا ترقى إلى مستوى أجور الاتفاقية الجماعية الخاصة بالصحافة المكتوبة، وتخضع لمزاجية إدارة المحطة الاذاعية وهي في الغالب هزيلة جدا.
وفي علاقة بالإعلام الجهوي، اعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية انطلاقا أن الإعلام الجهوي على الرغم من أهميته، فإنه يمر بمنعطف خطير، وضمنه إضافة إلى الأوضاع المركزية فإنه يئن أمام لامبالاة الجهات الترابية في دعمه ومواكبته باعتباره رافعة تواكب توجه التنظيم الجهوي واللاتركيز الإداري، ناهيك عن وظيفته في الدفع بالتنمية المحلية والديمقراطية، داعية إلى ضرورة إيلاء الإعلام الجهوي عناية خاصة في كل مشاريع الإصلاح بما يسهم في تقويته داخل منظومة إصلاح وتقوية الإعلام الوطني، وأن يكون تأهيل العنصر البشري ماديا ومعنويا عنوانه الرئيس.
وعن المنظومة القانونية الوطنية المؤطرة للصحافة، جدد المؤتمر التشاوري للنقابة الوطنية للصحافة المغربية مطالبته بالضرورة الملحة لتعديل منظومة قوانين الصحافة و النشر في بلادنا، خصوصا قانون رقم 13/ 88 المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون رقم 13/89 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين والقانون رقم 14/89 المتعلق بالمجلس الوطني للصحافة، فقد أبانت التجربة عن العديد من الاختلالات و النواقص فيما يتعلق بالأهلية لولوج مهنة الصحافة، بسبب الغموض في تعريف الصحافي المهني، الذي يطرح كذلك مشاكل بالنسبة للصحافيين التقنيين، تنعكس سلبا على أدائهم المهني رغم أنهم جزء مهم وأساسي في المهنة، كما يغفل عن تحديد دقيق و مقبول تعريف المقاولة الصحافية. مشيرا الى أن تجربة المجلس الوطني للصحافة في مرحلة التأسيس أبانت عن العديد من الاختلالات القانونية وجب تداركها، وتهم طريقة تشكيله والصلاحيات المخولة إليه وقوة إلزامية القرارات الصادرة عنه. وترى النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن طريقة تشكيل هذه المؤسسة يجب أن تكون عادلة ومنصفة، تراعي حجم تمثيلية العاملين في القطاع و شرعية هذه التمثيلية.