تازة بريس
قبل أربع سنوات بالتمام والكمال تم تصنيف مدينة تازة العتيقة تراثا وطنيا من قبل وزارة الثقافة، وهو القرار الذي لا شك أنه انبنى على ملف متكامل شمل جملة معايير ومكونات جمعت بين ما هو تاريخي حضاري فضلا عن معالم عمرانية بقيمة تاريخية شاهدة. وكانت مكونات المجتمع المدني بدور هام في هذا الاطار ومعها بعض المؤسسات العمومية ذات الصلة الى جانب ما أسهم به الاعلام من خلال ابرازه مكامن موارد زمن تازة وتجلياتها وتفرداتها الحضارية. وكان قد تم نشر قرار تصنيف تازة في الجريدة الرسمية عدد 6750 الصادرة بفاتح جمادى الثانية 1440 الموافق7 فبراير2019، مرسوم قانون رقم 2.18.889 والذي يقضي بإدراج مدينة تازة العتيقة ضمن لائحة الآثار والمباني الأثرية الوطنية، بناء على القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات وغيرها.
جدير بالاشارة الى أن عشرات الندوات واللقاءات والأنشطة الثقافية والأيام الدراسية التي عقدها المجتمع المدني بتازة منذ تسعينات القرن الماضي، وقد انتهت جل تقاريرها الختامية بتوصيات عدة منها أهمية تصنيف تازة تراثا وطنيا، بل منذ حوالي ربع قرن والحديث يدور حول أهمية اعادة الروح لفضاء تازة العتيق وتثمينه عبر تصنيفه، مع توجيه مكوناته وانقاذ وحسن قراءة وادماج واستثمار ما يحتويه من مؤهلات. ومنذ حوالي ربع قرن ايضا وانشغال الفعل الجمعوي المحلي قائم ومهتم بكيان وتراث المدينة المادي واللامادي. وغير خاف ما أسهم به أول ملتقى خاص بالمدينة العتيقة تازة والذي للأسف كان الأول والأخير 1999، ذلك الذي أطرته يوما جمعية إنقاذ المدينة العتيقة تحت شعار” تازة: تراث حضارة ومعمار”. وكان ببصمة غير مسبوقة ولا بادرة شبيهة لحد الآن نظرا لِما كان عليه هذا الملتقى ليس فقط من تشخيص لواقع حال المباني الأثرية ولتازة ، بل من قراءات واجراءات ضمن بادرة تشارك جمعت الى جانب جمعية إنقاذ المدينة العتيقة، الوكالة الحضرية ايضا وقد كانت في بداية مسارها، فضلا عن نخبة من المهتمين المتخصصين والباحثين المتميزين في مجال التراث الأصيل المرتبط بالمدينة العتيقة وقد كانوا بدور في بلورة وتأطير جملة محاور بقيمة مضافة عالية يحفظها الأرشيف.
هكذا تأسس ملتقى تازة الأول للمدينة العتيقة أواخر تسعينات القرن الماضي، على وعي جمعوي محلي تجاه تراث تازة الحضاري والمعماري، وهكذا تأسس الحديث بتازة حول أهمية تصنيفها تراثا وطنيا باعتبار اجراء التصنيف من الوجهة النظرية والمعنوية هو اطارا لتلاقح ماض بحاضر وآلية لاستشراف مستقبل المدينة وإحياء اشعاعها، عبر ما ينبغي من نجاعة وفعل استراتيجي ضمن خطة ادماج وتنمية حضرية شاملة، وكان ملتقى تازة الأول حول المدينة العتيقة قد توجه في ندوته الأولى لِما هو وثائق تعمير ودراسات معمارية، فضلا عن موضوع المحافظة ورد الاعتبار للمدينة العتيقة بتصنيفها تراثا وطنيا. ولعل من الاشارات التي طبعت ملتقى تازة الأول للمدينة العتيقة قبل حوالي ربع قرن، كون تصنيف المدينة العتيقة وحفظها ليس بالأمر السهل، وعيا من المجتمع المدني بأن التصنيف مسؤولية تقتضي الالتزام بواجبات وشروط التصنيف مع الارتقاء بكائن تراث المدينة المادي واللامادي عبر حمايته وحفظه وتجنب كل ما من شأنه المس به وطمسه وتدهوره وتشويهه. هكذا تحدثت هذا الموعد حول تازة العتيقة قبل حوالي ربع قرن، وهكذا كان الحديث عن سبل تكييف عمل حماية تراث تازة لجعل ماضي المدينة بنوع من الاستمرارية لصناعة غد أفضل لها.
بعد عقدين من الزمن عن أول ملتقى حول المدينة العتيقة وقد استهدف انقاذ تراثها وتصنيفها على اساس ما تزخر به من غنى ثقافي تاريخي حضاري، بعد عقدين من الزمن (1999- 2019) تحقق تصنيف تازة تراثا وطنيا، ونحن الأن في الذكرى الرابعة لهذا الاجراء الذي اعتبره كل الطيف الثقافي والسياسي والجمعوي بالمدينة آنذاك قيمة مضافة ستكون لا شك بأثر عملي ما على التنمية المحلية وخاصة انعاش المجال العتيق للمدينة. كل هذا مع الأسف ظل حبيس ورق لا غير وبدون أي تأثير ملموس على أرض الواقع، لدرجة أن معالم المدينة عاشت فترات رهيبة بسبب ما تعرضت له من هجوم وتشويه وتهديد بالإتلاف النهائي، وما حصل للحصن السعدي الأثري بالمدينة غير خاف ولعلها البناية الأثرية التاريخية الشهيرة محليا ب”البستيون”، فلولا تنسيقية تازة للدفاع عن المآثر التاريخية لكانت هذه المعلمة التي تم على اساسها تصنيف تازة تراثا وطنيا في خبر كان. فقد كانت هذه التنسيقية بدور هام ليس فقط في حماية هذه المعلمة التاريخية وابعاد ما كان يهددها من خطر عبر ما تم تنظيمه بشكل مسترسل من وقفات وما تم توجيهه من مراسلات لعدد من الجهات فضلا عن رفع الملف للقضاء، دون نسيان ما اسهم به الاعلام من ترافع هنا وهناك عبر كل المنابر المحلية والوطنية، ضمن صمت مطبق وغياب تام للمؤسسات الوصية على القطاع الأثري والتراثي والمباني التاريخية والمنوط بها حماية وحفظ المعالم التاريخية للمدينة ونخص بالذكر المديرية الاقليمية لوزارة الثقافة. وكانت تنسيقية تازة للدفاع عن المآثر التاريخية، بدور هام في تعميق النقاش حول واقع التراث المادي التاريخي بالمدينة وايضا فيما حصل من زيارات ووقوف على الوضع المتردي للمباني الأثرية وحجم ما تتعرض له من طمس وأضرار يعاقب عليها القانون.
وقد وقف يومه السبت 21 يناير الجاري ممثلون عن المجتمع المدني المحلي، على حجم الدمار الذي تتعرض له المباني الأثرية أمام أعين الجميع، والذي يتعرض له مركب تاريخي أثري بتازة يعود للعصر المريني، ولعلها مشاهد مقززة مثيرة للشفقة وللقلق ولكل معاني الحسرة تجاه مباني تازة الأثرية التي قيل أنها مدينة مصنفة تراثا وطنيا. الردم بكل تعفناته والطمس بكل اشكاله والاتلاف الممنهج وتدويب ذاكرة المدينة المادية بلا رحمة. علما أن ما تتعرض له معالم المدينة التاريخية من تدمير ما لا يتم الانتباه اليه وما لا يتم الحديث عنه ولا تصويره ولا الحديث عنه، فيما يسجل من برامج مصورة متلفزة من حين لآخر، وكأن من يؤثث هذه الخربشات من متحدثين لا يعلمون وجها آخر بالقرب حول ما يتم تقديمه للمشاهدين. وهو وجه ما توجد عليه المباني الأثرية من تشويه وطمس وغمر وردم، جعل بنايات تاريخية تجمع بين أسوار وأبراج وخنادق ضاربة في القدم مطرحا للنفايات المنزلية والأتربة والمخلفات المتعددة المصادر، لدرجة ان جوانب من هذه المباني الأثرية لم تعد ظاهرة وأن الجزء الأعظم منها بات مهددا بالاتلاف التام. هذا هو واقع ما يوجد عليه محيط ما يعرف محليا ب”البرج الملولب” و”الأسوار المرينية المزدوجة البناء والتحصين” على مستوى المجال الأثري جنوب المدينة العتيقة تازة العليا، علما أن الوصف اللفظي يعجز عن نقل الصورة التي يوجد عليها واقع حال جانب من مدينة تازة التاريخية المصنفة تراثا وطنيا ولا حول ولا قوة الا بالله.