تازة بريس
عبد السلام انويكًة
مرجع ثقافي حول خصوصية وروح الفترات التاريخية وروافد حضارتها، ومظهر من مظاهر المعيش والتطور والانفتاح والتميز أيضا فضلا عما هو إحساس وابداع. ذلك هو اللباس أو الزي لدى المجتمعات عموما. وبما أن المغرب بموقع خاص جعله بتأثير وتأثر عبر الزمن، فهو بثقافة زاخرة في تنوعها على عدة مستويات، ومن هنا ما طبع البلاد من لباس حافظ عليه المغاربة منذ القدم، من قبيل القفطان باعتباره أحد علامات ورموز تراثه الأصيل اللامادي. وعندما نستحضر الزي في المجتمع المغربي منذ العصر الوسيط، نستحضر معه ما هناك من مكونات ذات صلة تخص عمارة المدينة المغربية العتيقة، والتي منها رمزية “القيسارية” التي لا تزال شاهدة هنا وهناك على ماض وفن عيش وإنتاج وتسويق وعرض واشكال ابداع. مع أهمية الإشارة الى أن اللباس في الذاكرة الجماعية عموما هو تصور موسع لكتابة تاريخ المغرب، وهو ما توجهت اليه مدرسة الحوليات الفرنسية التي أحدثت تحولا كبيرا في منهجية وقضايا البحث التاريخي التي كانت تبدو هامشية ذات يوم. ولعل من مصادر المعرفة التاريخية حول الزي المغربي، نجد ما ورد من إشارات في التراث الفقهي والتراجم وكتب المناقب واللغة وغيرها. بل زي المغاربة وخصوصيته لم يغب عن انشغالات التقارير الاستكشافية التي انجزها عدد من الأجانب عن المغرب منذ أواخر القرن التاسع عشر، ومن هؤلاء عن الرحالة الأوربيين نجد شارل دوفوكو الذي أورد في مؤلفه الشهير “التعرف على المغرب”، وصفا دقيقا للباس المغربي عبر الجهات التي شملتها رحلته مطلع ثمانينات القرن السابق الذكر.
وعن تراث المغرب اللامادي / اللباس، يعد تسجيل القفطان المغربي في 10 دجنبر الجاري ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي الثقافي لدى منظمة اليونيسكو، إنجازا رمزيا لفائدة الحضارة المغربية والنبوغ المغربي وتتويج للمغاربة ومسارهم على امتداد قرون من الزمن. بل أيضا اعترافا امميا بأثر هام ومعبر من اجل تثمين المهارات المغربية وتراث المجتمع وابداع الصانع المغربي. ولا شك أن هذه الخطوة التي أدرجت القفطان المغربي ضمن التراث الإنساني العالمي، تضع المنتوج الأصيل التقليدي المغربي أمام تحديات وسبل حفظ هذا الموروث الثقافي والعمل على ابقاءه اصيلا مستمرا، على وقع ما هناك من تدفق واسع في الأذواق والبضاعة الجديدة بالأسواق. مع أهمية الإشارة الى كيفية استثمار وترجمة هذه الالتفاتة الأممية بتصنيفها واعترافها بالقفطان المغربي تراثا إنسانيا، الى مشروع رؤية وطنية رافعة لمنتوج المغرب التقليدي ولِما ينبغي من تسويق على الصعيد الدولي. بما يعود بالنفع على الحرفيين التقليديين المغاربة وعلى مهاراتهم، من حيث حمايتهم وحماية منتوجاتهم والرفع من مستوى عيشهم. دون نسيان ما يمكن ان تسهم به الأبحاث والدراسات التاريخية على مستوى ابراز عمق المعلومة التاريخية والسسيولوجية عن حرف المغرب.
واذا كان ما حصل من انجاز اممي عبر منظمة اليونيسكو مؤخرا صوب القفطان المغربي، فالسؤال هو ماذا عن القيمة المضافة لهذا التصنيف حيال قطاع الصناعة التقليدية المغربية ومن خلاله حيال الحرفيين والصناع التقليديين المغاربة. وهنا لا شك أن جامعة الغرف المهنية المغربية مدعوة للقيام بما هو منوط بها من أدوار وتدخلات وخطط عمل، من اجل ما ينبغي من أوراش موازية ذات صلة على مستوى الحماية والدعم والرؤية الاستشرافية لفائدة الاقتصاد الوطني. دون نسيان ما يمكن أن تسهم به المدارس المهنية ومن اجل نقل مهارات وخبرات السلف للخلف ومنها خبرة ومهارة صناعة القفطان المغربي، لتحقيق ما ينبغي من تلاقح بين الأجيال وحفظ على التراث الرمزي الوطني واستدامته. ولعل بقدر قيمة هذه الالتفاتة الأممية صوب القفطان المغربي الذي يحمل قيمته في ذاته، بقدر ما هذا التصنيف هو دعوة للجهات الوصية على القطاع من اجل تدخلات رافعة داعمة عبر تصورات عملية ومشاريع، ومن اجل أيضا حسن استغلال هذه الفرصة والاشتغال على عدة واجهات، لجعل القفطان المغربي بقيمة أكبر ورقم قياسي في صادراته وتسويقه واقبال السياح عليه.
وهنا أيضا ما يمكن ان يسهم به الاعلام المغربي بكل أثاثه على مستوى التعريف والابراز، لجعل القفطان المغربي المتوج من قبل منظمة اليونيسكو حاضرا بقوة لدى الآخر كعلامة تجارية وثقافية وتراثية مغربية. وفي هذا الاطار الاعلام مدعو لاستحضار ما يخص قصة ومسار القفطان المغربي عبر التاريخ منذ على الأقل مغرب العصر الوسيط، وهنا الامر يقتضي اعتماد ما هناك من وثائق تاريخية ومعلومة مصدرية وارشيف تاريخي هنا وهناك، فضلا عن اسهامات وتنوير باحثين مؤرخين وسسيولوجيين مهتمين بموضوع الزي المغربي وارتباطه بالأسرة المغربية على امتداد قرون، وكذا اسهامات وتنوير المهنيين من الصناع حول تطور وغنى وفن صناعة القفطان المغربي الذي بلغ العالمية، من حيث ما يرتبط به من طرز و”سفيفة” و”أعقاد” و”ثوب” و”اشكال مغربية بحسب الجهات”، من قبيل القفطان الفاسي والرباطي والتطواني .. الخ، وهي الأنواع التي لا يعرف اسرارها سوى ذلك الحرفي المغربي الذي تعلق بهذا التراث في وجدانه وذاكرته. علما أن هذا القفطان بجميع اثاثه وألوانه ومرجعيته هو ليس فقط نتاج عمل يدوي، بل أساسا هو عمل عقلي وجمالي وابداعي للصانع. وإذا كان القفطان المغربي الذي حضي بما حضي من تتويج وانصاف أممي، يوجد ضمن المواد والتحف المعروضة بجميع المتاحف المغربية، فهو مدعو الآن ليحضر الملتقيات الدولية والمواعيد الكبرى التراثية، مستفيدا من وضعه الحالي كتحفة تراثية إنسانية. ولعل الشيء بالشيء يذكر كما يقال لابد عند الحديث عن القفطان المغربي من استحضار المرأة المغربية وأدوارها في هذا الاطار، ذلك أنها تعلقت به منذ القدم ولا تزال وحافظت عليه وجعلته لباسا استمر عبر قرون حتى الآن. وهو ما ينبغي أن يظل من خلال أدوار الجميع كل من موقعه، أسرة ومدرسة وإعلاما ومجتمعا مدنيا وتنظيمات مهنية وغيرها. مع أهمية الإشارة لِما ينبغي ضمن هذه العناية والحفظ من انسجام وتفاعل مع أذواق الأجيال الجديدة وما هناك من تدفقات، انما أيضا ضمن وعي بأهمية وقيمة حمولة القفطان التراثية والتاريخية باعتباره جزء من هوية المغرب والمغاربة.
رئيس مركز ابن بري للدراسات وحماية التراث
