تازة بريس
عبد السلام انويكًة
واحد هو، من أعلام فقه وقضاء وإفتاء مغرب أمس الذين تميزوا في مهامهم واسهاماتهم وتفاعلاتهم، فكانوا بما كانوا عليه من نبوغ وصدى وشهرة فضلا عن موقع في دواليب السلطة منذ العصر الوسيط. وهو واحد ايضا من عشرات المنتمين لقبيلة استوطنت جوار تازة منذ قرون، وقد اشتهر في مغرب القرن التاسع عشر الميلادي بالإفتاء والقضاء والتدريس، مع هيبة كتابات فقهية نوازلية وحزم وحس عال تجاه ما كان يرفع اليه من قضايا. ورد عنه ذات يوم أنه كان يقول ما كان يراه جديرا بالقول لا يخاف في الله لومةَ لائم، وهي الجرأة التي ظهرت جلية في خطبة له عقب احتلال الفرنسيين لمدينة الجزائر سنة ألف وثمانمائة وثلاثون، وكذا في فتواه الشهيرة التي تفاعل بها مع مسائل/ أسئلة الأمير عبد القادر الجزائري، في شأن هذا الاحتلال وسبل مقاومته وحكم الشرع فيما يتعلق به. فكان رده منسجما مع وعيه ومع ما كان على عاتقه من ثقل مسؤولية كفقيه، علما أن قوله الحق في هذا الشأن عرَّضه لِما عرَّضه من عزل وحرمان من مزاولة مَهَمة القضاء بكل من فاس وتطوان. وقد دعا صراحة لتحرير الجزائر ومقاومة هذا الاحتلال، مندداً به في خطبه ودروسه بجوامع وزوايا ومجالس علمية هنا وهناك واينما حل وارتحل، منطلقا مما أجمع عليه فقهاء الاسلام الأوائل، مؤكدا على أهمية إحياء فرض الجهاد، مع دعوته لليقضة معتبرا ما حصل بهذا البلد الجار هو بداية سلسلة احتلالات لاحقة، ومن ثمة ما رآه من ضرورة جهاد ووحدة صف المسلمين واستعداد للقتال، وفق ما يقتضيه الأمر من شروط مادية ومعنوية. علما أن ما حرره هذا الأخير مجيبا على طلب الأمير عبد القادر، كان بإيعاز من السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام الذي دعم الجزائر خلال هذه الفترة الحرجة بالخيل والسلاح والمال كما تذكر المصادر.
ذلك هو الفقيه أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي نسبة لقبيلة التسول جوار تازة، وقد قال عنه محمد المنوني أنه يحق ذكره في صف الفقهاء والعلماء الصالحين، وورد عنه في سلوة الأنفاس أنه قاضي فقيه وعلامة نزيه حمل راية المذهب المالكي بالمغرب، وأنه نوازلي موثق محرر محقق وقاضي أعدل. اشارات بمختصر مفيد حول هذا الأخير المتوفى سنة ألف وثمانمائة وأثنين وأربعين، وحول ما كان عليه من موقع رمزي وسلطة علمية فقهية ودور ورأي وقوة وجرأة افتاء، ارتأيناها مدخلا لتسليط بعض الضوء حول قبيلته الأصل “التسول”، التي اشتهرت ببروز وتميز واسهامات مساحة معبرة من علمائها وأدبائها وفقهائها وقضاتها منذ دولة الموحدين بالمغرب حتى الآن. ولعل قبيلة أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي هذا، كانت دوما بحضور ممتد عبر رجالاتها في تاريخ البلاد منذ العصر الوسيط، وهي القبيلة التي تستوطن حاليا مجالا يعد جزءا من تلال مقدمة جبال الريف بشمال غرب اقليم تازة، بحيث نجدها محاطة بقبيلة غياتة جنوبا وشرقا وبقبيلة البرانس شمالا ثم قبيلة الحياينة غربا. مع أهمية الاشارة الى أن مجال قبيلة “التسول” يعد الأصغر من حيث المساحة مقارنة بباقي مجالات قبائل المنطقة، وأن مجالها الجبلي في الماضي وفق ما تفيد به المصادر التاريخية، كان مجالا غابويا بقدر كبير من غنى مشهد وتنوع ووفرة.
ويسجل أن إسم “التسول” الذي عُرفت به هذه القبيلة، هو موضوع خلاف حول دلالاته وأصوله بين الباحثين والمؤرخين والمهتمين، ناهيك عما هناك من تباين في هذا الشأن حتى فيما لا يزال متداولا في الذاكرة الشعبية المحلية من روايات. بحيث هناك من يقول بكون تسمية قبيلة “التسول” بهذا الاسم، له علاقة باسم مدينة أقامها الرومان وأن هذه المدينة كانت تسمى “تاسول”، علما أنه لحد الآن لا تزال هناك بقايا آثار ومعالم مادية تاريخية بإحدى مواقع وأمكنة القبيلة التي تعرف محليا ب”عين اسحاق”. وحول سؤال أصل تسمية القبيلة بهذا الاسم، من الباحثين المهتمين من يقول بأن أصل الاسم مأخوذ من كلمة تعني الجبل أو الامتداد الجبلي الذي تستوطنه القبيلة، بل من الروايات هنا وهناك وبين هذا وذاك من ترى بأن اسم قبيلة “التسول”، مأخوذ من اسم حاكم أو ملك بربري كان يحكم المنطقة وهذا الحاكم يدعى tassoul ،. ولعل أمام هذا التباين في الحديث حول انتماء القبيلة وتسميتها بهذا الاسم، من المهم والمفيد الوقوف على ما جاء عند أبي عبيد البكري صاحب “المسالك والممالك”، عندما أشار الى مدينة “اتسول” التي اعتبرها قاعدة زعيم إمارة مكناسة “موسى بن أبي العافية”، مضيفا أنها كانت تعرف ب”عين اسحاق”. وعليه، من غير المستبعد أن يكون هناك ارتباط بين اسم قبيلة “التسول”ومدينة “اتسول” التي تحدث عنها البكري.
هكذا يظهر أن اسم القبيلة”التسول” قد تكون له علاقة باسم مكان، بحيث عندما نتأمل فيما أوردته المصادر التاريخية نجد أن كلمة “اتسول” جاءت بدلالة مجالية ترابية. وفي هذا الاطار عندما تحدث ابن خلدون عن قبيلة مكناسة بالمغرب، من جملة ما أشار اليه استيطان هذه القبيلة لوادي ملوية ونواحي تازة واتسول، بل هناك فصل خاص موسوم في احدى أجزاء مؤلفه (العِبَر) ب “الخبر عن دولة بني العافية ملوك اتسول..”. ومن هنا يظهر جليا أن كلمة وإسم “اتسول” جاءت بدلالة جغرافية مجالية كمكان للاستقرار من جهة وكحصن للزعيم موسى بن أبي العافية. وحتى في كتاب “روض القرطاس” لابن أبي زرع الفاسي ورد حديث عن بلاد “اتسول”، بل عندما تحدث الحسن الوزان (ليون الافريقي) في مؤلفه “وصف افريقيا” عن قبيلة “اتسول”، أشار اليها مستحضرا عنصر الجبل والمكان، قائلا: “هذا الجبل شاهق صعب المرتقى لِما يوجد فيه من غابات وصخور”. وعموما بعد كل هذا وذاك شتات اشارات هنا وهناك، يبقى اسم “اتسول” بغموض من حيث مصدره ومعناه وأصوله، وأن ما هناك من حديث عنه هو مجرد فرضيات واجتهادات وروايات، منها من تذهب في قولها بأن “التسول” في الأصل هي”الدسول” بحرف الدال، وأن “الدسول” يعني السياج الذي يحيط بالضيعات الزراعية، والمتكون من نباتات شوكية من قبيل ما يعرف محليا ب”السدرة”. ومن الباحثين المهتمين من يذهب في حديثه الى أن”اتسول” في اللغة الأمازيغية كلمة مشتقة من فعل”ايسول” الذي يعني”ما تبقى” أو”الباقية”، ليبقى كل وذاك كما سبقت الاشارة مجرد اجتهادات
فيما يخص أصول قبيلة “التسول”، يمكن الوقوف على ما ورد من اشارات تاريخية في المصادر، وعلى ما تتقاسمه نصوص باحثين ودراسين مهتمين توجهوا بعنايتهم للشأن القبلي عموما بالمغرب، تلك التي تلتقي حول كون معظم قبائل ممر تازة هي بأصول بربرية/ أمازيغية، وأنه مع مرور الزمن وما طبع هذا الزمن من تفاعلات وتدافعات، حصل هناك تمازج واختلاط ثقافي وتعبيري واجتماعي بين عدد من المكونات منها المكون الأمازيغي والعربي..، وأنه على إثر ذلك تعربت هذه القبائل التي منها قبيلة “التسول” التي تستوطن جوار تازة، وفق ما ورد في عدد من النصوص منها كتاب “قبائل المغرب” لعبد الوهاب بن منصور. وإذا عدنا لزمن العصر الوسيط، نجد ابن خلدون يقول بأن قبيلة “التسول” (اتسول) تنتمي للبربر البتر نسبة الى الجد “مدغيس الأبتر”. وعن نصوص مغرب العصر الوسيط المصدرية ايضا وحول اصول القبيلة، نجد عبد الواحد المراكشي في “المعجب” يفيد بأن نسب القبيلة بربري وأنها من فرع زناتة، بحيث عندما تحدث عن عيسى بن عمران التازي قاضي الجماعة زمن دولة الموحدين قال أنه ينتمي لقبيلة “التسول” البربرية. وفي نفس اطار أصول القبيلة ومن خلال ما أنجزه مستكشفون وسسيولوجيون أجانب من تقارير عن مغرب نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ورد أن تركيبة قبيلة “التسول” هي بازدواجية جامعة بين ما هو عربي وبربري، بل من هؤلاء من أشار الى أنها بانتماء لمنطقة جبالة باعتبارها معطى ومجالا مشتركا بين قبائل شمال المغرب. وعن بطون القبيلة ما لا يزال قائما لحد الآن نجد هناك ثلاثة فرق، أولا: فرقة بني فودغيل التي تظم ولاد زباير، بني مجدول ثم بني اعمر، ثانيا: فرقة بني ورطاج وتظم قراوة، بني فراسن، النكًوشت، الخندق، ثالثا: هناك فرقة بني لنت وتظم بني عبد الله، باب الحرشة، ولاد عبد الله موسى، ثم بني مقورة.
وعن قبيلة “التسول” في تاريخ المنطقة وزمن المغرب منذ العصر الوسيط، يسجل أن استقرارها ارتبط بتلال مقدمة جبال الريف موطنها الحالي ولعله استقرار قديم، وأن القبيلة كانت بأدوار تاريخية معبرة الى جانب باقي قبائل ممر تازة في جميع ما طبع المنطقة من أحداث ووقائع وتطورات، ارتبطت بمن حكم البلاد من كيانات سياسية منذ إمارة مكناسة مع زعيمها موسى بن أبي العافية ومنذ ايضا امارة الأدارسة بالمغرب. بل يسجل أن قبيلة “التسول” كانت بحضور هام في فترة توسع دولة المرابطين، عندما شكلت جبهة برد فعل ضد مؤسس هذه الدولة “يوسف ابن تاشفين”، الذي تمكن من السيطرة على تازة خلال أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي. ومن هنا ما كان من تعاون لها مع قبائل المنطقة، خاصة منها قبيلة غياتة دفاعا عن ترابها مجالها الحيوي منذ العصر الوسيط. وفي هذا السياق يستشف من النصوص المصدرية التاريخية المغربية، أن مؤسس الدولة الموحدية “المهدي بن تومرت”، تعرض للمضايقة في رحلة له عبر المنطقة تحديدا منها المكان الشهير حاليا ب”واد أمليل”. ولهذا نبه هذا الأخير رفيق رحلته “عبد المومن بن علي الكًومي”، لضرورة أخذ حذره وحيطته الكافية في هذه الربوع من البلاد، مشيرا له بضرورة العودة اليها مرة أخرى لإحكام السيطرة عليها. ووعيا من هذا الأخير بقوة قبيلة “التسول” وصعوبة مجالها وتحكمها في مسلك استراتيجي رابط بين شرق البلاد وغربها عبر ممر تازة، توجه اليها بجيشه في وقت لاحق خلال أواسط القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي وكان الفصل فصل شتاء، حيث تمكن من الدخول لتازة والسيطرة عليها. وعليه، يظهر أن دولة الموحدين من خلال المهدي بن تومرت وعبد المومن بن علي الكًومي، كانت ترى في موطن قبيلة “التسول” مجالا بقدر كبير من الأهمية، لتحكمه في العبور عبر مسلك بري رئيسي لا بديل عنه بين فاس وما بعد تازة شرقا، وهو المسلك الذي كانت قوافل التجارة والرحلات وغيرها مجبرة على قطعه، ولتأمين أنشطته وحركيته وعبوره كان لابد من التحكم فيه.
يذكر أنه بحكم خاصية المجال الذي استوطنته قبيلة “التسول” منذ العصر الوسيط، وبحكم طبيعة التربة الخصبة وتوفر المياه وغيرها من الشروط البيئية المناسبة، فقد اشتهرت بديناميتها الانتاجية وتوفير حاجياتها وتعاطيها للزراعة وتربية الماشية، فضلا عن ثقافة غرس الأشجار المثمرة من قبيل الزيتون واللوز والتين وغيره، ولعلها تجليات نمط عيش وأنشطة لا تزال عليها لحد الآن. وهو ما جعل القبيلة شهيرة بخبرتها في المجال الفلاحي، وبحيوية أهلها ونشاطهم وقدرتهم على البذل والعمل. وتظهر أهمية الزراعة وتربية الماشية لديهم من خلال ما كان ولا يزال يطبع أسواقهم الأسبوعية، من تنوع ووفرة وجودة انتاج وقدرة على الادخار والخزن خلال الفترات المطيرة. ويسجل أن مجال قبيلة “التسول” المحدود مساحة مقارنة بباقي قبائل المنطقة، يجعلها بكثافة سكانية تعد الأهم بمقدمة جبال الريف، وأنها بارتباط كبير بكل من تازة وفاس على عدة مستويات منذ القدم. وفيما يخص طبيعة السكن بالقبيلة والذي لا تزال معالمه قائمة ممتدة منذ قرون، فهو من النوع القروي إنما بخصوصية محلية في عدد من جوانبه، من قبيل مثلا طبيعة البناء وتوزيع الفضاء وهندسة المكان والوجهة..، فتأثيث سكن القبيلة يقوم على ما هو محلي من مواد بناء ونوعية أشجار وتربة، فضلا عما هو محلي خاص بتهيئة الأسطح باعتماد تربة الصلصال وغير ذلك من السبل المعتمدة في هذا الاطار، علما أن بيوت قبيلة “التسول” تميزت منذ القدم بعدم وجود نوافد لها فضلا عن أبواب قصيرة، وأن هذه البيوت كانت دوما بثلاثة أقسام أو أدوار، قسم منها عبارة عن اسطبل وما يعرف محليا ايضا ب”الزريبة”، قسم ثان بنوع الارتفاع عن الأول وهو خاص باستقبال الضيوف، أما الثالث منها فهو الخاص بإقامة الأسرة. وفي سكن القبيلة هذا يمكن التمييز بين سكن متفرق وآخر متجمع في شكل دواوير، ولعله نمط سكن وعيش قديم يعود لفترة العصر الوسط بدليل ما أورده عنه “الحسن الوزان” في مؤلفه “وصف افريقيا”.
وقبيلة “التسول” هي بتقاليد ثقافية واجتماعية وتراث واسع يخص جوانب عدة، منها ما يتعلق مثلا باللباس الذي منه نذكر “الجلباب” وقد كان ولا يزال لباسا حاضرا مفضلا ضمن مظاهر عيش القبيلة، ولعله لباس تتقاسمه باقي قبائل المنطقة نظرا لطبيعتها الجبلية وما يميزها من برودة شديدة في فصل الشتاء. وحول تدبير شأن القبيلة وحل نزاعاتها، يسجل ما كان لشيخها من دور هام عبر ما كان يعقده من لقاءات خاصة كلما دعت الضرورة. وعما هو ثقافي احتفالي فني يسجل ما كان لدى للقبيلة ولا يزال من تراث لا مادي أصيل نذكر منه “رقصة الفرجة” (لفرايجية)، وهذا تعبير احتفالي ذكوري جماعي شبيه بما يعرف لدى قبيلة البرانس في جوارها ب “تشكلل”، وهي رقصة بحركة جسد وجدل قول وعفوية، فضلا عن ايقاع دفوف ومقص وتعريجة. ولعلها رقصة بقدر ما يميزها من لباس خاص ومظهر وفقرات ومقامات وحرص توجيه شيخ ومقدم بقدر ما لا تزال حاضرة، وقد كانت بأعلام تميزت واشتهرت ومن ثمة ما هناك من ذاكرة رمزية محلية. أما النوع الثاني من تقليد القبيلة الاحتفالي التعبيري فهو المرتبط برقصة “التبوريدة” ذات الايقاع التسولي الخاص المعتمد على آلة الغيطة والطبل، ما لا يزال مؤثثا لمناسبات وأعراسه وأفراح القبيلة حتى الآن، ولعل مشهد القبيلة الثقافي هذا، يعكس ما هناك من تأثير وتأثر بإرث وفرجة ونمط عيش القبائل المحيطة بها من قبيل البرانس شمالا وغياتة جنويا.
ولعل من تميزات القبيلة ايضا منذ العصر الوسيط، كونها كانت بعدد من الفقهاء والعلماء والأدباء والقضاة والقراء وغيرهم ممن برزوا وأبانوا عن نبوغ في مجالات عدة، بل تمكنوا من بلوغ مناصب سامية بقدر عال من الموقع والقيمة في دواليب الدولة على امتداد فترة حكم الموحدين والمرينيين والسعديين والعلويين. وكون معظم أضرحة بعض هؤلاء بتازة المدينة، يعكس هذا التميز والحضور في مجال الفقه والقراءات والأدب والتاريخ والتصوف..، بل من اضرحة علماء وفقهاء القبيلة ما نجده بعدد من مدن المغرب العتيقة، وبخاصة منها فاس بحكم الجوار وما كان لهم من ارتباط بجامع القرويين. بل من أضرحة كبار فقهاء وعلماء ومتصوفة القبيلة، ما نجده بكل من الجزائر وتونس وليبيا وبعض البلاد العربية بالمشرق. وفي علاقة بتميز ابناء القبيلة من الفقهاء والعلماء، يسجل أنه برز واشتهر بفاس بيت قديم عُرف ب”أولاد التسولي”، وقد ورد عنه أن أهله جاؤوا من تازة (قبيلة التسول) وكانوا أئمة وعلماء بهيبة خاصة ومساهمات، وهو ما تذكره عدد من الدراسات فضلا عن مصادر تاريخ المغرب منذ العصر الوسيط. ويكفي للدلالة على مكانة علماء قبيلة “التسول” ونبوغهم، رغبة الأمير عبد القادر الجزائري في استشارتهم للأخذ برأيهم ونظرهم في أمور القانون والشريعة والمال والزجر وغيره. بحيث وجه هذا الأخير رسالة لعلماء المغرب أواخر ثلاثينات القرن التاسع عشر الميلادي، طلبا للإفتاء في مشاكل اعترضته، وكان الذي تكلف بالاجابة عنها وإعداد الفتوى بأمر السلطان عبد الرحمن بن هشام كما سبقت الاشارة لذلك، هو أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي الذي اشتهر ب”مديدش”.
بعض فقط مما طبع قبيلة “التسول”من أهل العلم والفقه والنظر والرأي والنبوغ وهم بالعشرات نذكر منهم الشيخ علي بن بري التسولي المقوري دفين تازة عن القرن السابع والثامن الهجري، ولعله شهير بإمام القراء المغاربة فضلا عن شغله منصب كاتب ديوان السلطان المريني أبي الحسن وقبل ذلك أستاذا له، وقد أنجزت حول مساره العلمي واجتهاداته ومؤلفاته ونبوغه وتفرده القرائي بالقرويين خلال اقامته بفاس عدة دراسات. ومن علماء وفقهاء ومتصوفة القبيلة هناك ايضا ابن يجبش التسولي التازي أحد متصوفة مغرب أواخر العصر الوسيط، وقد اشتهر بدعوته للجهاد على إثر الغزو الايبيري لبعض مدن وشواطئ البلاد زمن حكم دولة بني وطاس. كما نذكر ايضا “يوسف ابن عيسى بن عمران التسولي”، ثم الشيخ “ابراهيم التسولي اللنتي” نسبة لفرقة بني لنت وهو دفين مدينة وهران. وحديثنا عن تميز القبيلة العلمي وتموقع رجالاتها من المهم الاشارة لــ”أبو القاسم التسولي” الذي عينه السلطان مولاي عبد الله بن مولاي اسماعيل، مربيا ملازما لنجله السلطان محمد بن عبد الله، وقد رافقه وهو لا يزال صغير السن الى الحج رفقة جدته خناتة بنت بكار خلال ستينات القرن الثامن عشر الميلادي/ القرن الثاني عشر الهجري. كل هذا وذاك من علماء وفقهاء هذه القبيلة المستوطنة لجوار تازة، يظهر من خلاله ما بلغه هؤلاء من سمو موقع ومراتب، وما أسهموا به من أدوار رفيعة المستوى في دواليب الدولة منذ مغرب العصر الوسيط والى غاية الآن.