بلقاسم أمنزو
لو كانت في المغرب محاكم مكلفة بالجرائم البيداغوجية في حق التلاميذ وأطر التدريس، على منوال المحاكم المختصة في جرائم الأموال، لكانت بعض المدارس الخاصة في تاهلة بإقليم تازة في صدارة المدانين بأقسى العقوبات على الصعيد الوطني، وربما في العالم الثالث بأسره؛ لنلاحظ كيف يتم انتهاك حقوق الشغيلة وارتكاب مجازر بيداغوجية في حق تلاميذ المنطقة. في ملف الجرائم المرتكبة في حق الشغيلة، نجد أبشع استغلال، خاصة فيما يتعلق بعدد ساعات العمل وظروفها، إضافة إلى عدم احترام الحد الأدنى للأجور الذي يؤدى للعامل البسيط حسب القوانين الجاري بها العمل. هكذا نجد أجرة أغلب المدرسين والمدرسات لا تتعدى ألفي درهم (2000 د) في أحسن الأحوال وأقل من ألف د (1000) للعمال، تصرف نقدا بعد التوقيع في سجل يشبه كناش عمال أوراش الإنعاش أيام الاستعمار، مع صفر (0) درهم في شهري يوليوز وغشت. أما فيما يتعلق بالتصريح في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لا يتم إلا بعد سنة أو سنتين من الخدمة، تؤكد مصادر مطلعة أن عدد الأيام المصرح بها لا يرقى إلى ما تصرح به مقاهي المنطقة لعمالها، مع العلم أن بيانات تصريح بعض هذه الشركات “المستثمرة” في التعليم توضح أن مجموع عدد العمال، والسائقين، والمنظفات يفوق بكثير مجموع عدد أطر التدريس، حتى أن إحدى المدرسات انهارت عندما علمت أنها مسجلة في الوثائق الإدارية للمؤسسة على أساس أنها تشتغل عاملة نظافة. هذه الوضعية المأساوية للشغيلة يعمّقها وضع التلاميذ في أقسام مجهزة بالكاميرات لتمكين الإدارة من تتبع حركاتهم وتحركاتهم التي يتم توثيقها دون علمهم، وهو ما يشكل مسا خطيرا بحقوقهم وبالنهج التربوي، إذ تعدّ هذه (الكاميرات) انتهاكاً لخصوصية التلميذ في تعلماته، ونوعاً من السيطرة الفكرية عليه؛ كما يوضح هذا الأمر عجز المؤسسة عن ضبط سلوكيات التلاميذ، وتهميش دور المربي في التوجيه والإرشاد، فضلاً عن أنه لا يوجد أي سند قانوني في البلاد لتركيب تلك الكاميرات داخل أقسام التدريس. أما إذا تسرب- في ظروف ما وفي سياق ما- فيديو يوثق تحركات أحد التلاميذ أثناء الدرس، فلا أحد يمكن أن يتنبأ بعواقب ذلك على التلميذ المعني بالأمر.
عندما نعلم بهذه الفوضى في الشأن البيداغوجي، لا نستغرب كيف يتم في بعض هذه الشركات حذف مواد في القسم الإشهادي للباكالوريا، دون إجراء فروض المراقبة المستمرة، إضافة إلى عملية “النفخ” التي تتم حسب معايير أخرى، لكن رغم كل هذا الدوباج (dopage) لا ترقى النتائج النهائية للباكالوريا المسجلة في بعض هذه الشركات إلى مستوى المتوسط في التعليم العمومي بالمنطقة. غزوات بعض هذه الشركات وجشعها تخطت كل الخطوط عندما قامت باستدراج بعض التلاميذ المتفوقين في التعليم العمومي، وتسجيلهم بالمجان، لتقديمهم كنماذج متفوقة؛ لتلميع صورة المؤسسة، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر وتهاوى مستوى “المغرر بهم”، حيث يستعد أغلبهم للعودة إلى القطاع العمومي في الموسم المقبل، قبل منعرج الباكالوريا. سياسة الاستقطاب هذه استهدفت أيضا بعض الأساتذة المتميزين في القطاع العمومي من أجل تسويق أسمائهم؛ لجلب عدد أكبر من التلاميذ في الموسم الموالي، لكن جل المحاولات باءت بالفشل، بعدما رفضوا الاجتماع بهيئة تضم أجراء مياومين بقبعة أساتذة، مما دفع أحد أباطرة بعض هذه الشركات إلى طلب أحد هؤلاء الأساتذة المتميزين أن يركن فقط سيارته مرة واحدة في الأسبوع أمام المؤسسة، لاستعمال تلك الصورة للترويج بها على أساس أن الأستاذ يعطي دروسا هناك. الغريب في الأمر أن كل هذه المجازر تقع في البلدة، دون أن يتساءل أولياء الأمور عن الضبابية التي تغطي سماء بعض هذه الشركات علما أنها كانت مؤخرا مسرحا للعبة “غميض البيض”، حين اضطرت الإدارة إلى دفع عمال -غير مصرح بهم- يشتغلون كمدرسين إلى الاختباء بالمراحيض وخارج الأسوار عندما حلت لجن المراقبة بعين المكان أيام الإضرابات في القطاع العمومي، مع العلم أن هدف هذه اللجن كان هو ضبط أساتذة التعليم العمومي المضربين، والتحقق من فرضية اشتغالهم في القطاع الخاص أنداك. أما إذا حلت بعين المكان لجن تفتيش تابعة لمصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ووزارة التشغيل ومفتشي الوزارة الوصية، فقد لا تصدق هذه اللجن ما ستكتشفه من مخالفات خطيرة، وانتهاكات أكثر خطورة في حق الكبار والصغار وبيئة التعليم والتعلم في المنطقة.
عن جريدة ..أنفاس.. ب
حول بعض مخالفات وانتهاكات بيئة التعليم الخصوصي بتاهلة / تازة