تازة بريس
عزيز ريباكً – الرباط
عندما انخرط الأخوان حتى لا أقول الزميلان (ابقاءً على نفس المسافة من الطرفين) رضوان الرمضاني وحميد المهداوي في سجالهما بخصوص بطاقة الصحافة، لم يكونا ربما يعلمان أنهما بصدد فتح نقاش عمومي بخصوص هذه المسألة. فبغض النظر عن التشنج الذي يطبع العلاقة بين الطرفين وتباعد المواقف ازاء بعض القضايا الأخرى، يرى المهداوي أن الحصول على بطاقة الصحافة مسالة ضرورية لممارسة المهنة، فيما يقول الرمضاني بانعدام الحاجة لهذه الوثيقة لمعانقة مهنة يقال عنها أنها مهنة المتاعب (!). على هذا المستوى وفي ضوء حياة مهنية مدتها 35 سنة فيما يعرف بصحافة السمعي- البصري (الإذاعة والتفزيون)، تكونت لدي قناعة بأن “البطاقة المهنية للصحافة” ما هي إلا وثيقة تثبت الانتماء للمهنة، مما يساعد على تسهيل المامورية في بعض المواقف. أما وأن نعتبرها مؤشرا أو شاهدا على مستوى معين، فهذا مجانب للصواب. فكم من “صحفي” يحمل البطاقة وهو لا يقوى على استيعاب حتى مفهوم “الهرم المقلوب” مثلا باعتباره أحد ابجديات العمل الصحفي.
قد يطول بنا الحديث في هذا الاتجاه لنجد أنفسنا ومن جديد أمام إشكالية التكوين والسؤال التقليدي: هل” الصحفي” هو ذلك الكائن الذي تلقى تكوينه بمعهد أو بمدرسة متخصصة في المجال، دون سواها من المؤسسات الجامعية الأخرى (الحقوق أو الآداب مثلا). كثير هم رافضو هذا الطرح بدعوى أن التكوين لا يضمن بالضرورة (تفريخ) صحفي ناجح، فيما يدعم آخرون هذا المسار على اعتبار أنه جسر عبور آمن وسهل نحو عالم الصحافة المهنية. والواقع أن الصحافة هي عالم تتلاقح فيه كل مناحي العلم والمعرفة، وبالتالي فشخصية الصحفي رهينة بمدى احاطته بهذه العوالم. وهذه امكانيات متاحة أمام كل مجتهد طموح. إنما وهنا تكمن المفارقة أو الفارق على الأصح، فالتكوين يسمح ببلورة ارادة وطموح معين لدى طالب ابتلي بشغف الصحافة، ويمكنه من استيعاب أدوات العمل نظريا أولا بتلقينه دروسا تتنوع بتنوع المتطلبات المهنية من أدب وعلوم انسانية وقانون واقتصاد ولغات… الى جانب مواد تحيل على التخصص كتقنيات البحث والتحري والكتابة الصحفية والأجناس الصحفية والاشهار والتسويق والعلاقات العامة… وتطبيقيا ثانيا باعتماد نظام الدروس والتداريب للاحتكاك بتجارب المحترفين داخل المغرب وخارجه، (هذا ما كان معمولا به على الأقل في برامج المعهد العالي للصحافة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي). اما هيئة التدريس في ذلك الوقت فكانت مشكلة من جامعيين كبار من ذوي التخصص، من قبيل “العلمي المشيشي” (وزير العدل سابقا) و”عبد العزيز بنجلون” و”التهامي الخياري” (رحمه الله) و”عبدالله عديل” و”م اسماعيل العلوي” و”المغاري” و”حسن الصبار” (وزير السياحة سابقا) و”الصبيحي” و”بن الطاهر” (سوسيولوجيا الاعلام) و”السيدة حسون” (تحليل المحتوى). ومن كلية الآداب نذكر على الخصوص الأساتذة “البقالي” (أدب عربي) والمرحوم “التهامي الراجي”أحد أبرز علماء المغرب في علم القراءات القرآنية (اللسانيات)، دون أن ننسى المرحوم “نور الدين الصايل” ومجال السينما. أما مواد التخصص فكان يتولاها محترفون كبار من المانيا وفرنسا واسبانيا، ممن كانوا يشتغلون مراسلين بالمغرب الى جانب محترفين مغاربة من قبيل “محمد التازي” و”الركاب” (رحمهما الله) و”ابوهو” و”لسلامي” وآخرين.
وعلى ذكر المانيا فقد كانت مؤسسة فريدريش ناومان (friedrich naumann)، أول المبادرين بتنسيق مع السلطات الحكومية المغربية، لخلق نواة جامعية للتكوين الصحفي ببلادنا عام 1969 بإحداث مؤسسة تحمل اسم “مركز تكوين الصحفيين “(cfj)، قبل أن تتحول الى “المعهد العالي للصحافة” في عهد المرحوم وزير الاعلام آنذاك “عبد الهادي بوطالب” بنظام دراسي من أربع سنوات. وقد شهد هذا النظام تطورا مهما منذ تسعينيات القرن الماضي بإحداث سلك الماستر ثم سلك الدكتوراه مؤخرا، ضمن هيئة باتت تسمى المعهد العالي للاعلام والاتصال. سيضيق المجال حتما لسرد ابرز الخريجين من هذه المؤسسة والذين تحملوا ويتحملون مسؤوليات كبار في الدولة وفي اجهزتها الإعلامية، من قبيل “لطيفة اخرباش” رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، والتي سبق لها ان اضطلعت بمسؤوليات إدارية ودبلوماسية بوزارة الخارجية فضلا عن مهام مديرة الاذاعة الوطنية، و”أحمد اخشيشن” الوزير السابق والقيادي في حزب البام والخبير في شؤون الاعلام والاتصال “جمال الدين الناجي”، والاكاديمي والباحث “الطيب بوتبقالت” المدير سابقا بالمدرسة العليا للترجمة بطنجة، و”مجو بوكرين” الذي كان يتولى ترجمة الخطب الملكية في وكالة المغرب العربي للأنباء، والمرحومان “محمد المودن” و”امحمد عزاوي” و”علي بوزردة” وعبد القادر البودخيلي” أحد الاسماء الوازنة في المشهد السمعي- البصري في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الالفية الثانية.
وكان لاسهامات خريجي المعهد الأثر البالغ في أداء وكالة المغرب العربي للأنباء. نذكر منهم على الخصوص “محمد أنيس” الذي يتولى حاليا رئاسة الفدرالية الاطلسية لوكالات الانباء الافريقية، و”حسن العلوي” و”احمد الميداوي” و”محمد خياط”، والكاتب الصحفي “الطيب الدكار” و”محمد بنشريف” الذي اعطى اشعاعا كبيرا للوكالة على مستوى الخبر الرياضي. ومن الملاحظات الأساسية فيما يخص الاذاعة والتلفزيون، فمعظم الخريجين كانوا يلتحقون في بداية المشوار باقسام التحرير وهي الهيئة المكلفة بنشرات الاخبار، باعتبارها النواة الصلبة في اي جهاز اعلامي وذلك انسجاما مع مؤهلاتهم ومراعاتهم الدقيقة لقواعد العمل الصحفي. وكانت تلك نقطة انطلاق في مسار ناجح لعدد من الخريجين، من قبيل “عبد اللطيف لمبرع” و”علي خلا” اللذين يتوليان المسؤولية حاليا في الاذاعة الوطنية. ولربما يكون الصحفي المجتهد “محمد الغيداني”، اشهر خريج نجح في ايجاد مكان له في عالم الانتاج الاذاعي.
كان هذا نبشا في ذاكرة مؤسسة انطلقت تحت اسم “مركز تكوين الصحفيين”، لتتحول فيما بعد لـ”المعهد العالي للصحافة” ثم “المعهد العالي للاعلام والاتصال”، والتي يتولى الاشراف عليها حاليا أحد خريجي السلك العادي بالمعهد والحاصل على شهادة الدكتوراه بفرنسا عبد اللطيف بنصفية. تحياتي على كل حال لكل من حميد المهداوي ورضوان الرمضاني، اللذين لولاهما لما قمت بفتح هذه النافذة ومد حبل التواصل مع بعض الزملاء تدقيقا للمعلومة واثارة للذكريات الجميلة، مع متمنياتي لهما بتغليب جانب فضائل الزمالة كيفما كان الحال. “سعيد الرمضاني”، “بوبكر شيبوب”، “عز الدين ناني”، “محمد بنشريف”، “عبد اللطيف بنعمر”. شكرا لكم على رحابة الصدر. من ضاية الرومي الى زنقة الاشعري الى زنقة سبو الى مدينة العرفان.. ويستمر المشوار.