عندما أعْجِب الملك الحسن الثاني بمنتجع باب بودير وموارد تازة السياحية ..
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
رائع ما تحتويه الصورة أعلاه، ولعله جانب من سحر موقع وجبل وطبيعة متفردة بمغرب الأطلس الشمالي الشرقي، وبجنوب اقليم تازة تحديدا، حيث ما يُعرف ب ”منتجع باب بودير” ومنتزه تازكة الوطني الشهير. وإذا كانت تجليات تراث تازة الطبيعي واسعة الأوجه إن بجنوب الاقليم أو شماله، لِما هناك من ملمح مورفولوجي وبناءٍ جيولوجي ومكامن تراب، فإن أهم مشهد تراثي طبيعي بالمنطقة يبقى هو منتزه تازكا الوطني بأثاثه الايكولوجي البيولوجي الفسيفسائي، ومن خلاله منتجع “باب بودير” الجبلي أو ما يعرف بمصطاف باب بودير، لِما ارتبط بهذا المتحف الحي من ديناميةِ أنشطةِ ترفيهٍ وفعلِ بحثٍ وتفاعلِ باحثين مستكشفين منذ ثلاثينات القرن الماضي زمن الحماية الفرنسية.
منتجع جبلي بوقع وجذب رافعٍ لسياحة قروية لِما هو عليه من موقع جامع لأشكال منظر وامتداد، وكذا ما هو كائن به من تنوع فصائل نبات، فضلاً عن وعاء ثروة وحيش ضامن لتوازن نظام ومنظومةِ بيئةٍ محلية، تجعل المنطقة وموقع باب بودير واحداً من أروع وجهات النزهة ليس فقط على صعيد تازة بل بالمغرب ككل. ولعل المجال الطبيعي لمنتج باب بودير هذا ومن خلاله منتزه تازكا الوطني، هو مساحة تراث طبيعي انساني لِما هو عليه من جوانب سسيوثقافية ذات صلة بوسط قروي جبلي ودواوير مجاورة بأنماط عيش، مع خاصية ساكنة بأعراف وتقاليد وذاكرة تعني وجوداً وقدماً وامتداداً وتفاعلاً. ربيع سياحي دائم- يحق القول- هو منتجع باب بودير بقلب منتزه تازكة، نسبة لأعلى قمة جبل مطل على تازة وممرها ومعها وادي ايناون، منتزه وطني بتفرد معالم ايكولوجية تم إحداثه بموجب قرار وزاري في يوليوز من سنة ألف وتسعمائة وخمسين، علماً ان التفكير فيه كمشروع ورهان بدأ منذ ثلاثينات القرن الماضي، على مساحة أولية بلغت حوالي ستمائة وستين هكتار. بقصد حماية تكوين ومكونات واشكال حياة بيئية وموارد طبيعة كائنة بالمنطقة، خاصة من هذا الأثاث شجرة الأرز الأسطورة ذات الامتداد المعبر ضمن مجال معزول، بعيداً عن غابات الأرز المغربية الأخرى سواء بجبال الأطلس المتوسط أو بجبال الريف المقابلة شمالاً.
ولعل منتزه تازكا الوطني هذا الذي يتفرد بتركيبة بايكولوجيته جهوياً وطنياً ومغاربيا، يضم مرتفعات يصل علوها إلى ألفي متر منها جبل تازكا الذي يشرف على كل الجوار حيث ممر تازة الذي يصل شرق البلاد بغربها. وبقدر ما هو عليه هذا المنتزه من عناصر بيئة متكاملة، بقدر ما يشكل نموذجاً وطنيا من حيث أهميته النباتية وأبعاده البيئية التي تتجلى في حماية وحفظ على ما تبقى من شجرة الأرز الأسطورة، الى إلى جانب اهميته ورهاناته السياحية لِما يطبعه من تنوع وتركيب شجري غابوي ومناظر جاذبة رفيعة الأثر. فضلا عن كونه بمثابة مختبر قائم الذات في الطبيعة، لأهميته العلمية الداعمة لأبحاث ودراسات إيكولوجية وجينية خاصة بكائنات حية. وكان منتزه تازكة الوطني كوعاء طبيعي جبلي يرتب ضمن أهم المنتزهات الوطنية، قد شهد توسعاً في مساحته منذ إحداثه قبل حوالي السبعة عقود ليشمل مزيداً من المكونات الطبيعية ذات الأهمية الايكولوجية والترفيهية والتربوية البالغة الأهمية. (تنوع نباتي، غابات بلوط، فليني، بلوط أخضر، سنديان..)، وكذا مواقع سياحية بيئية جبلية فسيفسائية تجمع بين مغارات وشلالات ومناظر ومشاهد قروية وغيرها. حيث انتقلت مساحة المنتزه إلى حوالي أربعة عشرة ألف هكتار تقريبا، تشكل فيها غابة الأرز نواة جاذبة بمسالك عدة مفتوحة للنزهة على ارتفاعات هامة ومتباينة. وعليه، إذا لم يكن للزائر ما هو كافٍ من الوقت من أجل جولة عبر مسالك هذا المنتزه المحيط بمنتجع باب بودير، هناك امكانية متعة سياحية واستفادة من مناظر رائعة من خلال التنقل بواسطة سيارة عبر مدار جبلي، ينقله إلى أحسن مواقع منتزه تازكة هذا على ايقاع طبيعة عذراء قائمة جنوب اقليم تازة على مستوى الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي بشمال المغرب.
مواقع منتزه تلتقي بها مقدمة جبال الريف بالأطلس من خلال سفوح تكسوها أشجار بلوط وفلين غنية بالأخشاب، حيث الجبل وتنوع أشكال ارتفاع فضلا عن أودية وتدفق مياه، وحيث مغارات ومسالك باطن أرض في مجال كارستي وكذا بحيرات وتجمعات قروية بثقافة جبلية أصيلة على امتداد مسالك يتوزع عليها هذا المنتزه. وعلى زائر منتجع باب بودير وفضاء منتزه تازكا هذا أن لا ينسى زيارة مغارة شهيرة على مقربة من تازة المدينة بحوالي عشرين كلم، مغارة فريواطو الأجمل والأعمق على الصعيد الافريقي بمدخل واسع عرضه ثلاثين متراً. وبعد اطلالة على هذه التحفة التي تعد أغلى مادة سياحية طبيعية تراثية بالمنطقة، يمكنه مواصلة رحلته عبر طريق منتجع باب بودير ليصادف مركز إرشاد غابوي، يقدم للعابرين من الباحثين وعشاق الطبيعة، جملة معروضات حول التراث الطبيعي الذي يميز المجال ككل. وبعيداً عن مركز التوجيه التراثي الطبيعي هذا وبالذات عند مدخل ومخرج مسلك البوهدلي، يلتقي الزائر بمحمية لحيوان الوعل وأنواع أخرى من وحيش بيئة محلية.
وعلى بعد حوالي ثمانية كيلومترات من منتجع باب بودير السياحي، يوجد طريق مؤدي نحو قمة جبل تازكة، حيث يصادف الزوار متحفاً بيئياً للمنتزه، المحمية التي توفر للزائرين إمكانية استراحة في الهواء الطلق على ايقاع ما هناك من مناظر رائعة وطبيعة بكر بكثير من الهدوء، ما قد يكونوا افتقدوه في زمن سرعة وتقنية ومن ثمة ضغوط نفسية وقلق. وإلى جانب كون هذه المناظر عبارة عن مسالك في الطبيعة، فهي محاور متعددة ومتبابنة في عرضها البيئي مخصصة لزوار يفضلون جولات على الأقدام ، مسالك بأسماء لأشجار وجبال أو طيور وأحجار وغيرها. فبعد استراحات في الهواء الطلق يمكن اطلاق جولة مفتوحة أو نزهة جبلية أولى، بالتنقل عبر مسلك يعرف بمسلك الفلين وهو سهل يسمح بمشاهدة حيوان الوعل الذي أعيد توطينه داخل منتزه تازكة سنة ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين. عبر هذا المسلك يجد كل زائر متجول نفسه محاطا بأشجار ضخمة للفلين تطبع وتميز هذا الجزء من منتزه تازكة الوطني الشهير بتازة، وفي الطريق يلاحظ الزائر أيضا أن بعض الأشجار تم تجريدها من قشرة الفلين في إطار استغلال أمثل للغابات كأنشطة تعود الى فترة الحماية.
جدير بالإشارة إلى أن فلين هذه الغابة “غابة باب أزهار” يرتب ضمن النوع الجيد وطنياً، وهو ما يستغل في عدة صناعات بعد عملية تحويله. أما مسلك بوسلامة فيمكن عبوره انطلاقا من أحد أطرافه، وكلما توغل فيه الزائر بقصد بلوغ قمم الجبال (حوالي ألف وستمائة متر) إلا ويجد نفسه وسط غطاء نباتي كثيف يتشكل من بلوط أخضر وأنواع أخرى من التشكيلات الغابوية. ويمكن للمتجول أيضاً أن يشاهد عدة أصناف حيوانية كالطيور، خصوصا حجل أروبا وفراشات وأصناف أخرى من الوحيش والنبات. وفي قمة جبلية واقعة على هذا المسلك، نجد برجاً للمراقبة مطلاً ومشرفاً على تازة المدينة وتلال مقدمة الريف المقابلة وكل أعالي حوض ايناون. أما مسلك “العقاب” بمنتزه تازكة الوطني فهو يبدأ من مدخل هذا الأخير الواقع بمنتجع سيدي مجبر المصنف تراثا طبيعياً،. بحيث عندما يصل الزائر إلى قمة الجبل الذي يؤدي إليه هذا المسلك يمكنه مشاهدة قمم جبال محيطة بالمنتزه، المنطقة التي تتردد عليها عدة طيور لاحمة منها طائر” Le Faucon Crecerelle “الذي يُصادَف في غابات المنطقة واجرافها. وينتهي مسلك “العقاب”عند تقاطع طرق مغراوة- باب بودير- الذي يسمح ببلوغ تازة، وبمدخل مسلك آخر قريب يعرف بمسلك “الصخرات” الذي يؤدي إلى قرية سيدي مجبر.
ومن جملة مسالك منتزه تازكا الوطني نجد مسلك “السنديان” الذي يميزه صنف غابوي نادر هو شجر السنديان الذي يستمد تسميته منه، وهو الذي يتميز بأشجار ضخمة نفضية أكثر انسجاماً مع محيطها الطبيعي. مسلك ينطلق ومعه مسلك الأرز من نقطة واحدة تنقل الزائر إلى قرية أو دوار بني أسنان الواقع عند قدم جبل تازكة. ويعتبر مسلك السنديان أحد مسالك منتزه تازكة الطويلة التي تسمح للزائر بملاحظة ومعاينة حيوانات متفردة من وحيش منطقة تازة، مسلك يمتد بجانب شلال موسمي وينتهي عند موقع “بني أسنان” الذي ينطلق منه طريق يصل إلى منتجع باب بودير السياحي. وعند آخر زاوية لهذا المنتجع تحديداً بالقرب من مسبحه يقع مدخل مسلك آخر يعرف بمسلك البوهدلي وهو أحد مسالك منتزه تازكة الوطني التي هي في متناول الزائر، وعبر هذا الطريق يشاهد الزائر أنواع من الزهور الطبيعية وأصناف من حيوانات وفراشات وطيور شهيرة بهذا الجزء من المنتزه. طريق يؤدي نحو قمة يصل ارتفاعها إلى حوالي ألفي متر تشرف على مجموع جبال الريف من جهة الشمال، وتمكن من نظرة عامة على جبال الأطلس من جهة الجنوب مع نظرة بانورامية على ضاية شيكر الشهيرة بالمنطقة، حيث متحف مركب مغاراتي يشمل مغارتين هما الأهم والأجمل في المغرب “فراواطو” و”شيكر”.
مسلك آخر من أثاث منتزه تازكا الوطني، ذلك الذي يعرف بالصخرات وينطلق على بعد مائة وخمسين متراً تقريبا من ملتقى طرق مغراوة- باب بودير، يصادف عبره الزائر فجوات وسط الغابة ناتجة عن نشاط الخنزير البري وهو الذي يتسع عند واد جاف يسمح بنظرة على واد سيدي مجبر حيث القرية المصنفة عالميا كتراث إنساني. وأثناء التوجه نحو هذا الواد يصادف الزائر وجود أجراف واسعة وأقبية، يلجأ إليها وبإعداد كبيرة طائر الوطواط والبوم التي تظهر غالباً خلال الربيع. أما المسلك الشهير ب”الأرزية” فهو بشهرة أكثر في المنطقة، يتجه نحو أعالي مرتفعات منتزه تازكة الوطني تطبعه روعة مناظر و طبيعية منفتحة على أودية وقرى ودواوير. وفي وسط غابة الأرز الواقعة على قمة جبل تازكا، نجد أصناف حيوانية عدة تجمع بين خنزير بري وقنافذ وغيرها، لتبقى أشجار الأرز هنا وهناك بهذا المجال أكثر استهواء للزائر لكونها تغطي جبل تازكة من منحدراته حتى قمته.
ويبقى الأهم أيضا في وسط بيئي محيط بمنتجع باب بودير جنوب تازة، أن عبر هذا المسلك يمكن للزائر أن يقف على أشجار أرز قديمة بعمر المائتي سنة، بجدوع ضخمة يقدر محيطها بأربعة عشرة متراً، ولعلها أجمل مواقع طبيعة منتزه تازكا الوطني. وعبر هذا المسلك يمكن زيارة متحف بيئي خاص بالمنتزه كمنشأة حديثة، يجد فيها الزائر معروضات بيئية عدة تخص مؤهلات منتزه تازكا الطبيعية والايكولوجية، ومن خلاله منتجع باب بودير الجبلي الذي زاره الراحل الملك الحسن الثاني وهو ولياً للعهد قبل ستة عقود، حيث اطلع على مؤهلاته وعلى ما هو عليه من موارد سياحية رافعة للتنمية المحلية. وعليه، لمَّا حل رحمه الله في زيارة رسمية لتازة ربيع سنة ألف وتسعمائة وسبعين، أشار في خطاب بالمناسبة الى أنه عند التأمل في موقع تازة وطبيعة مناخها ومواردها ودينامية ممرها، يتبين ما هناك من مؤهلات من شأنها جعل الاقليم بوضع نموذجي، يهم جوانب ثراءٍ وثروةٍ منها ما هو سياحي. مضيفا رحمه الله :“إنني أعرف تازة لقد زرتها وأنا صغير جداً وتجولت بها ووجدت فيها مناظر واطلعت على أودية تحت الأرض، وأن المسألة مسألة تنقيب والتنقيب لا يعطي نتائجه في المرة الأولى ولا في المرة الثانية، لكن التنقيب مثل العلم إذا اعطيته كلك أعطاك بعضاً وإذا اعطيته بعضك لن يعطيك شيئاً”.
هكذا أعْجِب الملك الحسن الثاني بمنتجع باب بودير الجبلي، بعد اطلاعه على موارد الاقليم السياحية قبل حوالي ستة عقود من الزمن. وهكذا قرر جلالته بناء نزل بمائتي سرير وقد اختير له اسم“فندق فريواطو” تفاعلا مع أعظم مغارة بالمنطقة والمغرب وافريقيا، معتبراً طاقة هذه المنشأة الفندقية رافعة للرهان السياحي المحلي، ولبنة لمنشآت أخرى تثمينا وتحفيزا لتازة السياحية بناء على ما تتوفر عليه من مؤهلات واعدة في هذا المجال.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث