عن الصحافة المحلية بتازة من المصداقية والجدية إلى الارتزاق والعبث ..
تازة بريس
عبد الإله بسكمار
يمكن وبكل تجرد اعتبار الفترة بين 1998 و2006، مرحلة متألقة فعلا في العمل الصحفي والإعلامي ليس على مستوى إقليم تازة فحسب ولكن على الصعيد الوطني أيضا، وبما أتاحته أجواء الحرية النسبية في بداية ” العهد الجديد ” وما صاحبها من انفتاح المؤسسات بل والسلطات أيضا على الإعلاميين والإعلاميات، سواء كانوا مراسلين معتمدين من طرف الجرائد الوطنية أو اشتغلوا في هيئات التحرير أو نشطوا بعد فترة قصيرة من بداية الألفية الثالثة، في إطار الجرائد والمنابر الجهوية والمحلية .
سرعان ما انتهت “سبعة أيام دلباكور” كما يقول المغاربة، وعاد وضع التضييق والإجهاز على المنابر الجادة عبر عدة مراسيم وقوانين مقيدة لحرية التعبير، أو عن طريق استصدارقرارات منفردة أو حتى جرجرة الصحافيين والمراسلين أمام القضاء، وإيداعهم السجون بمدد وتهم وبملفات عليها ألف علامات استفهام، وبذلك انتهت فترة التألق تلك والتي شهدت تغطيات إعلامية وازنة، سواء لجهة الخبر أو المقال التركيبي أو التحليلي أو مقال الرأي أو الاستطلاع أو الحوار، وتزامن كل ذلك مع ظهور ما يسمى ب “الصحافة المستقلة” التي زاحمت فعليا الصحافة الحزبية وتميزت بمصداقية الخبر والرأي على وجه العموم، لأنها تمتعت بهامش من الحرية أكبروبالطابع المهني المحض، ولقد كانت تجربة العبد الضعيف بجريدة “الأحداث المغربية” الممتدة على نفس الفترة المذكورة، علامة مضيئة في مسار الصحافة محليا وذلك من خلال اشتغالي كمراسل متعاون لنفس الجريدة بتازة، ورافقنا في هذه الرحلة عدد من الإخوة والأصدقاء، الذين اشتغلوا أيضا في منابر أخرى كالمنعطف والصباح ثم المساء وجريدة العلم والاتحاد الاشتراكي والرأي والإيكونوميست والحركة وبيان اليوم، مما نشط البعد الإعلامي بالمنطقة، وتعزز كل ذلك بظهور صحافة محلية كالمؤطر ثم الحدث التازي، وكل هذه المنابر ساهمت في التعريف بإقليم تازة ومواكبة أخباره ومشاكله وقضاياه الملحة .
لقد طرقت الصحافة المحلية من خلال المراسلين المعتمدين وكذا الجرائد الجهوية، خلال الفترة المعنية ونتحدث عن المنابر الورقية أغلب إن لم نقل كل القضايا التي تشغل بال الساكنة المحلية، فضلا عن التغطيات الخبرية هنا وهناك، وعلى رأس تلك القضايا مشكل الخصاص في المياه الصالحة للشرب بمدينة تازة والذي عانت منه الحاضرة منذ النصف الثاني من نهاية الألفية الثانية وحتى بداية الثالثة أي حوالي سنة 2002 ألفين وإثنين، ويعود الفضل للإعلام الجاد أساسا في إيجاد حل ناجع يتمثل في تشييد ثم انطلاق سد باب الوطا، وكذا بعض المشاريع الهامة كالكلية متعددة التخصصات ومشاكل العمران والتعمير وأوضاع الثقافة ومؤسساتها، والتشغيل والحي الصناعي ومعاناة الفئات الفقيرة والمعوزة ومعيقات التنمية المجالية، ثم مؤهلات المنطقة الثقافية والطبيعية وما تطرحه من مشاكل وتحديات، وحللت الصحافة وضعية المدينة العتيقة ومعها المدار الحضري ككل وباقي المراكز الحضرية ونواحي الإقليم، مشاكل القطاع الفلاحي وعلى رأسها الجفاف والفيضانات، نضالات القطاعات العمالية المختلفة، فضح الشطط في استعمال السلطة، الحد من طغيان مافيا العقاروالتجاوزات الانتخابية التي مست الإرادة الشعبية والاعتداء على الملك العمومي ووضعية قطاع الخدمات والمجال التجاري واحتجاجات المعطلين حاملي الشهادات .
كل هذه القضايا وغيرها عرفت تغطيات محترمة من قبل الصحافة المستقلة والجادة، خلال نفس الفترة وبعيدها، لكن جهات معينة رأت أن هذا المد لن يكون في صالحها قطعا، فحاولت الحد منه عبر عدة أساليب ذات طابع مافيوزي أحيانا، فقد دخل الميدان أو فُسح المجال أمام كل من هب ودب لأهداف لا تخفى على كل لبيب، وأصبح نهبا لمن لا شغل له، ولبعض المرتزقة والشناقة، في حين تراجع الغيورون إلى حين، لتفويت الفرصة على كل شطط أو تجاوز، وتزامن ذلك مع زحف التفاهة ومظاهر القبح والتردي على كل الميادين الثقافية والفنية فضلا عن السياسية والاجتماعية، على المستوى الوطني ككل، وأكمل المشهد صدور قانون الملاءمة الذي لا يختلف اثنان حول مضمونه الإيجابي، حيث اعتقدنا أنه صدر بقصد تنقية المجال من المتطاولين والمتطفلين، غير أن الجمل تمخض فولد فأرا، إذ بدل أن تتوسع حرية الصحافة مع وسائط التواصل التكنولوجية، أصبح المجال يضيق شيئا فشيئا، وبدل تنظيفه من الفيروسات الضارة اعتمدت جهات معينة على تلك الفيروسات بالذات والتي بدا واضحا أنها تستظل بحماية أسيادها مقابل خدمات ما ليس اقلها التطبيل والتزمير وشعار”كولوا العام زين” ولله الأمر من قبل ومن بعد.
كان ضروريا أمام الإعلاميين الجادين أن لا يقفوا مكتوفي الأيدي رغم كل المثبطات، ذات الطبيعة القانونية والميدانية معا، ففتحت أمامهم المواقع الإليكترونية لأن الطبيعة في الأخير وفي كل الأحوال تخشى الفراغ، وهكذا عادت الحياة مجددا ولو على مضض إلى الإعلام المحلي المستقل والذي يتمتع بالمصداقية والكفاءة معا، ونقول في الأخير إنه لا حرية حقيقية بدون ضمان حرية الصحافة على أرضية تخليق المجال بالطبع .