أرشيف المغرب الخاص..إصدار.. قراءات وشهادات مؤرخين
تازة بريس
عبد السلام انويكًة
شهدت رحاب مؤسسة أرشيف المغرب مؤخرا، حفل توقيع اصدار جديد بقدر كبير من الأهمية العلمية والقيمة المضافة لخزانة البلاد التاريخية، كان ذلك بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف في 30 نونبر الماضي. وقد أثث الاحتفاء به حضور رفيع المستوى من باحثين ومهتمين واعلامين وجمعويين ومؤرخين مغاربة متميزين، من قبيل محمد الشريف ومحمد بن عبود عن كلية الآداب والعلوم الانسانية بتطوان، والباحث والاعلامي عبد اللطيف شهبون عن طنجة والباحث عبد المجيد القدوري ولطيفة الكندوز عن كلية الآداب بالرباط وغيرهم كثير، فضلا عن اطارات جمعوية منفتحة في أنشطتها وورشها على حقل التاريخ والبحث والأرشيف المحلي من قبيل مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث.
أثاث علمي رمزي معبر، احتفى المغرب على ايقاعه باليوم الوطني للأرشيف، من خلال اصدار رفيع رأى النور مؤخرا ضمن منشورات مؤسسة أرشيف المغرب، ويتعلق الأمر بنص موسوم ب”بين تطوان وفاس: صفحات من تاريخ المغرب المعاصر من خلال أرشيف الديبلوماسي الأديب التهامي أفيلال 1932- 2020″ لمؤلفه الدكتور يونس السباح، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر في طبعة أولى بأزيد من ثلاثمائة صفحة. وقد توزع حفل الرباط هذا على قراءات عميقة توجهت بعنايتها وأوراقها لإبراز معالم ما تضمنه المؤلف من معطيات ورصيد وثائقي، فضلا عما ميزه ايضا من نهج بناء وترتيب وتحقيق وتدقيق ومن جديد وقيمة مضافة لفائدة البحث التاريخي والباحثين. وعلى شهادات باحثين مؤرخين كانوا على اتصال وعلاقة متينة على امتداد عقود من الزمن مع الديبلوماسي الأديب التهامي أفيلال التطواني رحمه الله.
“لم أكن أعرف عن الديبلوماسي الأديب التهامي أفيلال إلاّ نزر قليل، حتى طرقت أرملتُه السيدة خديجة بوهلال مؤسسة أرشيف المغرب لتأتمنها على عدد مهم من الأرشيفات، التي راكمها قيد حياته زوجها الذي لبى نداء ربه في شتنبر 2020. وقد اهتدت السيدة بوهلال إلى المؤسسة المذكورة واقتنعت بكون ما خلّفه زوجها من تراث أرشيفي يتعين وضعه في مؤسسة عمومية رهن إشارة الباحثين والمهتمين. وإذ تندرج “مجموعة أفيلال” التي احتضنتها مؤسسة أرشيف المغرب ضمن الأرشيف الخاص، فإنه بما يتصف به لا محالة مكمل للأرشيف العمومي المؤطّر إداريا بقيود رسمية”.
بهذه الاشارات والعبارات وغيرها استهل الأستاذ جامع بيضا مدير أرشيف المغرب، تقديما متميزا لكتاب “بين تطوان وفاس: صفحات من تاريخ المغرب المعاصر من خلال أرشيف الدبلوماسي الأديب التهامي أفيلال”. مضيفا أن ما جمعه وحققه الأستاذ يونس السباح من وثائق وما قدمه من تعريف مستفيض حول أسرة أفيلال التطوانية كان موفقا في مؤلفه هذا. ويذكر الأستاذ جامع بيضا في تقديمه لكتاب”بين تطوان وفاس: صفحات من تاريخ المغرب المعاصر من خلال أرشيف الديبلوماسي الأديب التهامي أفيلال”، أن معظم الرسائل الواردة فيه وعددها ثمانون ونيف تبدأ أولاها في مارس 1906، عبارة عن محاورات كتابية مستمرة بين القاضي أفيلال ونجله محمد الذي كان قد التحق بفاس لمتابعة دراسته بالقرويين بفاس. وتغطي هذه الرسائل فترة ممتدة بين 1906 و1912، وهو ما يجعلها بأهمّية بالغة لتزامنها مع فترة حرجة من تاريخ المغرب وقد تسارعت فيها الأحداث عقب مؤتمر الجزيرة الخضراء(1906) لتفرز ظرفية ملائمة لفرض هيمنة استعمارية على المغرب (1912). وإذا كانت ظلال هذه التطورات الداخلية منها والخارجية تتخلل أحيانا ثنايا رسائل متبادلة بين الوالد وولده- يضيف الأستاذ بيضا- ، فإن المواضيع الحاضرة فيها بقوة تهم ما هو حياة شخصية للطرفين، تحديدا منها ما يخص انتقال محمد أفيلال من تطوان إلى فاس وقضاءه بها ستة أعوام بغرض الدراسة.
ويذكر الأستاذ جامع بيضا في تقديمه للمؤلف، أن ما يحتويه من مراسلات يسمح للباحث والمهتم والقارئ عموما بالتأمل في زخم من المعلومات القيمة المتعلقة بجوانب سياسية واجتماعية واقتصادية وعلمية وثقافية. بل تكوين فكرة بقدر عال من الأهمية حول ظروف الدراسة بجامع القرويين خلال العقد الأول من القرن العشرين وأحوال الطلبة التطوانيين بفاس، وما طبع فاس عن أحوال المخزن ورجالاته وصرف العملات وأسعار البضائع وانعدام الأمن في الطرقات بسبب الفتن وغيرها، وهو ما من شأنه توفير إضافات نفيسة للباحثين المهتمين بتاريخ المغرب قبيل فرض الحماية عليه.. وقد انتهى الاستاذ جامع بيضا مدير أرشيف المغرب في تقديمه لهذا المؤلف الجديد المتميز، بتنويه خاص لما بذله ذ. يونس السباح من جهد معبر من أجل استخراج نصوص وثائق مخطوطة وشرح بعض مفرداتها المبهمة تسهيلا لاستغلالها من لدن الباحثين.
هكذا بهذا النهج تعمل مؤسسة أرشيف المغرب على توسيع وتعزيز أرصدتها الأرشيفية، بمساحة هامة من الأرشيفات الخاصة منذ عدة سنوات، وعلى ايقاع هذا الرهان تعمل على تحقيق أرشيف قرب بعد ما أغتنت به من ذخائر بقيمة مضافة هامة على امتداد السنوات الأخيرة، من قبيل أرشيف رجل الدولة الأستاذ عبدالرحمن اليوسفي ورصيد ايضا “شمعون ليفي”، “محمد العربي المساري”،”عبد الصمد الكنفاوي”،”عفيف بناني”، “محمد جسوس”،”عبدالله شقـرون”، “مولاي أحمد الوكيلي” وغيرهم الكثير، فضلا عن رصيد واسع لحوالات حبسية عن حواضر مغربية عدة. كلها جهود وغيرها تروم من خلالها مؤسسة أرشيف المغرب استشراف أرشيف البلاد، ووضع ما هي عليه رهن اشارة باحثين ومهتمين وتحقيق أرشيف قرب، فضلا عن إغناء مصادر البحث العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية وتيسير سبله.