أي التفات لذاكرة وملاحم وتاريخ المغرب الوطني في السينما المغربية

تازة بريس
عبد السلام انويكًة
في ثاني أكتوبر من كل سنة يتم الاحتفال ضمن تقليد نبيل بذكرى انطلاق عمليات جيش التحرير بالمغرب وبشمال تازة، حيث مثلث الموت الشهير. مناسبة بقدر ما هي عليه من رمزية تكريم لأرواح شهداء ملحمة الاستقلال، بقدر ما تحتويه من من مملاحم وطن وذاكرة. ولعل اقليم تازة في علاقته بسنوات الكفاح المسلح من أجل الاستقلال، هو أرشيف حي ومساحة أحداث كبرى تجمع بين تفرد أثر رمزي يخص زمن المغرب الراهن. وإذا كان الإقليم جبلاً وسهلاً وشجراً وحجراً قد أسهم بما أسهم من كفاح مسلح، بعد إقدام السلطات الاستعمارية على عزل سلطان البلاد الشرعي ونفيه، فإن ما عُرف بمثلت الموت ضمن مجاله شمالاً في التماس مع ما كان يعرف بالمنطقة الخليفية، حيث أكنول وأجدير وتزي وسلي وبورد وحيث قبيلة اكًزناية فضلا عن منطقة تايناست، كان بصدى خاص خلال هذه الفترة الدقيقة والحرجة من تاريخ مغرب السنوات الأخيرة لعهد الحماية.
ومن علامات مكانة اقليم تازة وبواديه في ملحمة الكفاح المسلح من أجل الاستقلال، ترتيبه الأول وطنياً بحوالي الألفي مقاوم ومقاومة الى عهد قريب، واحتواءه على عدد من مقابر الشهداء تتقاسمها مناطق ونقاط كانت مشتعلة خلال فترة كفاح المغاربة المسلح ومواجهتهم للاستعمار رغم عدم تكافئ القوة، تلك التي تشهد على عظمة انسان وقوة تشبت بكيان ووطن. وقد بات من الثابت بناء على أرشيف هذه الفترة، وما تم تقاسمه من معطيات تاريخية اجمعت عليها مذكرات مقاومين من قيادات وأعضاء جيش التحرير. أن من مركز أكنول شمال تازة ومن قبيلة اكًزناية الشهيرة انطلقت عمليات جيش التحرير في ثاني أكتوبر1955، ولعلها أول منطقة زارها السلطان محمد الخامس مباشرة بعد عودته من منفاه وإعلان استقلال البلاد.
يبقى كم هو جميل أن نقف على عظمة تاريخ المغرب الوطني وتباين إسهامات جهاته، وكم هو جميل ايضا الآن وغداً تنظيم احتفاء سنوي هنا وهناك تكريماً لشهداء ملحمة الكفاح من أجل الاستقلال. إنما الأجمل أيضاً في أفق ما هو ثقافي وحاجيات الناشئة المغربية الجديدة، ومن اجل ما ينبغي من توثيق وأرشفة بلغة أكثر انسجاماً مع ما هي عليه ذاكرتنا الوطنية من غنى تاريخي. من المفيد الانفتاح على ما لا يزال بحاجة لذلك من أوراش داعمة، من قبيل ما يمكن أن يسهم به الفني في خدمة التاريخي الوطني، كما بالنسبة لملحمة انطلاق عمليات جيش التحرير ومثلث الموت بربوع جبال قبيلة اكًزناية شمال تازة، ومعها منطقة تايناست وما كانت عليه زمن كفاح المغاربة المسلح من أجل الاستقلال. ومن هنا ما يمكن أن يتحقق عبر الفن السابع من أشرطة تاريخية وأفلام وثائقية، علماً أن ميادين الكفاح المسلح وجيش التحرير هي بمثابة استوديوهات مفتوحة في الهواء الطلق، حيث لا تزال معالم هذه الملحمة الوطنية منتصبة شاهدة على مستوى مثلث الموت الشهير بتازة، الى جانب ما لا يزال عالقاً شاهداً في الطبيعة هنا وهناك من جسور ومغارات وبقايا ثكنات ومعدات وبنايات وأبراج وبيوت ومقابر وغيرها، فضلا عن ذاكرة حية ورواية شفوية لمن كانوا في قلب الحدث ممن لا يزالون على قيد الحياة، وما تراكم حول هذا المثلث الذي أرهب الفرنسيين من دراسات وتقارير ووثائق هامة ومذكرات مقاومين توجد بحوزة المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
ولعل من العيب أن لا يتم الالتفات لعظمة ذاكرة المغرب الوطنية لاستثمارها فنياً عبر ثقافة الصورة والسينما، ومن العيب أيضاً أن يظل ويستمر مثلث الموت الشهير الذي زعزع كيان الاستعمار الفرنسي انطلاقاً من شمال تازة حيث أكنول وأجدير وتزي وسلي وبورد وتايناست..، بما هو عليه من إهمال ولامبالاة ناهيك عما هناك من نزيف شفوي خاص بهذه الملحمة وفصولها ومكوناتها ومجالها، بسبب رحيل صناعها من المقاومين. فأية رؤية تجاه ذاكرتنا الوطنية من خلال سؤال الأرشفة الفنية وسؤال السينما المغربية؟ وأي تصور وقراءة وتفاعل والتفات للمؤسسات ذات الصلة كما بالنسبة للمركز السينمائي المغربي؟ وما قدر التاريخي الوطني في اهتمام واشتغال المعنيين والمهتمين من مخرجين وروائيين ومنتجين..؟ وما حصيلة خزانتنا السينمائية في ضوء المنجز منذ الاستقلال الى الآن؟ وأي مقترح ونصوص .. من شأنه جعل بعض ملاحم ذاكرتنا تحت المجهر كإنجاز سينمائي.