تازة بريس
عبد السلام انويكًة
مجالا كانت لغازات سامة استعملها الاسبان زمن الحماية بالمغرب للقضاء على ما طبعها من شراسة وتفرد مقاومة، هي منطقة الريف كما ما هو غير خاف عن باحثين ودارسين مهتمين بالموضوع. وعليه، حق السؤال حول بدايات إعداد وتجريب واستعمال سلاح فتاك كهذا ؟ كذا طبيعة ما كان من تعاون اسباني ألماني فرنسي في هذا الأمر؟ وحجم ما كان رهن اشارة قوات استعمارية اسبانية في هذه الجريمة الانسانية؟ فضلاً عن سبب اعتماد هذا السلاح وما استهدفه من أمكنة وما كان له من أثر على بشر وحجر وشجر ومن ثمة من مقاومة؟، ناهيك عن ردود فعل المخزن صوب ما حصل؟. وغير خاف ايضا ما عرفه ريف المغرب هذا أيضاً من انتعاش ملموس لحركة ماسونية خلال هذه الفترة الحرجة من زمن المغرب، ما انتسب اليه كبار موظفي المخزن الخليفي بمنطقة النفود الاسباني، كما بالنسبة للريسوني باشا العرائش والقائد الملالي باشا القصر الكبير وعبد الكريم اللوه باشا الحسيمة، الى جانب أعوان وتجار وجنود قبل التحاق عدد من الوطنيين، مع أهمية الاشارة هنا لِما أثارته هذه الحركة بالريف من مخاوف اسبانية وبالتالي ما أحيطت به من تضييق ورقابة.
حول زمن الريف وشمال المغرب الذي لا يزال بحاجة لمزيد من إلتفاتِ بحثٍ وانصات، صدر عن دار النشر ملتقى الطرق بالدار البيضاء، كتاب موسوم ب:”الريف زمن الحماية الاسبانية” في أزيد من أربعمائة صفحة. وهذا الاصدار الذي توجه بعنايته لتاريخ المغرب المعاصر والراهن، هو في الأصل أطروحة جامعية تقدم بها “ميمون أزيزا” الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمكناس، لنيل شهادة دكتوراه بجامعة السربون بفرنسا أواسط تسعينات القرن الماضي، تحت إشراف أحد كبار المهتمين بتاريخ الحمايتين الفرنسية والاسبانية بالمغرب الأستاذ “رونيه غاليسو”، علما أن هذا العمل ترجم الى اللغة الاسبانية ونشر برعاية دار النشر بياتيرا ببرشلونة قبل حوالي عقدين من الزمن. وحتى لا يظل ضمن دائرة متخصصين في تاريخ الحماية الاسبانية بالمغرب فقط، تجند لترجمته الى اللغة العربية تعميما للفائدة وإغناءً لنصوص خزانة البلاد التاريخية، كل من الدكتور جمال الحيمر الباحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية بمكناس، والدكتور محمد حاتمي الباحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس.
هامشية استعمار اسباني بالمغرب جوهراً وفعلاً، وطبيعة تواضع أهدافه الاستعمارية مقارنة بنظيره الفرنسي، وسؤال مكامن ما حصل من تحولات طبعت مجتمع الريف على امتداد نصف قرن من الزمن، كذا ما ترتب من مضاعفات مست بنيات وعقليات .. فضلاً عن طبيعة علاقة بالدولة المركزية من جهة والدولة الحامية بعد انسحابها من جهة ثانية. كلها اشارات وغيرها استهل بها الدكتور عبد المجيد بنجلون تقديما عميقاً لكتاب “الريف زمن الحماية الاسبانية” الذي تمحور حول الوجود الاسباني بالمغرب، وهو ما قال عنه “ميمون أزيزا” في مقدمة مؤلفه أنه لم يحظ بما ينبغي من عناية مقارنة بنظيره الفرنسي، إن من قِبل باحثين مغاربة أو غيرهم بغض النظر عن توجهاتهم ومناهج مدارسهم التاريخية. مشيراً الى أن هامشية اسبانيا في منظومة أروبا الاستعمارية، كانت بسبب علاقة صعبة بين إدارة الحماية الفرنسية في الرباط ونظيرتها الاسبانية في تطوان، كذا ما كان من هيمنة واضحة للأولى على البلد قبل فرض الحماية عليه حتى استقلاله، فضلاً عن صعوبة ولوج ما هو محفوظ في دور الأرشيف الاسباني لمدة طويلة وأثره على آفاق البحث في هذا الاتجاه، علماً أن عدداً من الباحثين يختزلون حقبة المغرب الاستعمارية في الحماية الفرنسية، كقناعة تأسست على ما لوحظ من تهميش للاستعمار الاسباني ومن فقر وصغر مساحة أوكلت حمايتها لإسبانيا مقارنة بالمنطقة الفرنسية، ناهيك عن فقر اسبانيا نفسها وضعف ووقع صيغة استعمارها المعتمد.
وكانت عناية الباحثين بالعلاقات المغربية الاسبانية على محدوديتها قد دشنت- يقول المؤلف- لعهد أكاديمي مدرك لإرث مشترك من شأنه فهم راهِنِ تحديات، ما يفسر بتزايد اهتمام الباحثين بفترة الحماية الاسبانية في المغرب، كذا اتساع وعاء دراسات ومنشورات مع تأسيس فرق بحث توجهت بعنايتها فضلا عن الحماية صوب تيمات ذات صلة بالاسلام والحضارة العربية الاسلامية. مع أهمية الاشارة لِما كان لأعمال الراحل جرمان عياش من أثر ودور معبر في فتح مسارب بحث جديدة همت العلاقات المغربية الاسبانية والحضور الاستعماري في الريف. وبقدر ما يروم كتاب “الريف زمن الحماية الاسبانية” تفكيك جذور حماية اسبانية وأسباب اهتمامها بمنطقة نفوذ شمال المغرب، كذا ابراز مميزات استعمار اسباني وسر بقاءه هامشيا باهتا في انجازاته وآثاره مقارنة برديفه الفرنسي، بقدر ما يجمع باحثون مهتمون بالظاهرة الاستعمارية عموماً وبالوجود الاسباني بالمغرب خاصة، على أن ما كانت عليه اسبانيا من مشاكل سياسية واقتصادية داخلية جعلها قوة استعمارية أقل طموحاً وانجازاً من نظيراتها الأوروبية.
إن جغرافية الريف وفقر مجاله وحِدَّة طباع أهله- يقول المؤلف- كانت بأثر في الحد من سبل تهيئة مجالية وتحكم اداري واستغلال اقتصادي وتنمية اجتماعية، بل ما يعاني منه الريف من تهميش يجد بعض تفسيره في اخفاقات فترة استعمارية. ولكونه لم يستفد من الحضور الاسباني الا بشكل ضئيل، كان الريف عند حصول المغرب على الاستقلال في مقدمة مناطقه الفقيرة، تلك التي تضررت من مضاعفات مقاومة امتدت من 1921 إلى 1927 ولم تستفد لا من بنيات تحتية ولا استثمارات اقتصادية. مع أهمية الاشارة الى أنه بعد نهاية فترة الحماية أدارت اسبانيا ظهرها للمنطقة، وبات الريف مغيبا في اهتمامات مدريد رغبة ربما في تناسي ما كان الريف سبباً فيه من مآسي.
لقد كان التوغل العسكري الاسباني في الريف عصيا مكلفا، سرعان ما تحول إلى سلسلة انتكاسات- يقول المؤلف-، وأن المأساة تجلت بشكل فضيع في معركة أنوال وحرب اسبانيا الأهلية لاحقاً من خلال مشاركة واسعة لمغاربةٍ حاربوا إلى جانب قوات “فرانكو”. قبل انتقال آلاف المهاجرين منهم الى اسبانيا بعد ما شهدته من صحوة اقتصادية خلال ثمانينات القرن الماضي عند انضمامها للاتحاد الأوربي. وكانت قوة حضور المغاربة باسبانيا قد أثار فضول باحثين اسبان كانوا وراء انجاز عدد من الدراسات حول الريف، باعتباره مصدر غالبية ما توافد على اسبانيا من يد عاملة خلال هذه الفترة.
وقد توزع كتاب “الريف زمن الحماية الاسبانية” الذي استهدف رصد تطور المجتمع الريفي خلال نصف قرن من الاستعمار الإسباني وابراز مظاهر تحولاته الاجتماعية، على ثلاثة فصول متكاملة أفرد الأستاذ “ميمون أزيزا” الأول منها للريف كمجال اقتصاد وكيان تاريخ ومجتمع. سياق أورد فيه أن نهج بحثه المتبع فرض ضبط مؤسسات المجتمع التقليدية الرئيسية المنظمة قبل الحماية، وإبراز عناصر كانت وراء نقلات بنيوية في زمن قصير، فضلاً عن تحديد أدوار ثغور اسبانية محتلة داخل المنظومة الريفية خاصة سبتة ومليلية، كذا طبيعة ما نسجه أهل الريف من علاقات مع المجال الوهراني بالجزائر. مع أهمية الاشارة الى أن دراسة التوغل الاقتصادي ووضع أسس الاستقرار والاستغلال، أخذت حيزا هاما من هذا الفصل ابرازاً لمختلف مجالات الاقتصاد الاستعماري من استغلال زراعي وصناعة ومناجم ومشاريع بنية تحتية وغيرها.
وكانت آثار الاستعمار الاسباني على مجتمع الريف من تراجع مداخيل وانفصام علائق بين الانسان والأرض، هو ما تم تناوله ومقاربته في فصل ثان من الكتاب. علما أن ما حصل من تحكم اداري كان بمضاعفات معبرة على البنى الاجتماعية والسياسية في المنطقة، حيث كف أهل الريف عن العيش وفق نظم قديمة دون بديل فيه ما يكفي من نجاعة. بل ومما زاد الأمر هشاشة تعرض اسبانيا لهزات على درجة من الخطورة لعل منها إعلان الجمهورية الثانية (1931) الحرب الأهلية (1936- 1939). وكان ما ترتب من تحولات كبرى عن المواجهة بين بنيات اجتماعية تقليدية ريفية ونظام اقتصادي رأسمالي اسباني استعماري، هو ما تمت مناقشته في فصل ثالث وأخير من الكتاب. بحيث أورد الباحث أن ما كان من توازنات قديمة انقطعت تحت وطأة بنيات اقتصادية دخيلة، وأجبَر اعتماد العملة الأهالي على تغيير سلوكاتهم الاستهلاكية، وأن ما كان من هجرة موسمية الى الجزائر تحولت تدريجيا الى هجرة دائمة. مضيفاً أن أكبر تحول في الريف كان هو انخراط جزء كبير من ساكنته في منطقِ عملٍ مأجور، النقلة التي كانت بأثر كبير على تركيبته الاجتماعية السائدة.
وبخلاف ما هناك من ادعاء حول كون سياسة اسبانيا في منطقة نفوذها بالمغرب زمن الحماية لم تكن ببصمات تذكر، أورد المؤلِّف أن كل الأحداث ذات البعد الدولي في المغرب كانت تجد صداها في اسبانيا، منها ما سمي بحروب المغرب وعلى رأسها حرب الريف خلال العقد الثالث من القرن الماضي، ثم ما حصل من انقلاب عسكري ضد الحكومة الجمهورية الاسبانية انطلاقا من المغرب بزعامة الجنرال فرانكو (1936). كما أن المغرب الذي لم يكن مغيباً في حسابات الفاعلين السياسيين الاسبان زمن الحماية، كان بأثر في عدد من الأحداث الكبرى التي رهنت التاريخ الاسباني المعاصر. فبعدما كان احتلال المغرب من قِبل الاسبان شرطا لرد الاعتبار وكسب مواقع في المنظومة الأوروبية، تحول الى قضية بأبعاد عاطفية لدى الأوساط الرسمية القريبة من السلطة بدليل انطلاق شرارة حركة الانقلاب التي قادها الضباط الأفريقانيون من أرض المغرب. واذا كان الاستعمار الاسباني في المغرب يعد موضوعا شائكا وسجاليا لوجود أراء ووجهات نظر متباينة بل متناقضة حول تقويم الحصيلة الاجمالية للتجربة الاستعمارية الاسبانية، فإن مقابل كتاب فرانكاويين يقولون بعظمة إنجاز اسبانيا الاستعماري والحضاري بالمغرب وأنها بذلت مجهودات كبرى لتنمية منطقة الريف، هناك آخرون من باحثين أكاديميين ممن يقر بأن إسبانيا لم تنجز أعمالا تستحق الذكر لدرجة أنها ساهمت في تعميق تأخر الريف وتخلفه، هذا فضلاً عن فريق ثالث دافع عن تصور توفيقي بين الاتجاهين السابقين. ولعل وضعية الاهمال الشامل التي وجدت فيها منطقة الريف غداة الاستقلال هو ما يعزز نظرة سلبية عن الاستعمار الاسباني، إذ لم يُدمج الريف في برامج تنمية البلاد بل اتخذت حكومات المغرب المتتالية تدابير عمقت عزلته وكرست هامشيته- يقول المؤلف-. وبدل الانكباب على اخراج المنطقة من تخلفها الاقتصادي بعد الاستقلال تم تبني اختيارات زادت من اضعافها، فمنذ سنة ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين تم تعويض اللغة الاسبانية باللغة الفرنسية في المدارس والإدارة مما كان وراء إبعاد نخبة محلية تكونت في مدارس اسبانية.
يذكر أن التجربة الاستعمارية الاسبانية بالمغرب في اعتقاد رأي عام اسباني هام كانت معضلة ومصدر صراع، بل من الباحثين من يذهب الى كون المغرب في الفترة ما بين 1912- 1927 شكل نزيفا اقتصاديا وبشريا حقيقيا لاسبانيا، وهو ما ساهم في تدهور وضعيتها السياسية وتقوية مكانة ضباط افريقانيين قادوا انقلاباً على الحكومة الجمهورية وأقاموا بها نظاما ديكتاتوريا (1939)،. ولعل هذا ما يفسر ربط عدد من الاسبان قيام الديكتاتورية الفرنكاوية بالحضور الاسباني في المغرب، أين صنع فرانكو قوته ومجده العسكري وأين تبلورت فكرة انقلاب فرنكاوي.
ولعل الى جانب دور الاستعمار الاسباني فيما حصل من تحولات بنيوية في الريف، نجد انفتاحه على الجزائر وهجرة آلاف الريفيين صوب وهران، وبالمثل أدت كوارث طبيعية عدة إلى تقوية هجرة قروية انطلقت مع بدايات استعمار زراعي. ناهيك عن أدوار مدينتي سبتة ومليلية داخل المنظومة المجالية الريفية في تسريب منتجات مصنعة غيرت نمط حياة وعادات جزء من الاهالي الاستهلاكية. مع كون ما حصل من تحولات بالريف لم يؤد إلى خلق مراكز حضرية كبيرة وأحياء هجينة على شاكلة ما نتج في منطقة الاحتلال الفرنسي، فقد ظل المجتمع الريفي في معظمه قرويا ولم يغير إنشاء مراكز حضرية من طابعه البدوي. إن الطابع الهامشي للاستعمار الاسباني لم يحل دون أثر على بنيات الريف الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية، فمن الميادين التي أبانت فيها اسبانيا عن حضور متميز مقارنة بنظيرتها الفرنسية، نجد ما ثقافي من خلال تداول اللغة الاسبانية في كل الأوساط والأماكن بما فيها النائية، الأمر الذي يفسر بحضور جنود وفلاحين صغار اسبان في الوسط القروي، حيث لم تكن شروط عيشهم أفضل بكثير من عيش مغاربة؟.
هكذا أضفى “استعمار الفقراء” – يضيف المؤلِّف- طابعا خاصا على الحماية الاسبانية شمال المغرب، من خلال تقاسم الاسبان والأهالي لنفس الفضاءات. وكان الاسبان المقيمون بالريف قد ربطوا صلات عدة بأهله، إذ لم توجد أحياء مخصصة للأوربيين كما كان عليه الوضع في منطقة الحماية الفرنسية. مع أهمية الاشارة هنا الى أن النخبة الناطقة بالاسبانية كان عددها قليلا، خصت أساسا بعض أبناء الأعيان الذين تلقوا تكوينهم في جامعات اسبانية. فضلا عن تشجيع سلطات فرانكو تعلم اللغة والثقافة العربيتين وخلق أقسام للغة العربية في بعض جامعات اسبانيا ابتداء من ثلاثينات القرن الماضي. ووعيا بعزلة البلاد دوليا حاول فرانكو بتبنيه لهذه السياسة ايجاد مخرج من خلال انفتاحه على العالم العربي من جهة، ومنحه لجوءً سياسياً لبعض الوطنيين المغاربة القادمين من منطقة الحماية الفرنسية من جهة ثانية في اطار سياسة ليبرالية اسبانية تجاه الحركة الوطنية المغربية.
يبقى أنه اذا كان مؤلف “الريف زمن الحماية” قد تضمن جملة اشارات تخص رهان البحث والباحثين في تاريخ مغرب الحماية ومنطقة الريف خاصة خلال هذه الفترة، ومن هذه الاشارات ما أثاره حول قضية اللغة الاسبانية من أهمية فضلاً عن مسألة الارشيف الاسباني. فمن حيث ما هو بحثي تاريخي يخص الريف والحضور الاستعماري الاسباني بالمغرب، يسجل ما تراكم خلال العقدين الأخيرين من دراسات على قدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة لفائدة الخزانة التاريخية المغربية، لعل منها أعمال رشيد يشوتي ومحمد أونيا ومحمد أحميان ومصطفي المرون ومحمد العبوتي ويوسف أكمير ومحمد ياسين الهبطي وخالد بويقران ومحمد بويقران وعزيز الحساني. اضافة الى أعمال تاريخية بحثية أولى وسابقة اهتمت بالريف، في مقدمتها كتابات المؤرخ جرمان عياش ومحمد ابن عزوز حكيم وعبد العزيز خلوق التمسماني وعبد المجيد بنجلون وبوبكر بوهادي وأحمد مهدرها وعبد الرحيم برادة ومحمد العربي المساري وعبد الرحمان الطيبي ومحمد خرشيش وغيرهم. بل يوجد الريف منذ حوالي العقدين من الزمن على ايقاع حركة بحثية علمية هامة توجهت بعنايتها أساساً لحقلي تاريخ وذاكرة المنطقة، ما تجلى فيما عُقد هنا وهناك من لقاءات وندوات وما حصل من ترجمة لأعمال اجنبية، لعل منها كتابات المؤرخة الاسبانية ماريا روسا ذي ماذرياغا والأنتربولوجي دافيد مونتمغري هارت والمؤرخ الإنجليزي سباستيان بلفور. ولاشك- يقول الأستاذ أزيزا- أن من شأن مراجعة التأليف الأجنبي وتشجيع البحث التاريخي، بناء تصور سليم حول علاقة الريف بالسلطة المركزية وتعميقِ معرفةٍ بمحيطه الجغرافي والجيوستراتيجي، ورفع ما هناك من لبس عن ظرفيات غامضة طبعت تاريخ المنطقة.
كما يبقى أن ما استحضره كتاب“الريف زمن الحماية الاسبانية”، من تيمة تاريخية وتماساتٍ وأمكنة وانسان وعلاقات وبنيات وعقليات وفعل وتفاعل ريفي اسباني، جعله حقا عملا بحثياً اكاديميا متميزاً، لِما وفره من مادة علمية بقيمة مضافة عالية ملأت بياضا حقيقياً، في أفق ما يساعد على مزيد من بحث ونبش وتنقيب في تاريخ وذاكرة الريف، وكذا ما ينبغي من تراكم ودراسات وإغناء واضافة في هذا الاطار. وعليه، يسجل لمؤلَّف “الريف زمن الحماية الاسبانية”، ما كان له من سبق ووقعٍ في توسيع وعاءِ ذخيرة أبحاث تاريخية مغربية من جهة، ونصوص تاريخ المغرب وتاريخ منطقة الريف المعاصر والراهن من جهة ثانية.
عضو مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث