تازة بريس

من ذاكرة بادية تازة زمان ..”من نهار شفنا البوليتيك وانتوما فينا بلهتيك”..

-

تازة بريس

سعيد عبد النابي

“كانت التجارة متوهجة بسوق إثنين الطايفة بقبيلة البرانس أيام الزمن الجميل، نواصيها كانت بيد صناع يهود أتقنوا الحرف والصناعات التقليدية، و المثل الشعبي الرائج وقتها بدوره جاء في صفهم، “السوق بلا يهود كي القاضي بلا شهود”. لقد كان المكان بالقرب من جبل صخري يسمونه “الصف د هرار”، حفته قصص الجن والعفاريت كأنه جزء اقتد من واد عبقر، ربما لذلك السبب قربوا السوق إلى الضريح مقام آل سيدي احمد الزروق نفعنا الله ببركته، ليكون الأتقياء فيه من المسجد على كثب. وأرجح القول أن بعض الادارات كالبريد اختارت لها مكتبا في صف الدكاكين المعدودة على رؤوس أصابع الكف، وأن الفرنسيين بنوا “بيرو أعراب”  bureau arabe وسطه، و بالتالي ارتقت تلك البقعة الأرضية إلى سوق كان يحج إليه الناس كل يوم إثنين من كل حدب وصوب، راجت فيه البضائع ونظر القائد الأمي في قضايا رعيته لتحقيق العدالة وقد خطب به في الجموع يوم النفي قائلا: شيطان الجماعة داه الله، وفهم احد الوطنيين أنه يقصد رمز المملكة المغفور له محمد الخامس، فاخرج من ثنايا تكة سرواله طربوش الوطنيين الأحمر وكان كالفلك في هندسته، فصرخ فيه:  عاش الملك ، واعاش الملك، واعاش الملك أرب الزين  ،… وغلت الدماء في الأوداج ثم برزت حمرتها على بياض العيون، وظهرا وسط الجمع كثورين هائجين، إلا أن الوضع لم يصل إلى معركة أو اعتقال، والظاهر أن كل واحد منهما كانت له حساباته الخاصة به..

كل تلك الصور كانت تخامر فكر علال وهو يقصد السوق ماشيا على تؤدة في جلباب من صوف اسود رث طغت على صفحتيه الثقوب، كأنها مدونته التي سجل عليها كل آلامه مع الاستعمار، كان سعيدا بالاستقلال رغم ان ابن القائد بقي رئيسا للجماعة لسنين، والحمد لله الذي كان يسقي عباده ماء غدقا جعل الأرض كريمة معطاء، وجعل وتر السياسة  ذاك  لا يرن على طبلة أذنه إلا في مناسبات عظيمة تفصل بينها الشهور والسنوات. ولأنه لم يكن يملك في بيته مذياعا فإن السوق كانت غايته لا غير. لم يكن في علمه أن الدولة خصت الأسبوع للانتخابات، لكنه فهم بفراسته من الحشود الغفيرة التي حجت من المدينة في سيل كأنه الطوفان اليه، أن الأمر كما ظن وخمن إذ بدا الناس في ثيابهم غرباء، لباسهم مختلف عن لباس الساكنة المحليين، بحيث لا ترى علاقة واحدة تربطهم سوى الصراخ و الجلبة، كون كل حزب كان له أنصاره من بني جلدته. وهو يواجه هذا التقلب الرائع في المجتمع بتفكيره وأحاسيسه، تقدم نحوه أحدهم صارخا، رآى فيه بجلبابه الرث صورة صارخة لضحايا الرأسمالية والبروليتاريا والبيروقرطية ووو,فحاول كسبه وأفراد عائلته أصواتا لحزبه، تكلم اليه بتلك اللغة المشبعة بالعبارات الغريبة عن سمعه وطبيعته الساذجة قائلا: أنا هنا أكافح الكفاح المرير، من اجل حزب القفة والسرير كي لا تبقوا حميرا، انا هنا لتعيش كانسان كريم من حقه الديباج والحرير ، لا تنسى اللون المزركش فنحن نؤدي لتابعينا الحساب كاش .كاش…،و قال الرجل في نفسه يا ألطاف الله كيف تغيرت الحياة هكذا ؟ واستمر ينظر الى الرجل المحترم المتمادي في هذيانه ليسمعه الكثير، الا أن الأمد القصير كان كافيا ليفجر في الرجل الفقير عيون الأدرينالين، و في لحظة فاجاه بالسؤال : نسقسيق الحبيب، سول … أنا هنا باش نجاوبك، أيبان لي انتين قاري، الحمد لله الشريف، عندي الفرنسية والانجليزية والالمانية وجوج باك و جوج اجازات ودكتوراه، با كان وزير.  لالا.. أودي انا بغيت نسقسيك واش كان في الحكومة شي وزير منا حنا… لحمير، يعني فلاح ؟ انتوما ما قريتوش الشريف، ولوزير كيهدر مع النصارى.. وباللغات كتحلى لوزيعة ولقصارى النصارى احنا طردناهم … لاش نهدر معهم، ووزير فلاح على الاقل… كان يوفي في الميزان ، ايلا قال الملك عشرة هو يردهم طناش …فهمتي ؟ لا الشريف ، هذا زمان لقرايا ، زمان الاحزاب والفكر والنقابات وهنا صرخ علال في وجه الرجل المحترم : كمل الحبيب ورد عليه المحترم : شنو نكمل … النقابات .. ثم ضحك، لكن علال عرض عليه ثلاث حروف، كأن بدونها لا تكتمل الجملة ولا يصح المعنى:  اييه . زد الحبيب ـ ما صبح ـ قول زمن النقا .. بات ما اصبح .. الربح ، “من نهار شفنا البوليتيك وانتوما فينا ب لهتيك”..

فاعل جمعوي

إلغاء الاشتراك من التحديثات