تازة بريس

من أمام المرآة وتدليك المُعَلك أو عْرَفْ كٍيفْ تَّدْلَكْ … بلا ما تهلك ..

-

تازة بريس

سعيد عبد النابي

وقف أمام المرآة لفترة طويلة، دون أن يكف كفيه عن الحركة، ربت بأصابع يمينه على شعر ناصيته فوق صدغه الأيمن مرة، ثم بالكف الأيسر فعل نفس الشيء على الصدغ الأيسر، إلا انه هذه المرة ابتسم ابتسامة إعجاب و هو يملي النظر في سحنته، ثم جمع بعد ذلك الحركتين في نفس الآن، كأنه يضبط إيقاع حركاته المختارة، أو كان صفحة المرآة بحر هادئ سلبه إرادته، فلم يستطع اقتلاع جسده من النقطة التي اختارها لاكتشاف نفسه، لم يكتف بخصلات شعره، فراح يحرك بنيقة قميصه حتى يتجنب أي خلل يضيع على الهيئة تناغم مكوناتها، وتوقف عند الزيق، فأهدر وقتا يفكر، أي ربطة عنق تناسبه؟ أي ثوب؟ أي لون ؟ شعشعت في دماغه صورته و هو يلبس معطف المناسبات الراقية، ووردة علية القوم البيضاء الفواحة عطرا تزين الجيب الصغير على يسار صدره فوق قلبه النابض، وجرفته عواطفه نحو الهذيان، فوجد نفسه يهمهم، وهو يحدثها :  أيعقل أن يخلق الله لي في هذا الكون شبها ؟ كل الناس لهم من الشبه أربعين .. إلا أنا .. أنا الاستثناء . و ليحمني الله و يبعد عني العيون الحاسدة .

كانت الأحلام في جوانحه تتقد، و الأفكار في دماغه تتصارع، ولو كان هناك جهاز يكشف دواخله، لاستغرب الناظر فيه إليه، من حر لهيب أحاسيسه المتهافتة، لكن الله ستر المرء ببشرته أولا، ثم بالألبسة الأخرى، أفضلها لباس التقوى، وإن كانت قلة من الناس في وقتنا الحاضر تسعى إليه، لان الرحمان استثنى بذلك العلماءـ في قوله ” إنما يخشى الله من عباده العلماء ” أما الغوغاء، فطبعهم السذاجة وضيق الأفق، بمجرد ما يتحرك الأدرينالين في أوردتهم، أول شيء يبدؤون به شجارهم، التطاول على ذات الله سبحانه. كان يحلم بإنشاء قناة، لفرط إعجابه بنفسه اعتقد أن الحلقة الأولى ستحقق له ملايين المشاهدات، ملايين القلوب الصغيرة الحمراء. إذا فقدت المراهقة وعيها أمام المرحوم مايكل جاكسن في جولاته الفنية وهو جمال مزيف صقلته عمليات التجميل المتتالية، فمآل حال البقية أمام جمال طبيعي رباني انفرد به دون غيره معروف، مخلوق لا شبيه له على الأرض، استثناء، حتما قد تفقد الواحدة منهن روحها لا وعيها، وقد يصير الإعجاب وباء ينتشر بينهن كلعنة الكوفيد، يطيح بالرؤوس، حينها ماذا سيقول الطيب غوتيريس في مقر الأمم الملاحدة ؟ هل سيأمر باقتناء نظارات الكسوف رفقا بالقوارير أم يطالب بمنع قناته؟ رياح قوية ستنفخ حتما في أشرعة سفينته ليصبح ضمن الممنوع المرغوب فيه،

سال احد الأصدقاء عن مضمون القناة، هل ستكون فلسفية؟ نظر إليه بازدراء و هو يجيب منفعلا، و هل حسبتني أفلاطون أو سقراط. ؟ وعقب الآخر مصرا على الإصلاح: إذن هي علمية، اعلم بركاكة أسلوبك الذي لا يرقى لصياغة مقال، وان الأدب العربي لا يستهويك، فاستنتج أنها لن تكون أدبية ـ القناة ـ . صارحني كي نتجادل أطراف الحديث حول المسألة، النجاح أساسه فكرة صائبة و تخطيط سليم. ورد عليه كي يشكمه، هذه المرة مقهقها: لا لا لا … لا هذا و لا ذاك، فلا أنا مصطفى محمود أنبش في الإعجاز القرآني و لا أنا طه حسين بنظاراته السوداء، ـ الاسمين الواردين لم يقرا لهما، إنما رأى الأول في برنامج بعنوان العلم والإيمان ، و تعرف عن الثاني في مسلسل الأيام ـ ثم استرسل قائلا: إنسان هذا العصر مرهق جدا، همه المتع، ولي في الرباط أصدقاء أوفياء بالوعود، سأقصدهم عم قريب. وصك الآذان عن كل الأصوات الخارجية منشغلا بهمومه و أحلامه، و ما إن دارت الساعة في أول ساعة من النهار، حتى وجد نفسه داخل القطار، غايته الوصول إلى الرباط، مع الشروق، ليستغل النهار ملاحقا مظان غاياته، هناك ، اخذ له مكانا بمقهى باليما الشهيرة، وانتظر كثيرا، انتظر إلى أن بدأت أعصابه تتوتر، تحولت في بعض النقط إلى وخزات، كأنها من تشنجها أصبحت إبرا، كانت تضغط عليه آلامه المختلفة، ربط أسبابها بحالته العصبية، وفي الأخير عقد العزم على سؤال النادل: أين أصحابه الأوفياء؟، لم يكن يعلم شيء عن فضائحهم بعد، أجاب النادل السائل غير مهتم به وراء قذاله، تجدهم في الايس بي آ ( SPA) … وفهم من وجومه و عبوسه و هو يتلفت جهته جهله المشين بالأحداث الأخيرة، و ختم إضافته بقهقهة هذه المرة :

SPA …SALON DE PRODUCTION

ALTERNATIVE –

غرفة الإنتاج البديل ـ فزاده غموضا على غموضه الأول ، و لكي يبدد عن خياله سحب الحيرة الكثيفة أضاف :  تدليك المماليك ، بالدارجة …هناعْرَفْ كٍيفْ تَّدْلَكْ… بلا ما تهلك.

كاتب وجمعوي ..

 

إلغاء الاشتراك من التحديثات