من أعلام تازة: الطبيب الأديب الشاعر أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي..

تازة بريس19 مارس 2023آخر تحديث : الأحد 19 مارس 2023 - 12:41 صباحًا
من أعلام تازة: الطبيب الأديب الشاعر أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي..

تازة بريس

عبد الاله بسكًمار

كثيرا ما تلتصق بعض المناطق أو المدن المغربية بحشد من أحكام القيمة المتهافتة التي تتخذ طابعا جاهزا stéréotype تنبني غالبا على أحداث تاريخية فيها أخذ ورد ، وغير محسومة منهجيا ، إذ وقع فيها ما وقع من تجاوزات أو “انزياحات” من هذا الطرف أو ذاك وأهم الأطراف:الدولة والمخزن بالطبع، والحال أن الواقع التاريخي/الحضاري والثقافي لتلك المدن أو المناطق يفند ذات الأحكام ويظهر طابعها المغلوط، ليس فقط لأن التعميم طال المنطقة بكاملها، بل أيضا لطبيعة الكتابة التاريخية الانتقائية التي تذكر أشياء وتضرب صفحا عن أخرى لأهداف سياسية أو مصلحية أو بدافع حسابات مختلفة ومن هذه المناطق مدينة تازة وأحوازها، التي تم إلصاق بعض الإكليشهات بها عن جهل مركب أو تجاهل متعمد، كالدعي الجيلالي بن ادريس الزرهوني(الملقب”بوحمارة” وفي رواية أخرى “بوحمالة”وهناك من يرجحها).

وقد تجدد شيء من هذه الخرافات بعد أحداث تازة المؤسفة يناير2012، فعلا اللغط وظهر الجهلة والجهال والبلطجية من جديد وكأنه لم ينبغ بهذه المدينة وأحوازها أي عالم أو مثقف أو متنور أو إطار محترم ولم يظهر بها أي متصوف أو فقيه أو رجل صالح، وكأنه ليس بالمدينة وأحوازها سوى معاقل العصاة ومواقع المتمردين وملتهبي الرؤوس والمجانين وعاشقي السيبة والتدمير والفوضى والحال أن منطقة تازة وأحوازها لعبتا أدوارا طلائعية/ سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية من الطراز الأول ودون مبالغة(بحسبان الميول والانتماء والنشأة كما يمكن أن يظن البعض)، منذ أقدم حقب التاريخ مرورا بدول العصور الوسطى المختلفة كالمرابطين والموحدين وبني مرين والسعديين وانتهاء بالدولة العلوية. ولن يكفينا الحيز بالطبع لذكر كل المعالم والآثار والرجالات والإسهامات التي أنجبت/ ميزت تازة والأحواز وما زالت تميزها بشكل يجهز كليا على كل الأحكام الظالمة والخرافات المتهافتة ، من بين ذلك مثلا حلقات العلم والدرس بالمساجد والزوايا والمدارس (المرينية خاصة) وعشرات الأسماء لعلماء ومتصوفة وشعراء وفقهاء وقضاة وقراء وشيوخ أجلاء ثم المعالم التاريخية والحضارية والمنشآت المدنية والعسكرية والدينية كالمسجد الأعظم ومسجد الأندلس والمدارس المرينية والعلوية والزوايا والفنادق العتيقة والأزقة والدور والميادين التي ما زالت تحمل أسماء لأولياء وأعلام تازية كرياض أزناك ودرب مولاي عبد السلام وزقاق الولي وزقاق الحاج ميمون وزنقة سيدي مصباح والقطانين ودرب بني توزين، أو توجين(النسب لابن خلدون)…دون سرد إسهامات وذكر رجالات ونساء المنطقة في العصر الحديث وإلى حد الآن..

نمر في هذا المقال المتواضع على العصر المريني عبر شخصية فذة أنجبتها محروسة تازة، إنها شخصية أبي العباس أحمد بن شعيب”الجزنائي أصلا التازي دارا الفاسي قرارا”، كما يصفه علامة المغرب الراحل عبد الله كنون الحسني، عرف به ابن الأحمر مؤرخ بني مرين في كتابه”نثير الجمان ونثر فرائد الجمان  بقوله ” سابق ركض في ميدان الشعر فجلى، وما هم طلع في سماء الإجادة فتجلى …له في الطب قدم .. وبرع في الحساب وأحكامه وأصاب في الفقه وأحكامه، ولديه من الأصول حظ وافر، كما وجه النحو له سافر، والإنشاء أجرى في لوح الإحسان قلمه.. ومدينة تازا مسقط رأسه، ومتوقد نبراسه، وطرأ على فاس فحمدت مسراه….وقالت ما أجل سراه، وصميم منتسبه في البربر جزناية….”هناك إشارة إلى أن الاعتزال قد تسرب إلى هذه القبيلة البربرية المقيمة في أعالي تلال الريف شمال تازة، ويفسر العلامة كنون هذا بأنها ظلت على مذهب ابن تومرت ردحا من الزمن أي حتى العصر المريني، فضلا عن التقارب الموجود بين التشيع والاعتزال ولا ندري إن كان صاحبنا معتزليا هو الآخر لكن المؤكد حسب المصادر التاريخية أن هناك تضاربا في الموضوع وأن الرجل تشبع بالفقه المالكي إلى جانب كونه طبيبا بمعايير ذلك العصر فضلا عن نبوغه الكبير في اللغة العربية والأدب ولا عجب في ذلك كما يفيد كنون فكم من عربي أصيل لا يحسن تركيب جملة عربية، وعلى العكس كم من عجمي الأصل برع في الأدب واللغة والشعر بحيث فاق الكثير من العرب، والتصور هنا لا يخص الانتماء الجنسي أو العرقي أو الإثني بل الثقافي والحضاري بشكل عام، حتى لا يذهل بنا البعض بعيدا عن المقاصد بتعبير ابن خلدون ويؤدلج ما ليس قابلا للتأدلج ( ما تأدلج علي ما نأدلج عليك الله يخليك !!!)، وقد برع أبو العباس في الطب ، تؤكد ذلك شهادة ابن خلدون من أنه كان كاتبا للسلطان المريني أبي سعيد وطبيبه بل ترأس ديوان الكتاب وكذا مع السلطان أبي الحسن بعده وأضاف ابن الخطيب له الاشتغال بالكيمياء ، ويفيد ذو الوزارتين والقبرين أن أبا العباس كان لا يتكسب بشعره وإن حفظ من الشعر عشرين ألف بيت للمحدثين فقط كما يقول عنه في الإحاطة….

ومما يدل على أريحية أبي العباس التازي الجزنائي الأدبية تسريه بجارية رومية إسمها صبح كانت من أجمل الجواري وأحسنهن ، فأدبها حتى لقنت حظا من العربية ونظمت الشعر، وكان شديد الغرام بها ، لكنها هلكت في ظروف مبهمة ، فحزن الشاعر أشد الحزن عليها ، حتى فاضت قريحته بقريض أرق من غناء البلابل وشجوها. وقد ترجم للطبيب والشاعر التازي أبي العباس فضلا عن ابن الأحمر كما سبق الذكرو لسان الدين بن الخطيب في الإحاطة وريحانة الكتاب وابن خلدون في التعريف وله شعر متفرق في شكوى الزمان والفخر إلى جانب نثر مسجوع مفعم بالصنعة البديعية، وكان دائم التنقل بين الأندلس وعدوة المغرب إما للعلم أو المهام السياسية ومعروف ارتباط مدينة تازة بعدوة الأندلس، فعدد من أساتذة العلامة إمام القراء المغاربة أبي الحسن علي بن بري التازي التسولي كانوا من الأندلس، ومنهم ابن حمدون الشريشي المتوفى بتازة سنة 709هجرية والمدفون قرب أستاذه ابن بري ومالك بن المرحل المالقي، وكذلك إقامة علي الدرار ووفاته بتازة ومسجد وزنقة الأندلس وباب الشريعة، وقد توفي طبيبنا وشاعرنا أبو العباس سنة 749 للهجرة في الطاعون الجارف، وهو الوباء الذي تحدث عنه المؤرخون وبينهم ابن خلدون وأدى إلى انهيار العمران وذهاب أهل الجيل على حد تعبيره، ويوجد حاليا درب قديم يسمى “درب الطبيب” موصل بين درب الحاج ميمون والمشور بتازة العتيقة.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق