تازة بريس

مضيق(تازة) البحري قبل ممر تازة البري..بعض من السياق الجيولوجي للمجال

-

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

يرتبط ممر تازة بقاعدة تجميع مائي وبمرتفعات تصل مقدمة جبال الريف شمالا بجبال الأطلس المتوسط جنوباً بأطراف سهوب ملوية شرقاً وبأسافل وادي ايناون غرباً. هكذا هو هذا الممر موقعا وموضعا، نقطة وصل بين مكونات طبيعية عدة وامتداد بيئي متباين بين مجال شبه جاف شرقا وآخر رطباً غربا. مع ما يسجل حول خاصية المنطقة من حيث تشكيلها البنيوي الذي سمح بممرٍ استراتيجي ظل تاريخياً وفي الحركية البشرية بغير بديل. ولعل ممر تازة جيولوجيا تعود نشأته للزمن الجيولوجي الثاني، وقد اجتاحته بحار وترسبت فوقه طبقات عملت الحركات التكتونية على رفع بنياته وتشكيل تموجاته وأجرافه، وهو ما سمح ببروز قاعدة زمن جيولوجي أول بشكل واضح في بعض أطراف جبال الأطلس، كما حال منطقة تازكة قرب تازة.

وبحكم موقعه ينتمي ممر تازة  لبنيتين جيولوجيتين، جزء تابع لكتلة الأطلس المتوسط وهو الأهم من حيث ارتفاعه وموارد مياهه وغطاءه النباتي. تكوينه قديم وبنيته بركانية وشيستية نشأت خلال الزمن الأول. أما تلال مقدمة جبال الريف شمالا كجزء ثان من بنية ممر تازة، فهي مكونة من رواسب تراكمت خلال الزمن الجيولوجي الثالث. ومجال تازة بمثابة وعاء شبه دائري منفتح على ممر تتوزع به مجاري مائية تنحدر من الجبال والتلال مُشكلة مجالا فاصلا بين حوض ملوية وحوض سبو. وتزيد تركيبة تضاريس المنطقة التي يغلب عليها طابع التقطع والتدرج، من صعوبة مسالك الاتصال والعبور خاصة من جهة الجنوب. وعليه، شكل هذا المنخفض(تازة) عبر التاريخ ممراً استراتيجياً بين شرق البلاد وغربها.

وغير خاف عن الباحثين المهتمين بالشأن الجيولوجي للمغرب، أن بداية العناية بالمعطى الطبيعي فيه تعود لمطلع القرن العشرين، عندما وضع “هنري بارير” خريطة للبلاد بمقياس واحد على مليون سنتيم. وقد انبنت هذه الوثيقة على جهد جغرافي كبير ومعطيات علمية هامة، سمحت بتكوين فكرة حول بنية المغرب التضاريسية. وكان “لويس جنتيل” أحد الجيولوجيين الفرنسيين الذي دعم ما عُرف بسياسة التهدئة عند ليوطي، قد أورد في تقرير له وصفاً دقيقاً للمنخفض الذي يفصل بين جبال الريف والأطلس المتوسط والذي يتوسطهما ممر تازة. مشيراً إلى أن المنطقة كانت مجالا بحرياً يصل البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي قبل انفتاح مضيق جبل طارق الحالي. وهذا الامتداد البحري في ماضي المغرب الجيولوجي الذي كان يغطي جزءًا من حوض ملوية وتازة وفاس وبلاد الغرب، هو ما أطلَقَ عليه إسم “مضيق جنوب الريف”(تازة).

وقد أبانت الدراسات الجيولوجية الاستكشافية حول مغرب السنوات الأولى للحماية الفرنسية، عن علامات طبيعية تخص هذا الاتصال الذي كان قائماً بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي عبر ما يُعرف حالياً بممر تازة، حيث النقطة الأكثر انخفاضاً فيما عُرف في جيولوجيا المغرب بمضيق جنوب الريف(مضيق تازة). وممر تازة الذي يتوسط مرتفعات وادي ايناون يقطع هذا الأخدود حيث تتراكب مقدمة جبال الريف والأطلس المتوسط، بمورفولوجية ناتجة عن تنوع البنية الصخرية وتوالي الحركات التكتونية، التي أصابت جبال الأطلس المتوسط بخلاف ما حدث في جبال الريف. وقد كان وادي ايناون عنصراً دينامياً في عملية البناء، ورسم أشكال المنطقة منذ عصر البليوسين الأسفل. كما تؤكد ذلك الدراسة المورفولوجية حول ممر تازة والتي انجزها د. بوشتى الفلاح الباحث في جيولوجيا المغرب.

 وقد اعتبرت الدراسات الأجنبية أن المغرب مجال مكون من جزئين متباينين، الأول يوجد جنوب خط فاصل يمر عبر ممر تازة وكان مرتبطاً بالقارة الافريقية، أما الثاني فيوجد شماله وهو سلسلة جبال الريف التي كانت متصلة بشبه جزيرة ايبيريا، هذا بشكل معزول عن افريقيا عبر مجال بحري Bras de Mer، كان يجمع بين البحر الابيض المتوسط والمحيط الأطلسي. وأن حوض استقبال المياه بممر تازة الذي كان امتداداً بحرياً(مضيقاً) قبل مضيق جبل طارق، هو مجال مغمور برواسب الزمن الجيولوجي الثالث يتسع كلما اتجهنا غربا مُشَكلا ما يُعرف بسهل الغرب بالمغرب. ويظهر على بعد حوالي 15 كلم غرب تازة مرتفع منتظم الامتداد باتجاه جنوب شمال. حيث تلتقي جبال الأطلس المتوسط بمقدمة جبال الريف، على شكل حاجز طبيعي يتوسط هذا الممر الذي يحتوي خانقا عميقا نتج عن عملية نحت وحفر بواسطة مياه وادي ايناون. ممر بأجراف شبه قائمة وعمق ما بين 450 و600 متر، شبيه بأجراف أخرى نجدها موزعة على روافد وادي ايناون، خاصة تلك المنحدرة من مرتفعات مجاورة لمنطقة تازكة.

ولعل مرتفع ما يُعرف محليا ب “اطواهر” من الناحية الجيولوجية، هو بمثابة نقطة إلتقاء بين تكوينين طبيعيين الأول يعود للزمن الجيولوجي الثاني”الجوراسي” والثاني يعود للزمن الجيولوجي الثالث، أما الخانق الذي يجري فيه وادي ايناون فيوجد في منطقة شستية. وانطلاقاً من تازة باتجاه الغرب يرتبط هذا الوادي ببنية جيولوجية متباينة، بحيث نجد تكوينات صخرية كلسية جوراسية هي جزء من الأطلس المتوسط على ضفته الجنوبية. أما شمالاً فهناك طبقات صلصالية ممتدة تعود للزمن الجيولوجي الثالث، نتجت بسبب عمليات تكتونية تشكلت على إثرها تلال بمسالك وعرة.

وإذا كان التكوين الجوراسي ومعه صخور الشيست والكًرانيت هو ما يميز مجال تازة في جزئه الجنوبي، فبشماله تظهر امتدادات صلصالية واسعة. وحول ممر تازة (مضيق تازة) من خلال الاهتمامات الاستعمارية الفرنسية مطلع القرن الماضي، فقد تمت الإشارة لارتباط بين حوضي ملوية وسبو عبر هذا المقطع الطبيعي الاستراتيجي. ويظهر الزمن الجيولوجي الرابع بمجال تازة من خلال تكوينات متباينة، حسب وضع التضاريس والانحدارات والأساس الجيولوجي وتركيبة الصخور، فضلا عن نوعية الحركات التكتونية وشبكة الهيدرولوجيا. ووَادِي ايناون الذي يُعد قاعدة تجمع جريان مائي ونقطة إلتقاء رواسب يعكس تطوراً جيولوجياً للمنطقة. ويُعد فج “زحازحا” على بعد حوالي خمسة عشرة كلم شرق تازة، نقطة عبور لهذا الممر(مضيق تازة). وخطاً لتفريق المياه بين حوض ملوية باتجاه الأبيض المتوسط، وحوض سبو عبر ايناون باتجاه المحيط الأطلسي. بحيث يمكن الوقوف على تباين مجالي يجعل من هذه الأعالي (تازة)، امتداداً لتلاقي جيولوجي ومناخي بين نقطتين جبليتين، فج زحازحا شرقاً بعلو 547م، وفج اطواهر بعلو 556م غرباً.

 وممر تازة (ضمن مضيق تازة في سياقه وبناءه الجيولوجي) الذي يتوسط مرتفعات وادي ايناون، هو بطول حوالي 40 كلم من الشرق إلى الغرب وعرض يصل لحوالي 10 كلم. على مستوى مجاله الجنوبي هناك مرتفعات جبال الأطلس التي تستوطنها قبيلة غياتة، وبشماله توجد منحدرات تلال مقدمة الريف حيث قبيلة البرانس واتسول. وبسبب العمليات التكتونية تظهر رواسب بتكوينِ حديثِ ناتجة عن تعرية قديمة بجزء ضيق من هذا المجال، الذي كان يُعرف بمضيق جنوب الريف(مضيق تازة) حيث كثرة الرواسب المغطاة بالفرشات المائية. مع أهمية الإشارة إلى أن ممر تازة هو مجال طبيعي فاصل بين مشهدين ايكولوجيين، الأول ذو خاصية متوسطية من جهة الغرب والثاني جاف له علاقة بهضاب المغرب العليا شرقاً. وجيولوجياً تعود الرواسب الطينية السابقة الذكر من حيث تكوينها لعصر الميوسين، متى كان يلتقي المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط على مستوى ممر تازة(المضيق). الأكثر ارتباطاً بالجزء الغربي من المغرب حيث الرطوبة والانفتاح على المحيط الأطلسي، بدليل اتجاه جريان المياه ومعدل التساقطات المطرية الهام. ووادي ايناون الذي يجري في هذه البنية، يرسم حول الجبل الذي تحيط به مرتفعات اطواهر منعرجات عميقة تبلغ 50 متراً على امتداد حوالي 5 كلم تقريباً. ومن حيث تحديدها الجغرافي توجد تازة(الممر) بين خط طول أربعة درجة فاصلة عشرة، وأربعة درجة فاصلة ثلاثين غرب خط اكًرينتش، وبين خط عرض أربعة وثلاثين درجة وأربعة وثلاثين فاصلة خمسة عشرة شماله.

   وهذا الممر الشهير في المجال المغربي بتازة وضمن هذه المرتفعات التي يتوسطها، يشكل حداً فاصلا بين بنيتين مورفولوجيتين، شمالا هناك مقدمة جبال الريف وجنوباً هناك جبل تازكة ومعه الأطلس المتوسط الشمالي الشرقي. أما جيولوجياً فيمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين تخصان هذا الممر، أولا ما يلاحظ حول بنية الطبقات الجيولوجية تحديداً الجزء المرتبط بجبال الأطلس المتوسط، حيث يظهر غياب جيولوجي بين عصر الجوراسي الأوسط وعصر الميوسين. وثانياً ما يهم مقدمة جبال الريف شمالا كبنية رسوبية تبدأ من الزمن الجيولوجي الأول إلى غاية الثاني. وقد ظلت هذه المرتفعات بأهمية استراتيجية منذ القدم، بحيث لم يتم اختراقها إلا عبر منخفض ضيق يجري فيه وادي ايناون حيث تازة، كوعاء بعدة مجاري مائية قادمة من الجبال شمالا وجنوباً وشرقاً. وبقدر قيمة هذه المرتفعات(تازة) من الوجهة الطبيعية والاستراتيجية، بقدر ما كانت ممراً برياً مثيراً جاذباً بلا بديل عبر التاريخ.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

 

إلغاء الاشتراك من التحديثات