تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من الجغرافية الاستعمارية الى جغرافيا التنمية المستدامة بالمغرب على امتداد حوالي مائة سنة، هو ما ارتأته مؤسسة علي يعته موضوعا ومساحة جدل لندوة علمية بشراكة مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط الثلاثاء 27 فبراير الجاري. ندوة استهدفت فضلا عن زخمها التراكمي العلمي المفاهيمي التطوري، ثقافة اعتراف تكريما منها لجغرافيين مغاربة كانوا بأثر في تطوير وإغناء سؤال الجغرافيا وتجلياتها اشكالاتها البحثية بالجامعة المغربية عبر عقود من الزمن، فكانت أعمالهم العلمية بدور على عدة مستويات منها تأهيل أرياف البلاد ومدنها، فضلا عن إحداث جملة تغييرات كانت بأثر في التنمية البشرية والمستدامة. وبحسب ورقة الندوة الموقعة من قبل الأستاذ الباحث موسى كرزازي عن اللجنة التنظيمية، عضو المجلس الاداري لمؤسسة علي يعته وأستاذ التعليم العالي الفخري بجامعة محمد الخامس بالرباط. كانت الجغرافيا بعدة منعطفات وتطورات بالمغرب منذ مطلع القرن الماضي، عندما برزت مع فترة الإعداد الفرنسي لاستعمار البلاد، وهو ما احتضنته المؤسسة الاستعمارية الفرنسية واعتبرته منذ نشأته كأداة عملية وفعالة لاستكمال احتلال جهات البلاد في مرحلة أولى، فضلا عن التخطيط لاستغلال مواردها البشرية وثرواتها الطبيعية. ليطلق على جغرافيا هذه الفترة مصطلح “الجغرافية الاستعمارية” خلال فترة الحماية 1912-1956، اثر خضوع كافة الجغرافيين آنذاك للمؤسسة الاستعمارية التي من جملة ما سطرت من أهداف وفق استراتيجيتها، وبحسب سياق التوسع الاستعماري في الزمان والمكان، البحث عن المعلومة من الميدان في المجال والتراب (التعرف على الطرق والمسالك مواقع الثروات الطبيعية)، ثم على البنيات الاجتماعية (القبائل)، فضلا عن اختيار المجالات القروية لدراسة مجتمعاتها وطرق عيشها ونقط قوتها وضعفها، قبل انتهائها بمرحلة تأطير الاستعمار بإدارته وموارده البشرية وتقييم نتائج الاحتلال.
في هذا الإطار، تدخل سياسة المقيم العام ليوطي وركائزها التي استهدفت السيطرة على المجتمع عبر التحكم في المجال، بواسطة “العلم”، وفي مقدمته الجغرافيا كأداة لإنتاج المعرفة الجغرافية التطبيقية. وهكذا ظهرت وبرزت وتبلورت جملة نظريات استهدفت تأطير التدخل الاستعماري من خلال اشتغالها على سياسة فرق تسد”، من خلال مقولات المغرب النافع وغير النافع والقطاع التقليدي والعصري، والمدينة العتيقة والمدينة العصرية”، وإبراز “تمايزات وتناقضات في المجتمع”بلاد السيبة” و”بلاد المخزن”. الا أنه رغم غلبة وهيمنة تيار الجغرافيين الرسميين الذين كانوا يخدمون سياسة واستراتيجية الاستعمار الفرنسي خلال فترة الحماية، بحيث بصموا التخصص الجغرافي بسمات ظلت حتى مرحلة ما بعد استقلال البلاد، فإن فئة من الجغرافيين “التقدميين” خرجت عن المدرسة الجغرافية الاستعمارية، منهم الباحث الجغرافي (جون دريش) الذي لم ينخرط في الجمعية الجغرافية التي خلقتها واحتضنتها الإدارة الاستعمارية؛ بل انخرط في صف الباحثين الفرنسيين الذين اشتغلوا باستقلالية عملية، ونزاهة فكرية مناهضة لأساليب الاحتلال الفرنسي وشركاته الاحتكارية، بحيث ساندوا الشعب المغربي في نضالاته وتطلعاته ومطالبه في الاستقلال. وهكذا بعد استقلال البلاد تكونت نخبة من الجغرافيين الوطنيين رغم ما كانوا عليه من تأثر بالجغرافية الاستعمارية كمنهج وأدوات وتقسيمات، تمكنوا من إعداد أطروحات على درجة عالية من المصداقية والقيمة المضافة في مجال البحث العلمي، منها أطروحة دكتوراه الدولة للمرحوم الأستاذ أحمد الغرباوي والتي كانت الأولى في هذا الاطار، تلك التي فتحت عهدا جديدا تعزز بعدد من الباحثين المغاربة استهدفوا بأعمالهم البحثية تقويم مسار الجغرافيا وتخليصها من طابعها الاستعماري، وجعلها تخصصا ومجالا داعما رافعا للتنمية البشرية والمستدامة ومن ثمة للإنسان.