تازة بريس
في بداية هاته السنة، أصدرت منشورات مرسم بالرباط كتيبا أنيقا ومشوقا للاستكشاف تاريخ الأسطرلابات عبر نصوص وتحف تاريخية. كان الدافع الأول لتأليف هذا الكتاب هو الرغبة في تفحص مكونات أسطرلاب فريد من نوعه نقش على ظهره ما يلي “صنعه علي بن ابراهيم الحرار موذن تازى حرسها الله سنة ذكح“، أي 700 و20 و8 للهجرة، الموافق لـ 1327-1328 م. علما أن مؤلف هذا الكتاب هو الأستاذ الباحث محمد حيلوط ابن مدينة تازة القاطن بالديار الفرنسية. ولفهم خصائص هذا الأسطرلاب الكوني كان لا بد من شرح الأسطرلابات الكلاسيكية، والتي سميت كذلك ذات الصفائح، ما أدى بالمؤلف إلى تقديم أسطرلاب رائع صنعه أبو بكر بن يوسف بمراكش في مطلع القرن السابع الهجري. ويكتشف القارئ أن العينات الأولى للأسطرلاب كانت كروية. لذا أطلق عليها القدامى إسم ذات الحلق (مقدمة إبن خلدون مثلا). وذروة الإعجاب هي اكتشاف أن الطوسي أبدع أسطرلابا خطيا يسمى “عصا الطوسي”. ولا تنحصر أنواع الأسطرلاب في مثل هاته الإختراعات المتنوعة، بل هناك كذلك ربعيات أسطرلابية متعددة التقنيات سيكتشفها القارئ بهذا الكتاب. فتاريخ الأسطرلابات مليء بالمفاجئات.
لشرح بعض استعمالات هاته الآلة الرائعة، يعود بنا المؤلف إلى مدرسة الاسكندرية فيبدأ بتقديم نص قصير لبطلميوس يتطرق فيه إلى تركيب حلقات الأسطلاب الكروي، تليه ترجمة إلى العربية لأقدم مقالة تشرح كيفية استخدام أسطرلاب كلاسيكي. وترافق هاته الترجمة صفائح أسطرلاب صنعه أحمد بن خلف في بداية القرن الرابع للهجرة للأمير جعفر إبن الخليفة المكتفي بالله. والأهم من هذا كله هو ما يقدمه الكتاب من رسومات بيانية تحمل ترقيما عصريا وشرحا مفصلا لكل ما يحتويه ظهر ووجه الأسطرلاب. ولا يكتفي المؤلف بهذا إذ يقدم لنا لائحة بكل التحف الأندلسية والمغاربية المحتفظ بها عبر العالم والتي يناهز عددها المائة قطعة. ويقترح الكتاب القيام بأشغال تطبيقية لتعم الفائدة: يُقدم الصيغ الرياضية التي تمكن القارئ من صنع أسطرلابين : أحدهما كلاسيكي والثاني كوني. ومن ليس لهم مهارات كافية لفهم هاته الصيغ، يقدم الملحق الأول رسومات يمكن نسخها على ورق مقوى أو على أي مادة أخرى لصنع هذين الأسطرلابين واستخدامهما لتتبع ما ورد بالكتاب من شروحات. وهاته هي النقط الرئيسية التي يتطرق إليها الكتاب الذي يحضر في المعرض الدولي للكتاب المنظم بالرباط في الفترة ما بين 9 و19 ماي الجاري، من خلال توقيع وقراءة خاصة له بهذه المناسبة.