تازة بريس
في عدد من تجلياته وتفاعلاته وظواهره وتداخل جدله وأثاثه الانساني الحضاري والثقافي والسياسي، يبدو العالم ضمن صورة أزمة بمساحة متغيرات وتدفقات مقلقة على أكثر من مستوى. ذلك الذي يتم استغلاله من قبل هذه الجهة وذاك هنا وهناك. حتى لو كانت هذه الصورة بتصدعات وتشوه مثير للسؤال، بسبب ما هو كائن من أوجه أزمات مخيفة وتصاعد نزاعات مفتوحة يصعب معها كل تنبؤ بنهاياتها ونتائجها، في غياب ما ينبغي من اجراء وبادرة وتدخلات ومقاربات سياسية وجيوسياسية لوقف كل نزيف واستنزاف.
عبارات واشارات وغيرها، وردت في مستهل ورقة ندوة موسومة ب”التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، التي ارتأت الجامعة الأرومتوسطية EUROMED بفاس حضنها ومقاربتها وتقاسم جدلها يوم الأربعاء 31 ماي الجاري، ضمن عمل وبادرة مشتركة مع الايسيسكو ICESCO. ولعل ايقاع العالم ووضعه- تضيف ورقة اللجنةالمنظمة للندوة- لا يؤثر فقط على ما هناك من مجتمعات وثقافات وبيئة حاملة محيطة، بل ايضا على كيان الانسان نفسه ومعه انسانية انسان يبدو أفقها بغير ما ينبغي من وضوح رؤية، لدرجة غموض متزايد ممتد. صورة وغيرها تدفع الباحث والمهتم والمتتبع، للسؤال حول درجة قدرة انسان عالق في متاهات عالم بأزمات ومنطق نزاعات باتت مقلقة، وحول درجة قدرة انسان على ما ينبغي من عمل تخطيط واستشراف مستقبل، وحول ايضا طبيعة علاقة بزمن باتت إشكالا مطروحا. فهل استسلم الانسان لهذا الكائن من تجليات أزمات عالم باعتبارها نتيجة حتمية غامضة الى حين، أم هناك محاولات لإعادة بناء وترتيب عالم وفق عقلانيات جديدة.
سياق تستحضر فيه ورقة ندوة”التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، سؤال المصالحة بين الانسان والعالم والزمن ومع هذه المصالحة رؤية وطرح”هارتموت روزا” الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني، وتأملاته حول ما هناك من مفارقات وسعي محموم نحو سيادة وعالم وعيش وسلام، وحول ما هناك من درجة قيم انسانية وانصات والتفات. فضلا عما هناك من خوف وهاجس انجراف نحو عدم مستقر واستقرار وفوضى تروم مصلحة ما وهيمنة ما. هكذا ترى انشغالات الانسان بعالمه، أنه حان الوقت للتفكير بشكل مختلف فيما هناك من علاقات تحكم هذا الانسان بهذا العالم، بعيدا عما هناك من أنماط سياسية واقتصادية ومالية وصناعية وتكنولوجية، تسببت في ما هناك من اضطراب وعدم استقرار. وعيا بكون ما تمر به البشرية من نزاعات هنا وهناك، يشكل سياقا وفرصة لتوحيد نفسها وإعادة القيم لصميم مستقبلها وروح تطلعات، تخص قيم عيش مشترك وحوار وتسامح وتعاون. مع سؤال النموذج الذي يمكن اعتماده في العلاقة مع الآخر من الأنسان والعالم والحضارة والتفكير والزمن، في أفق كل سلم وسلام رافع داعم، وكذا سؤال سبل استثمار ما هناك من زمن أزمات من اجل تعزيز انتقال الأنسان والبشرية وايقاع عالم صوب رؤى جديدة ومتجددة.
أسئلة وغيرها، تشكل مساحة نقاش وتطارحات يؤطرها ويتقاسمها أساتذة باحثون متخصصون ودارسون خبراء في المجال ضمن ندوة “التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، كل من الأستاذ مصطفى بوسمينه من خلال مداخلة بعنوان”لغز الزمن”، وهو عالم كيميائي- فيزيائي مغربي ورئيس الجامعة الأرومتوسطية بفاس، ومستشار أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات بالمغرب ورئيس شبكة الأكاديميات الافريقية للعلوم، ساهم في تحرير ثلاثة صحف علمية دولية وصنف ضمن صفوة الباحثين عالمياً عام 2020 من قبل جامعة ستانفورد الأمريكية، ولعله من العلماء المغاربة الأكثر تأثيراً في مجال البحث العلمي على الصعيد الدولي. بمساهمات مهمة في فيزياء الأنظمة البوليمرية متعددة الأطوار.
أما المحلل النفسي جليل بناني في ندوة الجامعة الأرومتوسطية بفاس، فسيعرض لموضوع موسوم ب”في مصادر الانزعاج المعاصر”، ولعل الأستاذ جليل بناني هو طبيب ومحلل نفسي مغربي. يعمل منذ عقود من الزمن من أجل نقل التحليل النفسي إلى المغرب مع مواصلة البحث في تاريخ هذا المجال، يعمل منذ سنوات على توجيه البحوث في علم النفس بجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس، وهو عضو مشارك في مركز التحليل النفسي “الطب والمجتمع” بجامعة باريس ديديرو. فيما الاقتصادي الباحث ادريس خروز، فقد ارتأى سؤالا مفتوحا في مداخلة بعنوان “بين القلق والنشوة.. أي رؤية للوقت لأي مستقبل”، ورغم تخصصه في علم الاقتصاد، فالأستاذ خروز عاشق للفكر والثقافة والفنون والانسانيات بجميع أشكالها، عمل مديرا للمكتبة الوطنية واختير لرئاسة مؤسسة روح فاس وإدارة مهرجانها الشهير للموسيقى الروحية. أما الأستاذ محمد زين العابدين مدير قطب الاتصال والثقافة في الإيسيسكو، فقد ارأى في مداخلته مناقشة جدل”الفن بلا تفكير سياسي”، وضمن برنامج ندوة فاس العلمية بالجامعة الأرومتوسطية هذه، سيعرض الأستاذ عزالعرب لحكيم بناني في مداخلته لـ”ظواهر الزمن الحميمة: كيف نريد تغيير العالم في الوقت الذي غيّرنا فيه العالم”. وهو باحث مغربي وأستاذ الفلسفة التحليلية وفلسفة الدين في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس.
جدير بالاشارة الى أن ندوة “التفكير في الوجود والعالم زمن الأزمات”، هي بتأطير وتدبير من الأستاذ الباحث والأديب والسيميائي والناقد عبد الرحمن طنكول الغني عن التعريف، فهو عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز بفاس ورئيس جامعة بن طفيل بالقنيطرة سابقا وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالجامعة الاورومتوسطية بفاس حاليا.