تازة بريس

عندما رافع المجتمع المدني التازي من أجل تضمين إسم تازة ضمن الجهة ..

-

تازة بريس

عبد السلام انويكًة

دينامية سياسية واقتصادية ومجتمعية وثقافية وتنموية، انخرط فيها مغرب دستور 2011 الذي نص في بعض فصوله على أفق جهوية جديدة من اجل ديمقراطية تشاركية مجالية، تاركاً الفصل فيما ينبغي من دور تنموي لها لنصوص تشريعية مؤطرة، وهو ما بلورته خطب ملكية عدة ومقاربات سياسية قانونية حقوقية. وكان رهان المغرب من هذا الورش الوطني، استثمار ما هناك من تراكمات لتوسيع اختصاصات جهات البلاد من خلال إعادة تركيب بنياتها. وهو ما تأسس على أهمية تجاوز تمركز الادارة من جهة وعلى مفهوم الجماعات الترابية عوض المحلية من جهة ثانية. هكذا تقلص عدد جهات البلاد إلى 12 جهة وفق تقاطب اقتصادي ومفهوم مجالي تضامني، ضمن سياسة توازن وتناسب وتجانس. واذا كان تقرير اللجنة الاستشارية التي تكلفت بهذا الشأن قد ألحت على نهج سبل دمقرطة تشاركية، فعمليا لم تقع استشارة من هم بدور وسيط بين المؤسسات والمواطنين، تحديدا المجتمع المدني باعتباره رافعة مغرب جديد بقوة نص الدستور.

بهذه الاشارات قبل ثمان سنوات بالتمام والكمال، استهل نسيج جمعوي تازي في لقاء جامع له، مذكرة مطلبية استهدفت تضمين مدينة واقليم تازة في اسم جهة الانتماء الجديدة أي جهة “فاس مكناس” الحالية، وقد تم رفع هذه المذكرة لعدد من الجهات منها الديوان الملكي ورئاسة الحكومة والبرلمان والوزارة المعنية بالمجتمع المدني آنذاك وكذا لوالي الجهة وعامل اقليم تازة. مذكرة استحضرت تجربة وحصيلة التقسيم الجهوي(جهة تازة الحسيمة تاونات) (1997)، وما طبعها من ضعف قطب وتباين تفاعل ترابي، بسبب ثقل طبيعة صعبة ومجال باختلاف ثقافي، جعل نخب السياسة والاقتصاد بإسهام وأدوار باهتة غير مقنعة في بناء الجهة الانمائي، دون بلوغ ما كان منشوداً من انصاف ترابي وتوزيع عادل للموارد. وكان ما زاد من عدم توازن وتقاسم سبل التنمية بين اقاليم هذه التجربة الجهوية تازة الحسيمة تاونات، ما خلفه زلزال الحسيمة من تداعيات جعلت هذه الأخيرة تستأثر بأوراش مهيكلة عدة، جمعت بين وحدات انتاج ومرافق خدمات عمومية فضلاً عن احتضانها لمقر الجهة. ليكتفي اقليم تازة بتسمية رمزية لا غير ووعود تنمية دون انجاز بطابع جهوي على أرض الواقع، ليكون بذلك هذا الاقليم ضحية تقسيم ترابي لا منسجم ولا منصف، بقدر ما أدى ثمنه غاليا وتحمل ما كان بتأثير على ديناميته وتطلعاته وساكنته، بقدر ما شهده من تراجعات معبرة ظهرت جلية في استقرار هشاشة بنياته مع خصاص بمستويات متعددة ظل يطبع مجالاته الى غاية تقسيم جهوي جديد (جهة فاس مكناس).

إن خاصية جهة الانتماء الجديدة- تضيف مذكرة منسقية النسيج الجمعوي التازي في ذكراها الثامنة، والتي تم الحديث فيها عن أقطاب حضرية متكاملة الموارد، بقدر ما أعادت ارتباطا رمزيا تاريخيا واقتصاديا بين تازة وفاس، بقدر ما حمل إقصاء تازة من تسمية الجهة ولو رمزيا اقبارا لفرص نماء اقتصادي واجتماعي تشاركي جهوي. ما اقتضى آنذاك ترافعاً من قِبل النسيج الجمعوي التازي لابراز ما يحتويه الاقليم من موارد رافعة للجهة الجديدة، ومن ثمة ابراز جوانب غنى هامة وواسعة وتنوع وتعدد مشاهد بيئة تزخر بها البلاد، مع ما يمكن أن يترتب عن تركيز الاهتمام بالقطبين فاس ومكناس من ابتلاع لأقاليم تابعة وطمس مقدرات ترابية وبشرية وثقافية عدة، قد يؤدي إلى اضعاف مناطق واقاليم ومدن لها وقعها وموقعها، وأنه عوض تحقيق لا مركزية ولا تمركز تتعمق معه رهانات الجهوية ونماء اقطاب الجهة، قد يكون السير عكس المنشود من اهداف مشروع التقسيم الجهوي. هكذا ترافع مكون المجتمع المدني ممثلا في النسيج الجمعوي التازي برئاسة الأستاذ نور الدين حدو قبل ثمان سنوات، من أجل رد الاعتبار لمدينة من أعرق مدن المغرب ولإقليم هو من أقدم الاقاليم المغربية، عبر تضمين اسمه ضمن تجربة جهوية جديدة، بعد ما حصل من حيف في تجارب ترابية سابقة ضاعت معها فرص تنمية محلية، أو اختيار إسم آخر أكثر تعبيرا وتناسبا مع خصوصيات وضع مجالي سوسيواقتصادي وتاريخي، لِما لكل هذا وذلك من رمزية إدارية وثقافية تعني الكثير بالنسبة لساكنة اقليم.

وكانت منسقية النسيج الجمعوي التازي ضمن أنشطتها فضلاً عن دورها الترافعي الجهوي الذي انشأت من أجله، قد انفتحت على مواعيد احتفاء اجتماعية وتكوينية وثقافية وفنية عدة منها ما هو بطبيعة بحثية رافعة للتنمية المحلية، وفي هذا الاطار تعريفاً منها ببعض أوجه البحث الانساني والاجتماعي على مستوى المؤسسة الجامعية جهوياً، وتثميناً منها أيضاً لِما تم إعداده من أطروحات حول تاريخ وتراث تازة وذاكرتها من قِبل ثلة من أبناء المنطقة، ووعياً منها بما لهذه الموارد من الزمن والثقافة والفكر والدراسة من أثر ايجابي داعم لِما هو منشود تنموي محليا، وبما على عاتق المجتمع المدني من مسؤولية باعتباره حلقة وصل بين عدد من الجهات والمكونات والقضايا. وعياً بكل هذا وذاك نظمت منسقية النسيج الجمعوي التازي قبل سنوات ندوة علمية جهوية، ارتأت من خلالها وقفة تأمل وابراز واستثمار لتراكمٍات بحثية تخص المنطقة، وكذا قراءة جهدٍ أكاديمي بقدر كبير من الأهمية والرمزية في علاقته بالجهة والجهوية والتنمية المحلية.

وبقدر ما جاءت ندوة: تازة هذه : التاريخ ..الأبحاث العلمية.. والذاكرة، وعياً من منسقية النسيج الجمعوي التازي بما للدراسات الانسانية من قيمة مضافة لورش الجهة والجهوية كهوية ترابية وزمن وانسان وأفق، بقدر ما جاءت تثميناً لأبحاث تاريخية تم إعدادها بكلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس وظهر المهراز فاس حول تازة وجوارها، مع أهمية الاشارة لِما كان لهذا الموعد العلمي الجهوي من رهان في إبراز مكانة تازة في ذاكرة المغرب، وكذا أهمية ماضي المدينة والمنطقة ككل في خدمة حاضرها ومستقبلها، وعيا بكون ما هو رمزي من موارد الزمن هو أيضا رافعة للتنمية المحلية. ندوة تازة هذه التي عقدت بتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، احتفت بست أطروحات كان قد أشرف عليها الدكتور سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، والذي أشار في كلمة له بالمناسبة الى أن فعل المجتمع المدني يعد رافعة بقدر كبير من الأهمية، يمكن الرهان على خبرته وخياراته وأنشطته وبادراته، مؤكداً أن ندوة تازة هذه : “التاريخ ..الأبحاث العلمية.. والذاكرة” عكست وعي مجتمع تازة المدني بمحيطه الجهوي، وأن بانفتاح الفعل الجمعوي على البحث العلمي ومؤسساته أبان عما ينبغي أن يكون من علاقة تواصل وانفتاح عملي، بين الجامعة ومحيطها وبينها وبين الفعل الجماعي محلياً وجهوياً. مضيفا أنه باختيار منسقية النسيج الجمعوي التازي لسؤال الذاكرة المحلية، أبانت عن نضج ووعي رفيع بما هو زمن وتراث وانسان وتراث مادي ولا مادي في التخطيط والإعداد الترابي لِما هو انمائي محلي وجهوي. مؤكدا أن تاريخ تازة ومحيطها هو بغني واسع ومتشعب وأن اسهامات المنطقة عبر أزمنة البلاد، هي بقيمة هامة جاذبة لفعل البحث العلمي في هذا المجال، خاصة ما كانت عليه المنطقة خلال فترة الحماية وما طبعها من أحداث ووقائع وتفاعلات ومقاومة مسلحة وعمليات جيش التحرير. بعض منها هو توجه اليه جهد وتنقيب وتحليل وتوثيق الأطروحات الجامعية الستة المحتفى بها، لتوفير مادة تاريخية علمية واغناء لخزانة المدينة بنصوص محفزة من اجل مزيد من البحث والدراسة.

أطروحات حفل تازة العلمي الجهوي الذي نظمته منسقية النسيج الجمعوي التازي، توزعت على رصد ما حصل من تحولات مجالية اقتصادية واجتماعية بتازة ومحيطها زمن الحماية، كذا طبيعة وأنماط علاقة السلطة بقبائل المنطقة من خلال دراسة السياسة الاستعمارية القايدية. وكانت منطقة تاهلة ومغراوة محور دراسة توجهت بسؤالها لمسألة الشؤون الأهلية في مخطط السلطات الفرنسية منذ فرض الحماية على البلاد، ومن الأعمال المحتفى بها من قارب موضوع المقاومة المسلحة وجيش التحرير بالمنطقة، كذا أعالي ايناون بإبراز صورة هذا المجال ومعه ممر تازة في رهان وحساب فرنسا الاستعماري بالمغرب. ولعل للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يعود فضل نشر هذه الأطروحات الستة التي تمحورت حولها ندوة تازة هذه ضمن خيار هادف اعتمدته منذ سنوات، وقد أغنت به خزانة البلاد التاريخية بعشرات الإصدارات التي ملأت بها بياضات ووسعت وعاء نصوص ووثائق لم تكن في متناول الباحث سابقاً. وتثميناً لتوجه المندوبية السامية هذا واحتضانها ونشرها لأبحاث جامعية تخص تاريخ تازة، ارتأت منسقية النسيج الجمعوي التازي في بادرة كانت الأولى من نوعها قبل سبع سنوات، قراءة هذه الأعمال والاحتفاء بها رفقة باحثين وفاعلين جمعويين محليين ومهتمين ومثقفين ومبدعين واعلاميين.

وكانت ندوة تازة هذه قد خلصت لجملة توصيات منها سؤال مآل أرشيف المدينة ووضعه الحالي وسبل رد الاعتبار له كإرث لامادي، مع أهمية طبع الأعمال العلمية التي تهم المنطقة حتى لا تبقى عالقة في الرفوف هنا وهناك، مع التحفيز على التأليف حولها فضلاً عن إحداث مركز محلي للبحث في التراث وتحقيق استمرارية ملتقى تازة العتيقة. ولعل ندوة تازة “التاريخ والأبحاث العلمية والذاكرة” هذه، تعد واحدة من بصمات منسقية النسيج الجمعوي التازي في ذكراها الثامنة، تلك التي تأسست سنة 2015 كوعاء تنظيمي غير مسبوق بحوالي ستين جمعية وفيدرالية وودادية أحياء على مستوى اقليم تازة، للقيام بما ينبغي من أنشطة تنموية رافعة للاقليم في مجالات الثقافة والرياضة والمجتمع والبحث والاستثمار..، فضلاً عن مهمة التنسيق بين مختلف اطاراتها من خلال برامج عمل مشترك. وكانت منسقية النسيج الجمعوي التازي قد جاءت ضمن مكتسبات دستور2011 وما تعلق بأفق تجربة جهوية موسعة، استهدفت تعزيز مسار لامركزية ولا تمركز على عدة مستويات، مع إعطاء صلاحيات أوسع للجهات في مجالات الادارة والمبادرة والاقتصاد والمجتمع والثقافة. الى جانب سياق عام ارتبط بدينامية المجتمع المدني وأدواره كقوة اقتراحية داعمة للتنمية، وهو ما تعزز بترسانة قانونية ثمنتها منسقية النسيج الجمعوي التازي في وقتها ودعت لتفعيلها، خاصة منها قانون العرائض واقتراح مشاريع قوانين على البرلمان والهيئات المنتخبة.

إلغاء الاشتراك من التحديثات