تازة بريس

ضرورة إلغاء الساعة الإضافية بالمغرب بعد أربع سنوات من الاعتماد..

-

تازة بريس

عبد اللطيف جنياح

مرت زهاء أربع سنوات على اعتماد الحكومة المغربية للتوقيت الإداري الذي تضمن إضافة 60 دقيقة إلى الساعة القانونية، بموجب المرسوم عدد 2.18.855  الصادر في 26 أكتوبر 2018، المنشور بالجريدة الرسمية عــدد 6720 مكرر بتاريخ 27/10/2018 ، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 28/10/2022 ولازال ساري المفعول إلى اليوم . واتسم هذا المرسوم بالتجاوز في استعمال السلطة وغياب السند القانوني ، فضلا عن خرقه للمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية، وتعارضه مع أهداف بناء دولة القانون والشعارات الرسمية والمعلن عنها، والمتعلقة بخدمة وحماية المصلحة العامة للمواطنين .

وإذا كانت الغاية من التشريع هي تحقيق التوازن على المستوى السياسي والاقتصادي  والاجتماعي، من خلال إصدار تشريعات توقعية ومعيارية، مطابقة للدستور وللمواثيق الدولية وللقانون الدولي الإنساني، وانسجاما مع إرادة المشرع الدستوري من خلال المبادئ المنصوص عليها  في دستور 1 يوليوز 2011 ، فإن المرسوم عدد 2.18.855 الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 2018  قد شابته عدة عيوب وبيان ذلك في ما يلي :

أولا:  تجــــــــــــــــاوز السلــــــــــــطة :

 حيث أن المرسوم المنظم للتوقيت الإداري الجديد قد اتسم بالشطط في استعمال السلطة وتجاوزها، باعتباره صدر عن جهة لا تنعقد لها الولاية لإصدار المقررات التنظيمية لتغيير التوقيت المعمول به المحدد بالتراب الوطني بواسطة مرسوم ملكي، وباعتبار أن الجهة المصدرة لهذا المرسوم، اعتمدت في تأسيسه على المرسوم الملكي عدد 455.67 الصادر بتاريخ 23 صفر 1387 الموافق لـــ 02 يونيو 1967، والذي نصت فقرته الثانية من فصله الأول على وجوب تغيير التوقيت بنفس المرسوم الملكي المحدد للتوقيت القانوني للمملكة ، وهو ما يغل يد الحكومة عن إصدار أي مرسوم لتغيير التوقيت القانوني للمملكة، وبذلك تكون الحكومة قد خرقت مقتضيات الفقرة الثانية من المرسوم الملكي المذكور ، التي لا تسمح لها بتاتا بإصدار أي مقرر تنظيمي لتغيير التوقيت القانوني المعمول به عبر التراب الوطني والموافق لتوقيت كرينتش.

ولهذا فإن إضافة ستين(60)دقيقة إلى التوقيت القانوني وبمقتضى الفقرة الثانية من المرسوم الملكي المومأ إليه أعلاه، يجب أن تتم بموجب مرسوم ملكي وليس بمرسوم  حكومي، استنادا لوجوب صدور القوانين عن الجهة المختصة، وتكريسا لمبدأ تراتبية القوانين. هذا بالإضافة إلى انحراف السلطة التنفيذية عن منحى التشريع ودورها ومهمتها في حماية الحقوق والحريات، وتحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، باعتبار أنه من المفروض على السلطة التنفيذية، وفي إطار مباشرتها التشريع الفرعي الموكول إليها استثناء لدواعـي التسييـر الإداري، وبمناسبة إعداد المقررات التنظيمية، أن تراعي المصلحة العامة التي تعتبر أصل التشريع ومناطه وغايته.

 وإذا كانت الحكومة قد بررت مرسوم إضافة ستين (60) دقيقة إلى الساعة القانونية، بكونه يندرج في إطار المحافظة على الطاقة والاقتصاد في استهلاك الكهرباء خصوصا، والتخفيض من تكلفة  مختلف أنواع  الطاقة، فإن هذا التبرير يتنافى مع الواقع ويستوجب الإبقاء على الساعة القانونية دون تغيير، بدليل أن الشروق يتم في وقت متأخر خلال فصل الشتاء يبلغ  مداه خلال شهر دجنبر  إلى الساعة 8:42 صباحا،  ويتجاوزها في مناطق أخرى من تراب المملكة، وهو ما  يفرض على جميع الشرائح الاجتماعية أطفالا متمدرسين وآباء وأمهات وعمالا وموظفين  ومرتفقين وغيرهـــــــم، الاستيقاظ تحت جنح الظلام والتوجه إلى العمل وولوج المدارس  ومقرات العمل  قبل الشروق، وكل هذا  يؤدي إلى الرفع  من استهلاك الطاقة بجميـع أنواعها، فضلا عن أن الحكومة  لم  تكشف  عن مصير  الدراسة  العلمية  ونتائجها  التي  كلفت بها مركزا للدراسات والأبحاث، وأصدرت مرسومها دون الاستناد  إلى نتائج  هاته الدراسة  في الوقت الذي بادر فيه الاتحاد الأوربي إلى توسيع مشاوراته وتعميق دراساته حول انعكاسات التوقيت الصيفي واتجهت أغلب بلدانه إلى التراجع عنه واعتماد التوقيت  البيولوجــي.

ثانيــــــــــا :  غياب   السنـــــــــــد القانوني:

وإذا كانت الغاية المتوخاة من الأمن القانوني هي ضمان إصدار تشريعات متلائمة مع الدستور، ومع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما يكفل حماية  الحقوق والحريات من الآثار السلبية  والقانونية، التي تنتج عن التشريع عن طريق  إصدار قوانين أو مراسيم تتسم بالتراكم  وعدم  التجانس، والتي  يترتب عنها  فقدان  الثقة  المشروعة  في  الدولة  وقوانينها، فإن المرسوم المنظم للتوقيت الإداري الجديد قد شابه عيب الأمـن القانونـــــي، ويبقى مفتقرا لشرط المعيارية الذي يجب أن يسود التشريع  وذلك لعدم أخذ هذا المرسوم بعين الاعتبار عوامل الاستقرار والملاءمة والمرونة، كخصائص تميز المعيار القانوني، فضلا عن انتفاء شرط الولوج إلى المرافق العامة، خاصة بالنسبة للمرتفقين البعيدين عن هاته المرافق.

ثالثا: خـــــــــــــــرق الدستور:

حيث شكل المرسوم المنظم للتوقيت الإداري الجديد خرقا للمبادئ الدستورية التي تنص على حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وتمنع المس بأمنه الاجتماعي والاقتصادي وأمنه الصحي والروحي، وفق ما ورد في الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية، وما تم التركيز عليه في تصدير الدستور الذي يعتبر جزء لا يتجزأ منه، والذي نص في فقراته الأخيرة على ضرورة حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع  الكوني لتلك  الحقوق وعدم قابليتها للتجزيئ، بالإضافة إلى أن المرسوم المذكور خالف مقتضيات الفصل 6 من الدستور التي تنص على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، وأن الجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه  وملزمون بالامتثال له، وأن على السلطات العمومية أن تعمل على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهكذا شكل هذا المرسوم خرقا للمبادئ الدستورية ومخالفة لها وانتهاكا لدستورية القواعد القانونية  وتراتبيتها .

ختاما، وبعد إبراز العيوب الشكلية والموضوعية التي شابت المرسوم المنظم للتوقيت الإداري الجديد، وبعد الوقوف على الاختلالات القانونية التي طالته والانتهاكات الواضحة للمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني، واستحضار الانعكاسات والآثار السلبية المترتبة عــن تطبيقــه، يبقى التساؤل مطروحا حول الهدف من إصرار المغرب على الاستمرار في تطبيق هذا المرسوم، وتشبثه بمخالفة التوقيت البيولوجي كاستثناء في محيطه الإقليمي والأورو متوسطي.

إلغاء الاشتراك من التحديثات