تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من الأرشيف الوطني هذه الالتفاتة الرمزية المعبرة، هذه الصور المرفقة التي التقطت بمدينة الرباط يوم 20غشت 1957, حيث مراسيم موكب جنائزي مهيب لنقل جثمان الشهيد علال بن عبد الله ابن اقليم تازة / جرسيف حاليا. وقد كان من الحاضرين والمرافقين لهذا الموكب الراحل الملك الحسن الثاني ومعه جميع أعضاء الحركة الوطنية، ليتم دفن الشهيد في مقبرة الشهداء باب لعلو بالرباط.
يذكر أنه في 11 شتنبر من سنة 1953، حاول الشهيد علال بن عبد الله اغتيال بن عرفة أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة، بواسطة السلاح الأبيض بعد عدم تمكنه من الحصول على مسدس من الخلايا الوطنية، حيث انضم لموكب بن عرفة بطريقته الخاصة وتمكن من الوصول إليه، موجهاً له ثلاث طعنات كانت ستعجل بهلاكه لولا ارتماء ضابط استعماري عليه معترضاً سبيله، وقيام البوليس السري الفرنسي بإطلاق ثماني رصاصات على الشهيد، خمس منها في الصدر والجبين وثلاث في الظهر، مما كان كفيلاً بسقوطه شهيداً مضرجاً بدمائه الزكية. هكذا بشجاعته وتضحيته قدم الشهيد روحه فداء للوطن، مخلدا اسمه في الذاكرة الوطنية وفي سجل المقاومة الوطنية، بعملية بطولية هزت أركان الاستعمار الفرنسي بالمغرب آنذاك بعد حدث نفي السلطان الشرعي محمد الخامس. ولم يكن هذا الفعل الوطني حادثا معزولا بل كان شرارة أذكت روح النضال، إذ تحولت انتفاضة الشعب المغربي إلى ثورة عارمة ضد الاستعمار غذّتها روح المقاومة. فضلا عما تعزز من تلاحم بين القاعدة الشعبية والحركة الوطنية، وهو ما زاد من قوة الشعب المغربي واصراره على مقاومة المستعمر دفاعا عن هويته وسيادته وثوابثه الوطنية. وهكذا أيضا يعد علال بن عبد الله بن البشير الزروالي، واحدا من صفوة الشهداء الأبرار الذين برهنوا بكفاحهم ونضالهم وافتدائهم بالروح وبالدم، عن سمو الروح الوطنية والمقاصد النبيلة والتفاني في حب الوطن.
وكان الشهيد علال بن عبد الله الذي كان جرسيف مسقط رأسه تحديدا بقبيلة هوارة أولاد رحو حوالي سنة 1916، قامتهن حرفة الصباغة في بداية مشواره المهني بمقهى اكتراها بوسط جرسيف قبالة بلدية المدينة، وهي التي كانت تعرف بمقهى المواعد قبل أن يغير صاحبها اسمها ليصبح مقهى علال بن عبد الله. هذا هو علال بن عبد الله قبل أن ينتقل بعدما ضاق ذرعا من استفزازات أعوان المستعمر إلى تازة التي بها شارع شهير باسمه منذ عقود من الزمن تكريما لروحه الطاهرة الوطنية كإبن للإقليم آنذاك، ثم قبل أن ينتقل الى مدينة الرباط حيث استقر بحي العكاري، وتمكن من ربط علاقات مع عدد من تجار المدينة ورجالاتها ووطنييها، لِما عرف عنه من خصال حميدة وأخلاق حسنة وسجايا فاضلة، وما تميز به أيضا من غيرة عالية عن وطنه. ويذكر أيضا أن جثة الشهيد علال بن عبد الله بعد عمليته الفدائية وتفاديا من السلطات الاستعمارية لأي اضطراب ومظاهرات وطنية، تم نقلها بقرار منها لكي تدفن سرا بمنطقة الرماني نواحي مدينة الرباط. وبعدما تم الكشف عن مكان دفنها سنة 1957، شكل السلطان محمد الخامس لجنة توجهت لعين المكان، كان ضمنها الزعيم علال الفاسي والمحجوبي أحرضان والقايد بن عمرو قائد منطقة الرماني، حيث تم التحقق من الجثة من قبل زوجته خديجة ومن لباسه الذي دفن به. وعليه، وفي علاقة بالشهيد علال بن عبد الله الذي يخلد الشعب المغربي ذكراه كل سنة، أبى جلالة المغفور له محمد الخامس إلا أن يجعل من أيام المغرب الخالدة يوما وطنيا، للاحتفاء برموز المقاومة الوطنية واستحضار ملاحمها التي بصمت سجل كفاح الشعب المغربي ضد الاحتلال الأجنبي، حيث قال في خطاب تـاريخي له يـوم 18 يونيو 1956: “إن الشعب المغربي مفطور على الاعتراف بالجميل، ولن ينسى عمل أولئك الذين كان لهم فضل المقاومة سواء بالسلاح أو اللسان أو المال، وإنه لجدير بذكرى المكافحين أمثال الزرقطوني وعلال أن يخصص لهم يوم يكـون أحد أيامنـا المشهـودة، لتكون ذكرى لائقة بنضالهم ناطقـة بعظمـة كفاحهـم”.
