تازة بريس
يتساءل كثير من المواطنين منذ تلقي خبر بإيداع وزير الوظيفة العمومية الأسبق والبرلماني عن حزب الحركة الشعبية محمد مبديع السجن المحلي “عكاشة” بعين السبع في 27 ابريل الماضي، حول ما إذا كان الأمر حقيقة أم مجرد حلم؟ وهل أصبحت فعلا الإرادة السياسية لمحاربة الفساد متوفرة اليوم أكثر من ذي قبل؟ ولعل هذه التساؤلات وغيرها تستمد مشروعيتها من كون محمد مبديع وغيره من المفسدين المنتشرين في الجماعات المحلية والبرلمان والحكومات المتعاقبة، قدمت ضدهم عديد الشكايات دون جدوى وأن هذا الأخير كان منذ مدة موضوع تحقيقات أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على خلفية شبهة فساد وتبديد أموال عمومية كرئيس لجماعة محلية منذ حوالي عقدين من الزمن. والغريب أنه رغم انسحاب عدد من نواب فرق المعارضة احتجاجا على ترشحه المشبوه، انتخب يوم في17 أبريل الماضي رئيسا للجنة “العدل والتشريع وحقوق الإنسان” بمجلس النواب بمجموع 250 صوتا من أصل 255 معبر عنها، وهو ما شكل صدمة قوية في أوساط فعاليات المجتمع المدني خاصة منها المدافعة عن “حماية المال العام”. فإذن ما خلفيات اعتقال أحد “ديناصورات” الفساد بإقليم الفقيه بن صالح؟ فحسب المتوفر من المعطيات حول قضية مبديع الذي عاد لتقديم استقالته من رئاسة لجنة “العدل والتشريع وحقوق الإنسان” بعد مرور أيام قليلة فقط عن انتخابه، أنه إثر إجراء تحقيق معمق بشأن عدة تهم موجهة إليه حول “اختلاس وتبديد أموال عمومية والتزوير والرشوة والغدر واستغلال النفوذ وغيرها والمشاركة في ذلك” وبعد استنطاقه رفقة 12 متهما آخرين ابتدائيا أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء، والتماس الوكيل العام للملك بذات المحكمة مساء يوم الأربعاء 26 أبريل الماضي، قرر قاضي التحقيق إيداعه السجن إلى جانب ستة متهمين، وطالب الوكيل العام للملك باتخاذ تدابير المراقبة القضائية في حق الخمسة الآخرين المتابعين معه وأغلبهم من موظفي الجماعة المعنية، مع سحب جوازات سفرهم وإغلاق الحدود في وجههم.
ويسجل أنه رغم الارتياح الذي خلفه اعتقال الوزير الأسبق لدى كثير من المواطنين، في ظل ظرفية اجتماعية صعبة حيث غلاء الأسعار التي اكتوت بنيرانها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتنامي معدلات الفقر والبطالة وتفاقم الفساد وعدم التوزيع العادل للثروات. فإن هناك من يشكك في الأمر ويعتبرها حدثا لإلهاء الشارع وامتصاص الغضب، بل هناك من يرى أنها مجرد تصفية حسابات حزبية ضيقة. وقد أعاد هذا الاعتقال الاحتياطي فتح النقاش حول استشراء الفساد وجدوى تقارير المجلس الأعلى للحسابات وغيره من مؤسسات الرقابة، خاصة وأن دستور 2011 نص في عدد من بنوده على دعم كل الوسائل التي من شأنها تكريس قيم الشفافية والنزاهة والإنصاف والحكامة الجيدة ومكافحة كل مظاهر الفساد عبر ربط المسؤولية بالمحسبة، بما يساهم ليس في الحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية وحسب، بل كذلك في تخليق الحياة العامة وترسيخ الثقة لدى المواطن والمؤسسات والهيئات العامة والمجتمع الدولي، فأين نحن من كل ذلك بعد مرور أزيد من عقد على إقرار الدستور؟ ووعيا من من جلالة الملك بما لتفشي آفة الفساد من آثار وخيمة، فلطالما دعا لضرورة تكثيف الجهود للحد منها والقضاء عليها. ففي خطابه بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش المجيد، يقول: إن “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها للضرب بقوة على أيدي المفسدين”.