تازة بريس

تازة : من عناوين ذخيرة الريبرتوار السينمائي بالمدينة.. شريط “الهايم”..

-

تازة بريس

تعريفا بذخيرة خزانة تازة الدرامية، وما تحتويه من أعمال فنية بقدر معبر من القيمة المضافة والإغناء وقد أثارت ما أثارث من جدل فاعلين ومهتمين ومتتبعين، وخلفت ما خلفت من صدى محلي جهوي ووطني، واستحضارا لِما تحفظه الذاكرة السينمائية التازية من أسماء وتجارب. ارتأينا اطلالة حول عمل سينمائي عن ريبرتوار المدينة، ذلك الذي حضر ذات يوم ضمن تساؤل لأحمد السجلماسي الناقد السينمائي، عندما عَرَّج على ما يسجل من غياب مخرجين مغاربة عما هناك من طاقات سينمائية بعدد من الجهات، مؤكداً ما يميزها من قدرات تعبير فني عال في اشارة لتجربة فيلم”الهايم” لمخرجه نور الدين بن كيران، والذي بقدر ما هو عليه من تجربة بحوالي نصف قرن من الفعل الدرامي، بقدر ما يتملك من طاقة وموهبة ظهرت جلية فيما أسند له من أدوار هنا وهناك ضمن أعمال تلفزيونية وسينمائية.  

ولعل من الأعمال السينمائية التي طبعت مسار الفنان نور الدين بن كيران، فيلم”الهايم” The Roamer ، وهو عمل درامي بإخراج ونص من توقيعه، وقد جمع ما وقع من معاني في جزيرة حيث عالم نسيان ومقبرة غرباء وموت انسانية انسان واحتضار ضمير مع خيط دخان، هناك حيث طفولة نشأة وبحث عن ذاكرة هائم في متاهات خراب، هذا في زمن تُنوسِي فيه نور حق وعدل وسلام. والهائم الغريب في وعي الكاتب نور الدين بن كيران، اختار اللاعودةٍ لرذيلة وخطيئة في زمن ومكان. من هنا ما ورد حول عالم أشباح بلا رحمة طاردت روحا تفوح حبا ونقاء وسلما وسلاما، وعذبتها ودفنتها فقتلت طفولة وجسدا وكبلتهما بأغلال داهسة قبره وهي ترقص مبتهجة وسط زحام. متناسية أن الهائم جبل وقمة وهيبة وأنه عائد لا محالة لعالم حب وسلام، لإحياء ضمير واعطاء الإنسانية معناها الحقيقي التي من أجلها ولد.

نص”الهايم” عن الخزانة والذاكرة السينمائية التازية قبل عدة سنوات، هو رؤية حياةٍ ونوع من التيهٍ الذاتي في دروب خوف وعنف.. برغبة تضحية بثوابت تنشئة، فكان الهائم والتهديد والعيش في حضن أشرار لطالما تلذذوا بتعذيب ضعفاء بإبعادهم وقتل إنسانية الإنسان فيهم. انما لما حرك ضمير الهايم وجدانه قرر ما قرر من النأي عن خطيئة ورذيلة، باغتساله روحياً وذاتياً بماء شلال دافئ دفئ ثلج إعلانا منه عن ابتعادٍ كلي عما هو شر. وليرحل عن أهل وديار في عشق لنور وخير وسلام، تائهاً في بحث عن كائن وممكن من إنسانية انسان، لكن رجال القلعة طاردوه وعذبوه ليفقد الهائم ذاكرته وماضيه. وعلى ايقاع رحلة عذابه كان الهايم هائما هنا وهناك بضمير يرفقه وذاكرة تنير طريقه الى ما هو حب وخير وجمال، وبعيداً في خلوة لما كان يحتضر نادى على من نادى مفصحاً أنه تذكر ضميره، وأنه لم يمت بل هو حياً ببذور خير للإنسان ولعالم تتقاسمه قيم محبة ونور وعدل سلام… هكذا هو فيلم “الهايم” الذي شكل بصمة درامية تازية رفيعة وغير مسبوقة، بنصه العميق الرمزي الذي توزع تصويره قبل عدة سنوات على مواقع عدة من جوار تازة حيث أدغال غابة وصخر وعلو وشموخٍ وجبل وثلوج وشلالاتٍ وأودية، فضلا عن مواقع بتميز تاريخي أصيل ودلالات تراثية كما قصبة امسون.

ويُسجل لـ”الهايم” هذا العمل الدرامي التازي المتميز الذي بلغ سقفا فنيا جعله مرجعا على أكثر من مستوى لحد الآن، يسجل له أن تصوير فصوله تمت بنقاط دقيقة الانتقاء أكثر انسجاماً مع نص وأدوار، فضلاً عما طبع تشخيصه من حماس درامي ومجازفة معا. وجدير بالاشارة الى أن تجربة “الهايم” للاستاد نور الدين بن كيران وما تحتويه من رمزية فنية انسانية عالية، كانت بأثاث مادي رفيع وطاقات سينمائية أبانت عن تميز وقدرة تشخيص عالية تقاسمتها فصول “الهايم”، ما جعله بعرض افتتاحي مدهش قبل عدة سنوات خلال دورة من دورات مهرجان سينما الهواء الطلق بتازة، هذا الموعد الدرامي الذي أغنى به نادي المسرح والسينما ثقافة فرجة وتقاليد فعل وأثاث سينمائي بالمدينة. وكان عرض فيلم الهايم ضمن هذا الموعد الوطني في احدى دورات، على ايقاع حضور لأسماء سينمائية مغربية من عيار ابداعي ووقع رفيع، كما فاطمة بوبكًدي مخرجة سلسلة”رمانة وبرطال” التي نجحت في جعل تراث البلاد وارثها اللامادي بمساحة فرجة جاذبة غير مسبوقة في تاريخ دراما المغرب على الاطلاق، ناهيك عن نقاد سينمائيين ممن هم بتجارب وتملك لأدوات وقيم النقد الفني فضلا عن قراءة وتحليل ما هناك من نصوص.

يذكر أن “الهائم” للأستاذ نور الدين بن كيران، لم يكن عمليا سينمائيا بصدى محلي وجهوي حيث تازة فحسب،  بل بما احيط به ايضا من انصات وشهادة وحفز وتنويه هنا وهناك بعدد من الجهات التي احتضنت عرضه بين هذا الموعد وذاك. ناهيك عما أثاره من نقاش وما حصده من وجوائز في ملتقيات ومهرجانات بعدد من المدن المغربية علما أن نص الهايم هو باللغة العربية الفصحى. وهذا العمل الدرامي الذي يعد أعظم ما أنتج بتازة قبل عدة سنوات وأجمل ما يؤثث خزانة المدينة الفنية التعبيرية المحلية وما تحفظه ذاكرة جمهور واسع، تطلب حوالي سنتين من الاعداد والتفكير فكان بما كان من سلطة فرجة وقوة تجاوب وثقة وتثمين. لعل فيلم”الهايم” هذا هو من بطولة: نور الدين بن كيران- سمية فائز- حسن فائز- خالد بقراوي- عبد الرحيم وهاب- عزيزة امزيان- ايمان القرموني- ايمن العلوي- جلال الدين مطالسي- رضا الغنامي- عبد اللطيف جزاري. تمثيل: كريم يابوري- ليلى مزيان مطالسي- اسماعيل يوسفي- عبد الرحمن زروال- بدر بن داود- ماجدولين كحيحلي- هند صبحي- بلال امزور- أمين جلولي-أطفال جمعية أزداد..قصة وسيناريو وإخراج كما سبقت الاشارة نور الدين بن كيران، تصوير عبد الرحيم وهاب ويونس رطيبي اكسسوار وديكور رشيد عليلي.

يُذكر أن مخرج”الهايم” نور الدين بن كيران العضو في الفدرالية الدولية للممثلين والنقابة المغربية لمهني الفنون الدرامية، انفتح على عالم التمثيل منذ  سبعينات القرن الماضي عبر عشرات الأعمال المسرحية والتلفزية والسينمائية مع عشرات كبار المخرجين المغاربة والأجانب، فضلا عن اسهاماته في مواعيد دولية مسرحية ودرامية بكل من تونس والأردن ومصر والعراق وغيرها. مع أهمية الاشارة الى أن  فيلم”الهايم” فاز بالجائزة الكبرى لإحدى دورات الملتقى الوطني “أيام فاس للتواصل السينمائي”، ضمن اقصائيات تنافسية شملت عددا من الاعلام الدرامية السينمائية الرفيعة المستوى، من قبيل فيلم “مخاض” و”أحلام” للحمداوي (وجدة) و”فحم ودم”، و”ذاكرة النسيان” لأميمة حيدا (الرباط)، و ”برقيمة مفهومة” لياسين سميح(آسفي) و”آخر صورة” لفيصل الحليمي(طنجة) و”ليس أبيض وليس أسود” لمنير علوان (العيون)، و”مساج” لمحمد الشباني (مراكش) و”افتحوا النوافذ” لنبيل جوهر (سطات) وغيرها. ويبقى نور الدين بن كيران هذا “الهايم” الذي أهدى للخزانة الدرامية بمدينة تازة ومعها الخزانة الدرامية المغربية هذا العمل الفني الرفيع المستوى، قامة فنية على درجة عالية من التميز والتفرد والكفاءة في حقل الدراما المغربية.

ولعل فيلم “الهايم” هذه التجربة الدرامية العالية المستوى، تدفعنا للتساؤل حول جدل الكائن من الالتفات والممكن من الانصات صوب ما هناك من أعمال درامية متميزة تستحق ما ينبغي أن تستحق بعيدا عن المركز هناك بجهات البلاد وهوامشها. وحول ما يحتويه المحلي والجهوي من موارد ابداعية درامية، حيث ما يسجل من غنى جامع بين مكامن طبيعة بمثابة استوديوهات مفتوحة فضلا عن مساحات تراث مادي ولامادي وتعبير وشواهد وتجارب ومواهب وغيرها من ذخيرة من شأنها أن تكون بدور رافع للدراما المغربية الوطنية. في أفق ما ينبغي أن يتناغم مع رهانات البلاد وتطلعاتها، تماشياً مع مخرجات مناظرة الرباط الوطنية 2012، والتي بقدر تأكيدها على قيمة وأهمية تعدد ملتقياتنا الدرامية هنا وهناك، بقدر ما يفرضه واقع حالها من مواكبة وتنمية ضماناً لاستمراريتها وتجويداً لأدائها، ومن أهمية اشتغال على ذاكرة وطن وانفتاح على ثقافاتٍ وقيمِ انسانية.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

إلغاء الاشتراك من التحديثات