تازة بريس
عبد السلام انويكًة
الى عهد قريب بلغة الأرشيف، كان بهو المعهد الموسيقى بمدينة تازة ومعه بهو البلدية وبهو دار الشباب وبهو مدرسة المشور بالمدينة العتيقة وبهو مؤسسات بنكية محلية، فضلا عن قاعة ميموزا وغيرها من الفضاءات، تحتضن من حين لآخر معارض إما فردية لعدد من التشكيليين أو جماعية لمكونات جمعوية محلية، وهي المعارض والتجارب التعبيرية التشكيلية التي بقدر ما كانت تشكل جزءا معبرا وأساسيا من الأثاث الثقافي الابداعي بالمدينة، بقدر ما كانت تؤطر متعة واطلالة زائرين مهتمين ومتتبعين من مختلف الأعمار والأجيال على جديد فعل تازة التعبيري الفني، ناهيك عما كانت تسمح به هذه المعارض محليا، من أهمية في تربية الناشئة على ما هو فنون وجماليات وقيم حياة ومشاهد وقضايا وسبل تعبير بهذا الأسلوب وذلك، بل كانت معارض تازة التشكيلية هذه والتي طبعت حياتها الثقافية لسنوات وسنوات، محطات لتلاقح مواهب وتجارب تشكيلية بالمدينة وتنافس فعاليات وتعميق أواصر ولع، ومن ثمة إغناء زخمها ووعاءها والارتقاء بخزانتها من اجل تمثيلها في محافل وطنية ودولية.
وما أكثر التجارب التشكيلية التي شهدتها تازة وتألقت بها خاصة سنوات التسعينات من القرن الماضي، والى جانب عدد من الأسماء التي كانت لها بصمتها وحضورها المتميز في المجال، هناك عدد من مكونات المجتمع المدني التشكيلي الجمالي من قبيل جمعية فضاء المغارات وجمعية العبور وغيرها من الاطارات، التي صنعت حقا مجدا تشكيليا الى عهد قريب كان بدور في جعل اللوحة التشكيلية بنوع من الهوية الابداعية المحلية والخصوصية الذاتية والرسالة الفنية النبيلة. ناهيك عما كان من تواصل فكري تعبيري وتنشئة على ذوق وتعبير وقيم انسانية. ولعل فعل تازة التشكيلي كان يمتد مما هو عصامية وواقعية حتى ما هو تجريدية وسريالية، من خلال بصمات واسهامات عدد من المبدعين كانوا وراء فترة تشكيلية ذهبية بكل ما في الكلمة من معنى، من قبيل العصامي التسعيني “أحمد قريفلة” حفظه الله، شيخ واقعية تازة والمغرب وقيدومها الذي اتحفت تجربته بما أتحفت وأغنت، وأثارت ما أثارت من جدل بين أهل الشأن لعقود من الزمن سواء داخل البلاد أو خارجها، ولعله مدرسة ومسارا وتجربة وإسما تازيا برمزية انسانية كونية. هذا فضلا عن مساحة تجارب محلية وقمم تعبيرية جمالية مشهود لها، كانت بما كانت عليه من صدى واشعاع وسمو توقيع، نذكر منها نبوغ كل من الفنان محمد خلوف ومحمد قنيبو وعبد المجيد التوزاني رحمه الله ومحمد شريفي ومداني بلمدني وصباح التوزاني، ثم محمد شهيد وعبد العزيز فتوحي وصلاح طيبي وفريدة محمودي وجلال التوزاني ومحمد ايمجان عبد السلام يندوز وعبد المجيد هيمص رحمهما الله تعالى.
كل هذا وذاك من الدينامية التشكيلية بتازة في فترتها الذهبية، جعل المدينة بعدد من اللقاءات والمواعيد المحلية والجهوية بل بملتقى وطني للفنون التشكيلة وقد بلغ دورته الخامسة، وكان من تنظيم جمعية فضاء المغارات للفن التشكيلي التي اعطت الكثير والكثير لهذا المجال، بل كانت بفضل في تسويق اسم تازة وترابها الفني الجمالي على المستوى الوطني والدولي. ولعل المجتمع المدني للفن التشكيلي بتازة في فترته الذهبية قبل حوالي ربع قرن، كان بدور كبير فيما عاشته المدينة من حماس وزخم ثقافي ابداعي عموما، وفيما طبعها من خصوصية وشخصية تعبيرية تشكيلية خاصة، ومن مستوى رفيع وغنى ما بلغته من تراكمات يحفظها التاريخ.
فأي واقع فني تشكيلي توجد عليه تازة الآن مقارنة، وأية استمرارية واضافة ومعارض وتنافسيات وعلامات وتمثيلة تشكيلية للمدينة لا تزال، وأي حضن لهذا التعبير مقارنة بما كان الى عهد قريب، وأي اعتبار واشراك ووعي بالأمر لا يزال،خاصة من قبل الجهات الوصية على قطاع الثقافة محليا. ولماذا غابت معارض الفنون التشكيلية عن المدينة ومعها مبدعون تشكيليون، وأي مشهد ثقافي في غياب ما هناك من أجناس ابداعية. واذا كانت المدينة قد فقدت بريقها الثقافي عموما لاسباب عدة ومن ثمة ما هناك من بياضات غير خافية، فأية سبل وآليات واطارات ومرافق ومؤسسات وجهات معنية، من شأنها اعادة الروح والحياة لِما كان يؤثث الصورة والصدى الثقافي الابداعي الذي طبع تازة الى عهد قريب.