تازة بريس

تازة: حول تاريخ المدينة بين روح مكان وعظمة موقع وخاصية ممر ومستقر

-

تازة بريس

روح خاصة تطبع زمن تازة، تلك التي يستمدها هذا الزمن من مجريات وقائع وتطورات كانت وراء تغيرات وطبيعة علاقات ضمن اطارها المجالي وكذا المجاور. ولعل تاريخ المدينة عموما هو تاريخ موقع بقدم وتأثير وتأثر باعتباره نقطة وصل لكل من الطبيعي والبشري وقْع فيه. ولا شك أن المهتم بالمحلي من التاريخ يجد نفسه  مُقتحِماً لتفاعلات غير منتهية، بصدى يتردد بعيداً في مجالات عدة متأثرة بما أفرزته علاقات ووقائع في مساراتها على منحى تاريخ البلاد العام. ولا يستقيم الحديث عن ممر تازة دون رجوع لِما حام حول علاقته بالمارين عبره منذ القدم. وعليه، فإن تناول تاريخ المدينة يرتبط بطبيعة مجال ومحورية موقع لكل قادم إليه أو متوجه منه. فقد انتصبت تازة بجغرافيتها سداً منيعاً لكل محاولات تطويع، وجعلها مكونها القبلي بردوده في علاقته بالسلطة تنتزي في مجالها، دون جعل بناء كيانٍ شأناً لها كما قبائل “صنهاجة – مصمودة- بنو مرين..” اللواتي كان لها سبق بناء الأحلاف وإعلاء عصبية أمام الكل.

اشارات وغيرها حول تاريخ تازة استهل بها الدكتور الحسن الغرايب الباحث في تاريخ المغرب الوسيط، تقديما لمؤلف حول تاريخ تازة للأستاذ عبد السلام انويكًة عن دار ابي رقراق للطباعة والنشر بالرباط بعنوان “ تازة .. صفحات من تاريخ مدينة”، مؤلف حول تاريخ المدينة خلال العصرين الوسيط والحديث بحوالي ثلاثمائة وثلاثين صفحة، بدعم من وزارة الثقافة بعدما أجازت طبعه لجنة علمية ضمنها باحثون مؤرخون مغاربة متميزون. والكتاب يقدم تازة في عز حدثها التاريخي ضمن مسار دول مغرب العصر الوسيط والحديث، يضيف الدكتور الحسن الغرايب مستحضراً المجال باعتباره موجهاً للتاريخ وصانعاً لتدافعات غير منتهية في امتداد تازة خلال فترات ازدهار وتقلصه إلى حدود أسوارها في فترات عدم استقرار. وأن التناول المنهجي لموضوع بهذا التشابك جعل من تتالي فصول الكتاب أمراً في غاية المتعة أولاً وسبر غور تراث محلي بذكاء المنقب ثانياً. ليتبين أن الانتقال مما هو خاص الى مشترك تاريخي بإعطائه بعده العميق عبر نبش بيوغرافيات أعلام المدينة وأحوازها وتأثير ذلك على الفعل الثقافي، يجعل من إعادة كتابة تاريخ المدن أمراً ملحاً لإماطة اللثام عن الخفي من الحوادث ذات الصدى عبر فترات.

في توطئة لمؤلفه حول تازة أشار عبد السلام انويكًة الى أنه يشكل لحظة انصات أخرى لزمن مدينة زاخرة بوقائع ومعالم وتفاعلات، مشيراً الى أن تاريخ تازة هو تاريخ إنسانية إنسان وتنوع وتفاعل وتكامل، وأن الوعي به كتراث وثقافة يقتضي استثماره كرأسمال رمزي في بناء حاضرها ومستقبلها، مؤكداً أن مدن المغرب العتيقة لا تزال بحاجة لأبحاث ودراسات لمِا لا يزال بها من أوجه لم تدون بعد، وأنه على أهمية ما تراكم فتاريخ كثير منها لا يزال مجهولاً خاصة لما يتعلق الأمر بفترة العصر الوسيط والحديث ناهيك عن القديم. مضيفاً أنه بقدر ما لايزال ماضي عدد من المدن بمعرفة غير شافية، بقدر ما كانت هذه الأخيرة بأدوار هامة جمعت بين ما هو سياسي واقتصادي وفكري خلال هذه الفترة كزمن جدير بعمل البحث والتمحيص والكشف عن عدد من التجليات. ويذكر الأستاذ عبد السلام انويكًة أن بداية علاقته واثارته وانفتاحه على زمن تازة وعمقها التاريخي متأثراً بثلة من أبناء المدينة وما كانوا عليه من انشغال بهذا المجال، يعود لتسعينات القرن الماضي مع ما رافق ذلك من سؤال وتفاعل وترافع وجمع مادة. مع ما تأسس لديه من قناعة حول أهمية البحث والتأليف وفق وعي بالمحلي، تماشياً مع ما توجه اليه عدد من المهتمين والباحثين لتسجيل محاسن وخواص وتميز مدن نشأتهم، بذكرهم لأرثها وتراثها ومآثرها وفضلها وعلماءها وأعلامها اعتزازاً منهم بموطنهم وذاكرتهم.
ومن جملة ما جاء في مقدمة الباحث لمؤلفه هذا، ما أورده حول كون الذي يفقه قليلاً في معنى التاريخ وعلاقته بالمدن من خلال مواقعها، يجد نفسه بدهشة وهو يتأمل مدينة عالقة بجبل الأطلس المتوسط، مطلة من شرفتها على ممر شهير حيث جوانب هامة ومتشعبة من زمن المغرب. تلك هي تازة – يقول- التي توحي بعمر زمني ووجود تاريخي وعظمة معالم وعلامات، بقدر ما البحث فيها عمل مشوق بقدر ما للموضع إنسان وخواص وتفاعلات شكلت مجتمعة روح مكان. وقد جاء كتاب «تازة.. صفحات من تاريخ مدينة” للأستاذ عبد السلام إنويك مرتكزاً على ببليوغرافي غنية ومتنوعة باللغتين العربية والفرنسية بحوالي أربعمائة مصدر ومرجع، مع تأكيد حول مصادر المعلومة التاريخية بالنسبة لمدينة وموقع ضارب في القدم، على ما يمكن أن تسهم به الدراسات الأيديولوجية التي لا تزال محدودة جداً لدجة العدم لإيجاد ما هو دقيق من أجوبة حول نقاط عدة عالقة تخص المجال والانسان والزمن،ناهيك عما هو مسجل من غياب وثائق الأسر التأزية ودفاتر الأحباس والمخطوطات الخاصة بالمنطقة وغيرها. ويذكر الباحث عبد السلام إنويكًة الذي انفتح في كتابه هذا على فترة العصر الوسيط والحديث، أن عمله يأتي تجاوباً مع نداء العلامة عبد الهادي التازي رحمه الله الذي قال يوماً:أنتازة ليست فقط إثما لمدينة بل رباط جهاد تحطمت على أبوابه سائر المناورات، كذا مركز عِلْمٍ ساهم في صنع رجال الفكرورمزاً لمدرسة صنعت سياسيين ودبلوماسيين، مدينة بتاريخ حافل بمواقف شريفة اتخذها في سبيل حماية وحدة المغرب الروحية المتجلية في وحدة المذهب والعقيدة.. مشيراً الى أن على أبناءتازة أن يقوموا بكتابة تاريخها في شتى الميادين مؤكداًأن عليهم وحدهم تقع تبعة التعريف بها.
وقد اتخذ كتاب «تازة.. صفحات من تاريخ مدينة” في تحقيب زمنه عصر بني مرين مفصلاً لِما طبع هذه الفترة من اشعاع وبروز، ومن هنا جاء موزعاً بين حدثين مؤسسين ومغيرين الأول يتعلق بنشأة دولة الأدارسة وبيعة مولاي ادريس الأول، أما الثاني فهو الذي ارتبط ببداية الحداثة المغربية نهاية القرن الثامن عشر على عهد السلطان محمد بن عبد الله. وجاء الكتابب محاور أربعة، خصص الأول منها لمِا هو طبيعي شمل موضع المدينة وجوارها، أما الثاني فنتناول بعض وقائع المنطقة وتطوراتها خلال العصر الوسيط والحديث منذ الأدارسة مروراً بالمرابطين والموحدين والمرنيين والنطاسيين والسعديين ثم العلويين. أما ثالث محاور الكتاب فقد توجه لرصد عمارة وتعمير وسياقات تاريخية ذات صلة من خلال تمييز بين الديني والعلمي والاجتماعي والدفاعي. ليستحضر المؤلف في محور أخير بعض أعلام تازة ممن كانوا بشأن في أمر دين وفقه وتصوف وسياسة ومجتمع.
ويذكر المؤلف أن الكتاب توجهَ بعنايته لابراز بعض جوانب تاريخ تازة خلال العصرين الوسيط والحديث، بناء على ما توفر من مرتكز وما توفر من مادة علمية في غياب تأليف خاص بالمدينة خلال هذه الفترة، وحتى إن وجد فهو في حكم المجهول كمؤلَّف” تقريب المفازة الى تاريخ تازة”. مما قد يكون وراءضياع كثير من أخبار ووقائع المدينة والمنطقة خلال هذه الفترة، وبالتالي فما تبقىليس سوى شتات اشارات في مصادر تسمح الى حدما بتكوين فكرة حول مكانة تازة في تاريخ البلاد. مشيراً الى أن تثمين ما هو رمزي تاريخي كان من مقاصد الكتاب الذي يدخل ضمن ما اتجهت اليه عناية عدد من الباحثين والمهتمين بعدد من حواضر البلاد الأصيلة، باعتباره مساراً وورشاً وظيفياً مفتوحاً تجاه ما هو محلي واقليمي وجهوي كرهان ترابي. مؤكداً أن تازة هي بزمن مشرق ومجال وتاريخ فكري وعلمي وسياسي واجتماعي ودفاعي .. وبعمران وأعلام وعلماء وتجليات جمعت بين تميز ونبوغ عبر العصور. لايزال بحاجة ليس فقط لمزيد من البحث والتعريف بل لحسن تدبير وحكامة استثمار باعتباره رأسمالا رمزياً للمنطقة بجعل موارد الزمن في قلب النماء وتدبير المجال.
وكتاب”صفحات من تاريخ مدينة” للأستاذ عبد السلام انويكًة، يأتي لطرح سؤال درجة الوعي بتراث وتاريخ المدينة وحمولتها الحضارية، وسؤال درجة حماية وتأمين ما هو ذاكرة وهوية في الزمن المحلي، وسؤال ما هو غنى ونماء قائم ومؤسَّسٍ على عمق وعبق شواهد وتحف ماضي المدينة. ولاشك أن المكتبة التاريخية المحلية – يقول المؤلف- باتت منتعشة بفضل ما تراكم من خلال جهد ثلة من أبناء تازة الى حين مزيد من البحث والدراسة والاضافة، مؤكداً على أن للتاريخ فرص سانحة وله أخرى أيضاً تخص كتابته وكونه مقيد بالكتابة تأكيد لهذا وذاك،وخاصة عندما تلتقي حقيقة الكتابة بحقيقة الوقائع والشواهد ويلتقي ما هو تاريخ بما هو وجود ووجدان. يظهر من خلال صورة غلاف اختار لها المؤلف قلب أجمل تحف تازة، ثريا جامعها الأعظم حيث روعة ابداع وجمال هندسة وزخرفة وعبقرية صانع.

إلغاء الاشتراك من التحديثات