باب الشريعة الأثري المريني بمدينة تازة .. تاريخُها، تسْمِيّتُها، ووظائفُها ..

تازة بريس17 سبتمبر 2025آخر تحديث : الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 10:08 مساءً
باب الشريعة الأثري المريني بمدينة تازة .. تاريخُها، تسْمِيّتُها، ووظائفُها ..

تازة بريس

مُحمّد تْشِيشْ ٱلتّازيّ 

مِن ٱلأبوابِ ٱلمشهُورةِ في مدينةِ تازا ٱلعَتيقةِ، “بابُ ٱلشّريعةِ”، ولا يُسْتَبْعَدُ أنْ يكُونَ سُمِّيَ كذلِك لٱرتِباطِه بإقامةِ ٱلحُدُودِ وتنْفيذِ ٱلعُقوباتِ عُموماً، على غِرارِ سابِقَتيْها في مَرّاكُشَ وفاسَ (ٱنظُر ٱلحَلَقاتِ 1 – 2 و 3). وقدْ ثَبَتَ لَنا أنَّ هذا ٱلبابَ كانَ موْجوداً بهَكَذا تسْميّةٍ مُنذ ٱلقَرنِ ٱلسّابعِ ٱلهِجْريِّ (ٱلثّالثِ عشَرَ مِن ٱلميلادِ) أوْ حتّى لَعَلَّهُ قَبْلَ ذلِكَ، ولَا يُوجَدُ لديْنا غيْرُ أخبارٍ خاصّةٍ بحادِثٍ واحِدٍ جاءَ ذِكْرُه في كِتابِ “ٱلأنيس ٱلمُطْرِب بروْض ٱلقِرْطاس” لٱبنِ أبي زرْعٍ ٱلفاسيِّ، في قوْلِه: {… وجازَ إلى ٱلعُدْوَةِ [يَعْني جازَ أمِيرُ ٱلمُسْلِمِين أبُو يعْقوبٍ يوسُفُ بنُ يعْقوبٍ بنِ عبْدِ ٱلحقِّ ٱلمَرينيِّ (حكم 685-706ه/1286-1306م) مِن ٱلأندَلُسِ إلى ٱلمَغْرِبِ ٱلأقْصَى] يوْمَ ٱلإثْنيْن سابِع رَبيع ٱلأاخِر مِن ٱلسَّنَةِ ٱلمَذكورةِ [أيْ سَنَة 685ه/1286م]، فنَزَلَ بقصْرِ ٱلمَجازِ، ثُمّ سارَ إلى مَدينةِ فاس فدَخَلَها في ثاني عشَرَ مِن جُمادا ٱلأُولَا مِن ٱلعامِ ٱلمذْكورِ، فلمَّا ٱستَقرَّ بحَضْرَته مِن فاسٍ ٱلجَديدةِ، خرَجَ عليْه ٱبنُ عمِّه مُحمَّد بنُ إدريسَ بنِ عبْدِ ٱلحقِّ في جَماعةٍ مِن بَنِيه بجِبالِ ورْغَةَ مِن أحْوازِ فاس، [ودَعَا لنفْسِه]، فسارَ إليْهم ٱلأمِيرُ أبُو معرف مُحمَّد بنُ أمِيرِ ٱلمُسْلِمِين يعْقوب، فتابَعَهم في خِلافِهم وٱنضَمَّ إلى جُمْلَتِهم، فلَمْ يزَلْ أمِيرُ ٱلمُسْلِمِين يوسُفُ يَبعَثُ إليْهم بٱلجُيوشِ ويُدبِّرُ عليْهم ٱلسيّاسةَ حتىَّ نزَلَ إليْه أخُوهُ [ٱلأمِيرُ أبُو معرف] بأمَانِه وأنابَ إلى طاعَتِه، وفَرَّ مُحمَّد بنُ إدريسَ وبَنُوه إلى تِلمْسانَ فقُبِضَ عليْهم في ٱلطّريقِ فقُيِّدواْ في ٱلحَديدِ وأُتِيَ بِهِم إلى رِبَاطِ تازةَ، فبَعَثَ أمِيرُ ٱلمُسْلِمِين [يوسُفُ] أخاهُ ٱلأمِيرَ أبَا زِيّانٍ [منديل] لقَتْلِهم فقُتِلواْ بخارِج بابِ ٱلشّريعةِ مِنْها، وذلِكَ في شهْرِ رَجَب مِن سَنَةِ خَمْسٍ وثمَانِينَ ٱلمَذْكورةِ [رجَب سَنَة 685ه/غشْت-شُتنْبر 1286م].} 

وقدْ تَطرَّقَ ٱبنُ خلْدون إلى نفْسِ ٱلواقِعةِ في”العِبَر أو تاريخ ٱلبرْبر”، غيْرَ أنَّه عبَّر عنِ ٱلمَكانِ ب “خارِجَ تازَى” عِوَضَ “خارِج بابِ ٱلشَّريعةِ”؛ وأشارَ -بٱقتِضابٍ- ٱبنُ ٱلقاضي ٱلمَكْناسيّ، صاحِبُ “جِذْوة ٱلإقتِباس…” إلى ذاتِ ٱلموْضوعِ؛ كمَا سَرَدَ وقائعَ ٱلحادِثةِ نفْسِها ٱلشيْخُ أبُو ٱلعَبّاسِ أحمَدُ ٱلناصِريُّ ٱلسّلَاويُّ في كِتابِه “ٱلإستِقْصا لدُوَلِ ٱلمَغْرِبِ ٱلأقْصَى”؛ وقدْ نقَلَ، عنْ “روْض ٱلقِرْطاس” وعن “ٱلإستِقْصا”، كذلِك لِيفي بْرُوفانْسال تِلْكَ ٱلمَعلُومةَ في “الإسلامُ في ٱلمَغْرب وٱلأندلُس”؛ وحَدَتْ حَدْوَهُم ٱلباحِثةُ ٱلعِراقيّةُ نِضال مُؤيِّد ٱلأعْرجي في كِتابِها “الدوْلةُ ٱلمَرِينيّةُ على عهْدِ ٱلسلْطانِ يوسُف بنِ يعْقوبٍ ٱلمَرينيّ (685-706ه/1286-1306م)”. وهذا يُؤَكِّدُ لَنا قَطْعاً أنَّ ٱلبابَ ٱلمَعْنِيَّ سُمِّيَ “باب ٱلشّريعةِ” مُنذُ عهْدِ ٱلدّوْلةِ ٱلمَرينيّةِ (ٱلقرْن 7ه/13م)، أوْ قَبْلَ ذلكَ ٱحتِمالاً. وبهذا نفَنِّد ما كُتِبَ -مُؤخَّراً في بعْضِ ٱلمَقالاتِ- ما مَفادُه أنَّ هذا ٱلبابَ أُطلِقَ عليْه إسمُ “باب ٱلشّريعة” لكوْنه قَريبٌ مِن ٱلمَحْكمةِ ٱلشَّرْعيّةِ (أوْ مَحْكمة ٱلأُسْرة) ومَكاتِبِ ٱلعُدولِ!!! يَجِبُ ٱلعِلمُ بأنّ تلكَ ٱلمَحْكمةَ ٱلشّرعيّةَ (أو مَحْكمة ٱلأُسْرة) لمْ تُنْشأ إلَّا في ٱلنِّصْفِ ٱلأوَّلِ مِن ٱلقرْنِ ٱلعِشْرينَ ٱلمِيلاديِّ، على عصْرِ ٱلعَلَويِّين، وأنّها حلَّتْ مَكانَ بُرْجِ بابِ ٱلشَّاوِي ٱلذي كانَ لا زالَ قائماً حتَّى ٱلعِشْرينِيّاتِ مِن نفْسِ ٱلقرْنِ. وكانَ لا يَزالُ يُطَبَّقُ في هذا ٱلبابِ أو حوْلَه تنْفيذُ ٱلعُقوباتِ وإقامةُ ٱلحدُودِ حتَّى بِداياتِ ٱلعُشريّةِ الأُولَى مِن ٱلقرْنِ ٱلعِشرِينَ، كمَا جاءَ في مَقالٍ نشَرتْه إحدَى ٱلجَرائدٍ ٱلفَرنْسيّةِ، “لُو بُوتي باريزْيان” (Le Petit Parisien)، في عَددِها ٱلصّادِرِ يوْمَ 29 مارِس 1903م، وٱلذي كَتَب فيه مُحرِّرُه ما تَرْجَمَتُه أنَّ {ٱلمُتمَرِّدَ ٱلرُّوݣي -ٱلمُكَنَّى “بُوحْمارة”- صَلَبَ رُؤوسَ بعْضِ جُنودِ ٱلسلْطانِ ٱلموْلَى عبْدِ ٱلعزيزِ ٱلعَلَويّ، مِن ٱلذِينَ قتَلَهم، وذلكَ على أبوابِ ٱلمَدينةِ ٱلتي كانَ يُعَسْكِرُ فيها} [أيْ تازة]؛ ويُشيرُ نفْسُ ٱلمَقالِ كذلكَ إلى أنَّ {صَحافيّاً إنجِليزِيّاً عايَنَ بنفْسِه ٱلرُّؤوسَ مُعلَّقةً في مَسامِيرَ وهيَ لا تَزالُ تقْطُرُ دَماً …}.
يُعْتَبَرُ بابُ ٱلشّريعةِ أحَدَ أقْدَمِ وأهَمِّ ٱلأبوابِ ٱلتاريخيّةِ ٱلداخِليّةِ بمَدينةِ تازا ٱلعَتيقةِ، ولا يَزالُ قائماً إلى عَصْرنا ٱلحاليِّ؛ فهوَ يُمثِّلُ ٱلمَدخَلَ إلى وسَطِ ٱلحَيِّزِ ٱلجَنوبيِّ مِن ٱلمَدينةِ ٱلقَديمةِ مِن ٱلجِهةِ ٱلشَّرْقيّةِ ٱلوُسطَى، ويُوجَدُ موْقِعُه بيْن مسْجدِ ٱلأندلُسِ (“مسْجدِ دارِ ٱلمَخْزَن” سابقاً) وبابِ ٱلشّاوِي ٱلمُندَثِر ٱلذي كانَ مفتُوحاً في سُورٍ أثَرِيٍّ داخِليٍّ -مِن ٱلجِهةِ ٱلشَّرْقيّةِ ٱلوُسطَى للحاضِرةِ-؛ وكانَ هذا ٱلسُّورُ يمْتدُّ مِن بابِ أحَرَّاشْ إلى بابِ ٱلقُبورِ قبْلَ أنْ ينْدَثِرَ هوَ ٱلآخَرُ إثْرَ ٱلإحتِلالِ ٱلفَرنْسيِّ للمَدينةِ في بِداياتِ ٱلعِقْدِ ٱلثّاني مِن ٱلقرْنِ ٱلماضي. ويَنفَتِحُ بابُ ٱلشّريعةِ على ٱلفَضاءِ ٱلذي بُنِيَ فيه قصْرُ ٱلسلْطانِ ٱلعَلَويِّ (أوْ “دارُ ٱلمَخْزَنِ”)، بأمْرٍ مِن ٱلموْلَى ٱلرَّشيدِ بنِ ٱلشَّريفِ ٱلعَلَويِّ (حكم 1666/1672م) -ٱلمؤَسِّسِ ٱلفِعْليِّ وٱلحَقيقيِّ للدّوْلةِ ٱلعَلَويّةِ- مع مُلحَقاتِه كٱلمشْوَرِ ٱلسلْطانيِّ، وقصْرِ ٱلعَدَالةِ، وقصْرِ ٱلضِّيّافةِ، وحَدائقِ ٱلسلْطانِ، وٱلحيِّ ٱلسَّكَنيِّ للوُزاراءِ وٱلأعْيانِ وٱلمُقرَّبِينَ، ومسْجدِ دارِ ٱلمَخْزَنِ (مسْجدِ ٱلأندلُسِ حالياً)، وكذلكَ أحياءٍ سَكَنِيّةٍ مَدَنيّةٍ، حيْث كانتْ مدينةُ تازا تُعتَبَرُ أوَّلَ عاصِمةٍ فِعْليّةٍ للدّوْلةِ ٱلعَلَويّةِ -قَبْل فاس- ومِنها ٱنْطَلقَ توْحيدُ ٱلمَغْربِ ٱلأقْصَى على يَدِ ٱلموْلَى ٱلرّشيدِ. بابُ ٱلشّريعةِ بتازا تخترِقُه زنْقةُ ٱلأندلُسِ -كانت تُسمَّى زُقاق ٱلبرْشين قديماً، كمَا كَتبَها ٱلضّابِطُ ٱلفَرنْسيُّ ٱلرّائدُ “لُوِي فْوَانُو” (Cdt Louis Voinot)  في كِتابِه “تازة وغِياثة” (Taza et les Ghiata)-، ٱلتي تبْدأُ مِن جانِبِ ساحةِ أحَرَّاشْ (عِنْدَ نفْسِ ٱلمَكانِ ٱلذي كانتْ أُقِيمتْ فيه بابُ ٱلشّاوي ٱلمُندَثِرةُ) إلى أنْ تَنتَهي عِنْدَ بدَايةِ زنْقةِ سيِّدي مِصباح، أيْ في نقْطةِ تَقاطُعٍ بيْن ٱلمشْوَر ٱلسلْطانيِّ (أوْ زنْقةِ سيِّدي عَلِي ٱلدَّرَّار) علَى ٱليَمِينِ وزنْقةِ دارِ ٱلمَخْزَنِ علَى ٱليَسارِ؛ وتَتفرَّعُ مِن زنْقةِ ٱلأندلُسِ أزِقّةٌ أُخْرى آهِلةٌ بٱلسُّكّانِ، وهيَ زنْقةُ ٱخْتِيتِيلَة، وزنْقةُ بابِ ٱلشَّريعةِ، وزنْقةُ (أوْ زُقاقُ) ٱلحاجّ ميْمون، ودرْبُ ڭْناوة، ودرْبُ ٱبن حَمُّ (درْبُ بَنْحَمُّو ويُسَمَّى أيْضاً درْبُ بُوصْفِيحة)، وأخيراً درْبِ بوحْجَارْ. 

ختاما من الملاحظات الجديرة بالاثارة، هو أنَّه كمَا أسْلفْنا ٱلقوْلَ، فإنَّ كلَّ ٱلمَصادِرِ وٱلمَراجِعِ ٱلتّاريخِيّةِ ٱلمُشارِ إليْها، تُلْحِقُ ٱلواقِعةَ ببِدايةِ عهْدِ ٱلسّلْطانِ أَبي يعْقوبٍ يوسُفَ بنِ يعْقوبٍ بنِ عبْدِ ٱلحقِّ ٱلمَرينيِّ (حكم 685-706ه/1286-1306م)، وتَذكُرُ ثوْرةَ مُحَمَّدٍ بنِ إدريسَ بنِ عبْد ٱلحقِّ ٱلمَرينيِّ على ٱبنِ عمِّه ٱلسّلْطانِ أبي يعْقوبٍ يوسُفَ، في رجَبْ مِن سَنَة 685ه/1286م؛ إلَّا أنَّ مَكانَ ٱلواقِعةِ، وهوَ “خارِجَ بابِ ٱلشّريعةِ” بتازا، لمْ يأْتِ ذِكْرُه صَراحةً سِوَى عِنْد ٱبنِ أبي زرْعٍ في “القِرطاس”، ونَقَل عَنْه ذلِك ٱلنّاصِريُّ في “الإستِقصا”، ولِيفي بْرُوفانْسال في “الإسلامُ في ٱلمَغْربِ وٱلأندلُسِ”؛ لَكِنَّ ٱبنَ خلْدونٍ لمْ يُشِرْ إليْه في “العِبَر” إلا بعِبارةِ “خارِجَ تازى”، وقلَّدتْه في ذلِك نِضال مُؤيِّد ٱلأعْرجي في “الدوْلة ٱلمَرِينيّة على عهْد ٱلسّلْطان يوسُف بنِ يعْقوبٍ ٱلمَرينيّ (685-706ه/1286-1306م)”. 

باحِث وكاتِب في ٱلتّراث وٱلتّاريخ

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق