تازة بريس

الصحافة التي أعرف.. أما اليوم فما يسود هو “صوحافة” الشفاهية لا غير !  

-

تازة بريس

” بالأمس البعيد كان المعنى المحتمل والأوحد لأن تكون صحافيا، هو أن تكون، وبالضرورة، كاتبا يجيد الكتابة ويبدع فيها، ولهذا لم تكن الصحافة تنفصل عن الكتابة والإبداع والنضال، لم يكن سهلا أن تنشر في العلم والمحرر والاتحاد الاشتراكي وأنوال وبيان اليوم والنشرة، ولم يكن غريبا أن تجد الكثير من الصحافيين أعضاء فاعلين في اتحاد كتاب المغرب والأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية، وأن يكون في رصيدهم الإبداعي أكثر من مجموعة قصصية أو رواية أوكتاب بالمطلق. فأن تكون صحافيا، معناه أن تكون كاتبا ومبدعا ومناضلا في آن. عبد الجبار السحيمي، سعيد عاهد، عبد الكريم غلاب، عبد الحميد اجماهري، محمد الأشعري، زكية داوود، محمد العربي المساري، حسن نرايس، نجيب الرفايف، محمد الستوكي، يونس مجاهد، عبد الله البقالي، مصطفى العلوي، مصطفى اليزناسني، علي يعتة، نرجس الرغاي، فتيحة العيادي، الرقاص محتات، عمر المخفي، فهد يعتة، لحسن لعسيبي، علي انوزلا، سعيدة شريف، بديعة الراضي، طلحة جبريل، عبد العزيز كوكاس، عبد الناصر بنوهاشم، محمد بنعبد القادر، عمر بنعياش، عبد الرحمان بنونة، أحمد جزولي، بوشعيب الضبار، حفيظة الفارسي، محمد بلمو، الطاهر الطويل، محمد بشكار، سميرة مغداد، نعيمة فرح، فتيحة النوحو، . .. والكثير الكثير من الأسماء البهية التي زاوجت بين الكتابة والإبداع والنضال، واعتبرت الصحافة كتابة لا مشافهة، وأن الصحافة أثر دال لا يموت. سعيد عاهد كان يجيد كتابة كل الأجناس الصحفية، ويترجم وينشر الكتب، لحسن العسيبي أيضا كان في كل رمضان يختار موضوعا أنثروبولوجيا ويهدينا حلقات حوله، يصدرها بعدا في كتب جميلة كما سيرة الدمع وتاريخ الزواج. هذه هي الصحافة التي أعرف، الصحافة الكتابية وليس الشفاهية، صحافة القلم لا صحافة اللايف. هذه هي الصحافة التي كانت تسهم في تكويننا، ونحن ننتظر الملاحق الثقافية، وسلاسل رمضان، في العلم والاتحاد الاشتراكي وأنوال وبيان اليوم والميثاق الوطني التي أدين لها بالكثير. اليوم الكل بات صحافيا، وإن لم يكن قادرا على كتابة مقال وحيد من 500 كلمة؟ يكفي أن تضغط على اللايف لكي تصير صحافيا، ولا يهم ان تكون متمكنا من قواعد النحو، ولا أن تكون مطالبا بالكتابة أصلا. أذكر جيدا أن الولوج إلى العلم أو أنوال أو الاتحاد الاشتراكي كان مشروطا بكتابة عشرات المقالات، والعمل كمراسل لسنوات، قبل أن يتحقق شرف الالتحاق بهيئة التحرير، أما الانتقال من قسم لآخر فتلك حكاية أخرى. هذه هي الصحافة التي أعرف، أما اليوم فما يسود هو صوحافة الشفاهية لا غير”.

هذا ما أورده حول كائن الصحافة المغربية وواقعها، السسيولوجي عبد الرحيم العطري الأستاذ الباحث بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، عضو المجلس الإداري للجمعية المغربية لعلم الاجتماع وعضو اتحاد كتاب المغرب، صاحب جملة دراسات ومؤلفات ومنشورات في عدد من المجالات، منها “دفاعا عن السوسيولوجيا”، “سوسيولوجيا الشباب المغربي”، “المؤسسة العقابية بالمغرب”، “صناعة النخبة بالمغرب”، “الليل العاري”، قصص من أجل ياسمين”،” دفاتر الحرف والسؤال”، “الحركات الاحتجاجية بالمغرب”، “القارة السابعة”، “تحولات المغرب القروي”، “أسئلة التنمية المؤجلة”، “قرابة الملح” “بركة الأولياء”  “بحث في المقدس الضرائحي”، “الرحامنة: القبيلة بين المخزن والزاوية”، “سوسيولوجيا الأعيان” “مدرسة القلق الفكري” “سوسيولوجيا السلطة السياسية” ..الخ. هذا ما أورده حول الصحافة المغربية صاحب هذه المساحة من الفكر والكتابة والبحث والنشر والتأمل والنقاش والرأي والطرح والتطارح والاضافة..، على صفحة الرسمية بالفيسبوك اليوم 12 أبريل الجاري متحدثا عن واقع الصحافة بالمغرب وفعلها وتفاعلها ومستوى وقعها. وكان ذات يوم قبل عدة سنوات قد دعا إلى تربية وحكامة رقميتين، لتجاوز تحديات الثورة الرقمية التي يشهدها العالم ويتأثر بها المجتمع المغربي إلى حد كبير. مشددا في لقاء نظمه آنذاك ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء حول “المجتمع المغربي والثورة الرقمية”، على ضرورة حل معادلات الترسبات الثقافية وأشكال التمكين الاقتصادي والسياسي والهوياتي للمواطن والتدبير المؤسساتي وغيرها.

مشيرا في ذات اللقاء المنظم بمقر الوكالة، أن استعراض التحديات لا يشكل نوعا من جلد الذات الجماعية، بقدر ما يكشف عن نوع من الانهجاس بالتألق الذي عرفته بلدان أخرى عرفت طريقها للنمو. مستشهدا بنموذج النمور الآسيوية التي آمنت بالعلم، وانتصرت للقيم وصنعت الشرائح الإلكترونية وملكت صغار الفلاحين، وشجعت الإعفاء الضريبي، والقروض دون فائدة، وأنجزت إصلاحا اقتصاديا جريئا، وتحديثا سياسيا، فارتفع الدخل وانتفى وجود العاطلين. مذكرا بأن الإنسان عبر تاريخه الطويل، عرف لحظات مفصلية في حياته (اختراع النار، العجلة…)، وتعرض لصفعات خلخلت يقينياته (صفعة كوبرنيك، وصفعة داروين، وصفعة فرويد، وصفعة التكنولوجيا..)، وانتقل من الآلة إلى النسق إلى اللامرئي. موجزا أعطاب القراءة في التعامل مع الثورة الرقمية، في انتصار خطاب النهايات (نهاية التاريخ، موت المؤلف، موت المعنى ..)، وانتصار خطاب المظلومية والنوستالجيا، وخطاب التلبس الإيديولوجي الذي يوجد خارج النسق العلمي، وخطاب التضخم الهوياتي..إلخ، داعيا إلى تنسيب الحقيقة والتفكير بمنطق السياق الكفيل بإنتاج المعنى. مختزلا تحديات الثورة الرقمية بالنسبة للمجتمع المغربي باعتبارها “إعادة كتابة النسق من جديد”، في التحديات الاقتصادية، والسياسية (المواطن المدون والفاعل الرقمي)، والثقافية، والقيمية والصحية وغيرها.

ما ناقشه وأثاره الأستاذ العطري حول واقع الصحافة المغربية وأحوالها وما هي عليه من مشهد أمام أعين الجميع، كانت بتفاعلات وردود عدة جاءت في سوادها الأعظم مُثمنة لتدوينته، منها هذه العينة،” والأمَرُّ من ذلك، أنهم يضعون قواعد جديدة للمهنة بتواطئ عفوي من الأغلبية التي تستهلك تفاهتهم، وهي قواعد يصبح على ما تبقى من صحافة جادة ان تجاريها أو على الأقل أن تنتبه إليها حتى تضمن بقاءها! “، “فعلا الكتابة الأدبية في الملاحق الثقافية، وإن لم تخل من وجهيات ومأذونيات بدورها، كان مطمحا، والأدب كان دائما جواز مرور إلى الكتابة الصحفية، نجمي كان شاعرا قبل أن يكون صحفيا، الجماهري كما ذكرت، السحيمي صاحب “الفاركونيت”، عبد الكريم غلاب وغيرهم. حتى في مصر نجد الأخوين أمين، يوسف إدريس، نجيب محفوظ في الأهرام وغيرهم. اليوم لا شيء في “الصوحافة” غير لازمة “شنو يمكن تقول لينا..”، مؤسف ما آلت إليه الصحافة المغربية!! ، “أوجزتم وأبدعتم. بالفعل نعيش صحافة اللايف اليوم بكل ما تحمل من مخلفات وعاهات اجتماعية ممجوجة. ولذلك لا أستغرب انزواء كل المبدعين بعيدا عن أشكال الحضور السمجة اليوم.. للأسف”، “بالفعل يا أستاذ فما نشهده اليوم لا يمت للصحافة بصلة، والأقلام الجادة والمهنية ذات المصداقية انزوت بعدما استشرت الضحالة والبوز الخاوي، بل أصبحت تتحرج من القول إنها تنتسب إلى هذه المهنة التي اضحت مهنة من لا مهنة له”. “نعيش اليوم في ما يسمى بمجتمع الإعلام حيث انتشرت وسائل الإعلام الحديثة والأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهر ما يسمى بالمواطن الصحفي، فكان لزاما أن تتطور الصِّحافة لتواكب تطور هذه الوسائط وتستجيب لمتطلبات عصر الصورة أو لنقل عصر المرئيات، هذا ما جعل سوق الكتابة كاسدا لا من حيث منتيجيها ولا من حيث مستهلكيها.. وعلى العموم فقد فهمت فالحصول على بطاقة الصحفي لا يكفي لجعل المرء صحفيا”.

وعن هذه الردود أيضا نختم بما جاء من قِبل أحد أعلام الاذاعة الوطنية بالمغرب وبصماتها، ويتعلق الأمر بالحسين العمراني وهو اسم غني عن كل تعريف وقد أورد :” .. مجموعة من الأسماء ذكرتها (في إشارة منه لتغريدة الأستاذ العطري) كان لها حضورها الصحفي المتميز أيضا من خلال الإعلام السمعي والبصري سنوات الستينات والسبعينات كان للكتاب المغاربة نوافد إذاعية يرسلون منها خطابات الى عامة المواطنين . نذكر مثلا حديث الظهيرة وحديث الأربعاء قصة الأسبوع ناشئة الأدب وبرامج أخرى كانت رسائلها اجتماعية و ثقافية وسياسية وفنية ثراثية إلى جانب تمثيليات ومسلسلات إذاعية لازالت راسخة في الذاكرة من تأليف روائيين كبار . كانت أسماء فاعلة بحق ومعهم ظهر أسلوب جديد وحديث في الكتابة تميز فيها كل من محمد برادة، عبد الجبار السحيمي، مصطفى القباج ، عبد الرفيع الجواهري، أحمد عبد السلام البقالي، ادريس الجاي، وجيه فهمي صلاح، أحمد سهوم. إلى جانب أسماء راسخة في الذاكرة الاذاعية والتلفزية التي استفادت من احتكاكها بهذه الأسماء كالماجدولي والبوعناني وأحمد الريفي وخالد مشبال وعبد الله شقرون واللائحة طويلة. فالصحافة لا يمكن فصلها عن الثقافة والفكر والتاريخ والفلسفة وعلم النفس، أن تكون صحافيا لا يعني أن تكون من خريجي المعاهد الصحافية. والتاريخ أتبث أن خريجي الجامعات هم الأقوى وخير مثال الٱن الأستاذ العطري الذي أوافقه في كل ما قاله . فمرجعيته جعلته متميزا في عمله الصحافي والذي يصل بمهارته في الحديث إلى المتلقي وبلغة الإقناع التي يتواصل من خلالها مع الجميع..”.

 

إلغاء الاشتراك من التحديثات