تازة بريس
عبد اللطيف جنياح
لا شك أن مبدأ مجانية القضاء، هو أحد ضمانات التقاضي الضرورية وأهم المبادئ القانونية في ظل النظم القضائية الحديثة، التي كرست مبدأ المجانية كضمانة لرفع معيقات الولوج إلى القضاء باعتباره يؤدي خدمة عامة، وللحفاظ على حسن سير مرفق القضاء وعدم انتهاك حق الشخص في اللجوء إلى التقاضي.
في هذا السياق سبق أن طالبت لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب بضمان مجانية التقاضي وإلغاء الرسوم القضائية، وذلك تفعيلا لشعار “القضاء في خدمة المواطن”، والذي يعني اللجوء إلى القضاء بدون عوائق لكافة المتقاضين، جاء ذلك في مذكرة رفعتها بعض المنظمات الحقوقية إلى كل من مدير الديوان الملكي، ورئيس الحكومة، ووزير العدل والحريات، ورئيسي غرفتي البرلمان، ورؤساء الغرف البرلمانية ناشدتهم من خلالها العمل على إلغاء الرسوم القضائية، وحذف الباب المتعلق بها من مشروع القانون المالي لسنة 2013، باعتبار أن الخدمات التي تقوم بها السلطة القضائية تعد وظيفة من وظائف الدولة، كما هو الشأن بالنسبة للأمن الذي يجب أن يتمتع به الجميع، وباعتبار أن وجود باب من أبواب مداخيل الميزانية العامة للدولة في مشروع القانون المالي بعنوان “الرسوم القضائية “، يجعل من هاته الأخيرة كمقابل للخدمات التي تقوم بها السلطة القضائية في حلها للنزاعات المعروضة عليها، وهو ما يعتبر ضربا لمجانية التقاضي الذي يعد من مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا.
الحقيقة أن مسألة فرض الرسوم القضائية قد منعت الكثيرين من الاستفادة من مرفق القضاء، وصولا للعدالة واستحصالا لحقوقهم وذلك لعجزهم عن تغطية رسوم أو مصاريف الدعاوى. إن المجانية في التقاضي هي في حقيقتها الوجه الآخر لدعم العدالة، وهذا أمر واجب على الدولة، أسوة بالنظم والتشريعات التي تكفل تحقيق ذلك المبدأ، لأنه كما يقال” العدل أساس العمران”، أو بمفهوم العصر”العدل أساس التنمية المستدامة”. ولهذا فإن الوصول إلى العدالة، أي إلى الحق لابد أن يكون مجانيا، ودون أي عوائق. وإذا كان دستور 01 يوليوز 2011 قد نص على ضمانة حق التقاضي لكل شخص للدفاع عن حقوقه ومصالحه التي يحميها القانون (المادة 118 من الدستور)، فإنه وفي إطار ما تم التنصيص عليه بنفس الدستور من تكريس مبدأ دستورية القوانين، فإنه يجب ملاءمة التشريعات الموازية لمقتضيات الدستور وروحه، وخصوصا التشريعات المتعلقة بتنظيم الرسوم القضائية وإلغائها.
وإذا كانت مجانية القضاء مطلبا لضمان حقوق التقاضي، فإن تحقيق ذلك منوط بوفاء الدولة بالتزاماتها في هذا الشأن بتوفير الموارد البشرية الكافية الكفأة و المختصة، وتجويد الأنظمة القانونية و القضائية تحقيقا للأمنين القانوني والقضائي، وذلك كشرط لبناء دولة المواطنة أي دولة الحقوق والحريات.