تازة بريس
أمر غير خاف عن أعين الجميع ولا داعي للاختباء وراء الصورة، هو ما يوجد عليه وضع الحركة الثقافية عموما بتازة من حال نمط وتكرار واجترار وركود وتراجع وكذب على الذات خلال السنوت الأخيرة، رغم ما يسجل من حين لآخر من تمظهرات بهرجيات تخفي ما تخفي من واقع بؤس بات لصيقا بشأن الثقافة والفن والابداع عموما على المستوى الوطني( أنظر ما هو : أغنية، مهرجانات، سينما، منشورات، اختلالات .. وهو ما تتقاسمه الصحافة الوطنية ضمن متابعاتها تقريبا يوميا من هنا وهناك).
ولعل واقع حال الثقافة بتازة هو نِتاج عوامل ذاتية وموضوعية في علاقة بغياب تبصر صوب ما هو تنمية من خلال موارد المدينة الفكرية والابداعية والبحثية وغيرها (يعني ما الفائدة من الثقافة وما القيمة المضافة وما الأثر على ارض الواقع في علاقة بالمدينة)، ومن غياب رؤية وبرنامج تنشيط سنوي واضح هادف من إدارة ثقافة وادارة شباب ورياضة ومصالح بمهام وأدوار منوطة عن هيئات منتخبة. فضلا عما يطبع الشأن الثقافي المحلي من هزالة عرض وما ينبغي أن يكون رافعا محفزا من تجهيز، باستثناء قاعة عرض يتيمة تم انشاءها قبل أزيد من عقد من الزمن، إنما في مكان غير مناسب لعزلته، وقد جعلها بحضور باهت بخلاف ما كان منشودا منها لفائدة حركة ثقافة ودينامية مثقفين ومبدعين وجمعويين، فضلا عن واقع تحفيز بئيس لما هو كائن من مجتمع مدني، ناهيك عما يسجل من ضعف دعم وتواضع برامج ومبادرات.
جدير بالاشارة الى أن تازة بكثافتها السكانية وإرثها الحضاري وامتداد مجالها الحضري بين مدينة عتيقة (تازة العليا) وحديثة (تازة السفلى)، لا تتوفر على قاعات قرب ثقافية خاصة ومستهدفة لأنشطة لأطفال مبدعين وشباب وغيرهم، باستثناء القاعة السالفة الذكر التي بحكم موقعها لم تكن استثمارا موفقا، بحيث لم تحقق ما كان منشودا من أثر على صعيد انعاش المدينة العتيقة، التي توجد هذه القاعة خارج أسوارها وتفاعلها المجتمعي، ناهيك عما يرتبط بموقعها من إكراه بيئي غير محفز، بكيفية خاصة خلال فصل الشتاء حيث هبوب الرياح وشدة البرد. وهي القاعة نفسها على علتها لا تخلو من أعطاب تقنية وارتباك تدبير وردود فعل نوادي وجمعيات من حين لآخر. وتعلق ساكنة تازة ومعها الفعل الثقافي الجمعوي آمالا واسعة على الجميع كل من موقعه، من أجل رد الاعتبار لوضع المدينة الثقافي واسترجاع ما كانت عليه من اشعاع لعقود والى عهد قريب، بكيفية خاصة ما طبع فترة تسعينات القرن الماضي ومعها العقد الأول من الألفية الجديدة. حيث يلتقي رأي واسع حول افتقاد تازة لمساحة معبرة من بريقها الثقافي الابداعي وفعلها الجمعوي، عندما شهدت ما شهدته من تراجعات غير خافية عن الأعين مقارنة على الأقل بما كانت عليه الى عهد قريب، باستثناء ما يسجل من مواعيد مضيئة محدودة ومحطات مؤسَّسة رصينة من حين لآخر.
ويرى عدد من المهتمين ومنهم جمعويين أن ما طبع تازة من دينامية ثقافية في الماضي، لا يمكن القفز في نجاحه عما كان من أثر فيه لمجالس منتخبة، وما كان لهذه الأخيرة من تتبع ودعم ومقترح وحضن مادي ولوجستي. لدرجة أن ما حصل من اشعاع أنشطة ثقافية سنوية بالمدينة ومن مواعيد قارة، كانت بما كانت عليه من صدى وبما تعودت عليه المدينة من أنشطة محددة في تيمتها ووقعها واشعاعها وبصمتها على المستوى الوطني والدولي، كما بالنسبة لمهرجان الشعر والأغنية الوطني والمهرجان الدولي لمسرح الطفل…، كل هذا وذاك من أثاث تازة الثقافي الى عهد قريب، يعود لِما كانت عليه الثقافة في أجندة الهيئات المنتخبة، دون نسيان ما كانت عليه مندوبية الثقافة من كاريزما تدبير وبادرة وتجديد وبعد نظر، صوب هذا الفعل في علاقته بتنمية المدينة.
وغير خاف ما كان للفعل الجمعوي خاصة منه فروع منظمات وجمعيات وطنية (للأسف منها من اختفى ومنها دخل تحت اجنحة ما بحثا عن دفئ ما)، من دور رافع للحركة الثقافية مقارنة مع ما تتنفسه وتوجد عليه المدينة من واقع حال باهت، من جملة ما يحكمه وضع جمعيات بالمئات لا يقابله ما ينبغي من أداء ثقافي لأسباب عدة. ولعل خجل فعلها على تعدد ألوانها وما يسجل حولها من ضعف مردودية واستمراية وهزالة أنشطة، يجعلها بنوع من المناسباتية ومن ثمة مجرد رقم لا غير في خريطة سلطة الثقافة وفعل المجتمع المدني. ولا شك أن واقع الحال الثقافة بالمدينة يدفع لطرح جملة اسئلة، من قبيل عدد ونوعية الاطارات الجمعوية الثقافية المنخرطة حقا؟ وأية مشاريع وبرامج وبعد نظر تنموي ترابي وبشري ترومه؟، وأية وجهة وفئة وقضية وتيمة مستهدفة وبأية خطة؟. وهل ما هناك من خربشات ثقافية وبهرجة تشكل خريطة طريق في زمن ثقافة التفاهة عوض ما ينبغي من نخب مبدعة وفكر وتطارح وابداع ونقد بناء وترافع من اجل نبل وموقع الثقافة في السلوك والوعي والتأطير والمتعة وايضا ما هو بأثر على اشعاع المدينة وتنميتها، أسئلة وغيرها لا شك أنها تحيل تازة ليس فقط على أزمة فعل ثقافي وازمة اطارات كانت لها كلمتها الى عهد قريب عوض كائن الآن، بل ايضا على أزمة جدل تأطير وتكوين وأهداف واستشراف، وهذا أمر الحديث عنه ذو شجون لا شك سيأتي ضمن أوراق عدة بحول الله.