تازة بريس
عبد الاله بسكًمار
حل مساء يومه الإثنين 06 فبراير 2023 بورش إصلاح وترميم المسجد الأعظم بتازة العتيقة، ممثلون عن المجتمع المدني التازي عبر الائتلاف المدني لإنقاذ مدينة تازة، في إطار البعد التشاركي بين المؤسسات وفعاليات المجتمع المدني كما نصت على ذلك مختلف النصوص القانونية وعلى رأسها الفصلان 27 و33 من الباب الثاني للدستورالمغربي، ومختلف المراسيم والاطارات المرجعية والقوانين المنظمة لعمل وأنشطة المجتمع المدني الذي بات يصنف كسلطة خامسة للرقابة والتتبع وباعتباره ايضا قوة اقتراحية أساسية، نابعة من عمق المجتمع وهمومه وقضاياه.
كانت الزيارة الميدانية لممثلي المجتمع المدني التازي، مناسبة للوقوف على أشغال ترميم وإصلاح المسجد الأعظم أو “الجامع الكبير”، الذي يعد أهم صرح ديني وثقافي على صعيد إقليم تازة ومن أهم المعالم التاريخية على المستويين الجهوي والوطني وهو مصنف كتراث وطني. ويذكر أنه تأسس خلال عهد الخليفة عبد المومن بن علي الموحدي سنة 529 هجرية حسب بعض المصادر، ولما جاء المرينيون توسعوا في صحنه وأساكبه وأروقته وتفننوا في نقوشه وزخرفته، وخاصة منها كتابة الآيات القرآنية والمقرنصات المختلفة والمنمنمات المتعددة وأشكال الفسيفساء بتأثير واضح من الفنين الأندلسي والمغربي. كما عززوه ايضا بخزانة كانت تعد من أكبر الخزانات العلمية خلال تلك الحقبة التاريخية، حتى أصبح مسجد تازة من أهم معالم تلك الفترة وقد ارتبط أساسا بمرحلة حكم السلطان أبي يعقوب يوسف، الذي عرف بحصاره الطويل لتلمسان/ بني عبد الواد بن يغمراسن وبعض غزواته بالأندلس، كما قام نفس السلطان بوضع الثريا الشهيرة بالمسجد سنة 694 هجرية/ 1294 م .
طاف وفد المجتمع المدني بمختلف أرجاء المسجد، واستمع لبعض الشروحات حول مراحل الترميم، التي ما زال أمامها أشواط متعددة لتكتمل صورتها النهائية، وحسب مصدر مأذون فإن لوحة التشوير المُعرِّفة بالمشروع والمقاولة المعنية وتكاليف الإصلاح ستوضع قريبا ( سنرى ههه)، كما أن أنشطة الترميم تعتبر من أدق وأعقد العمليات على الإطلاق، لأن الأمر يتطلب مطابقة التصميم للمعاييرالمعتمدة في البنايات ذات الطابع التاريخي أو الديني، ولهذا يلاحظ الكثيرون البطء الجاري في تلك العمليات مثلما هو حاصل حاليا بالنسبة لعدد من مساجد وزوايا المملكة، وعلى رأسها جامع القرويين بفاس الذي يخضع بدوره لإصلاحات وترميمات ثم جامع تينمل الموحدي الذي اكتمل إصلاحه وترميمه في وقت سابق . لاحظ ممثلو المجتمع المدني التازي عدم وجود أية حفر سواء ببهو المسجد أو قاعة الصلاة أو الصحنين، كما تمت إزالة الجزء الأوسط من سقف قاعة الصلاة والتي كان يعلوها القرميد، مما يطرح السؤال كبيرا حول إعادة الوضع إلى ما كان عليه، أي أن المطلوب هواستبداله بنفس القرميد وليس شيئا آخر، وذات الملاحظة تسري على بعض الزليج الأصيل الذي عرف به المسجد خاصة على مستوى أرضيته، كما أن جل الأشغال حاليا تتركز في الجدران والأقواس والقبب وسقف بيت الصلاة.
أما فيما يتعلق بتحف المسجد، فتأكد للحاضرين استمرار الثريا في نفس مكانها المعروف خلافا لما أشيع بتازة، غير أنه تمت إحاطتها بغلاف من البلاستيك الأخضر وقاية لها من الأتربة ونفايات البناء، وصرح نفس المصدر بوجود خمس ساعات شمسية ستعاد إلى أمكنتها الأصل، والمعروف عند عموم التازيين أن الساعة الشمسية الرئيسة كانت شمال الصحن المريني واختفت في ظروف غامضة، تجانبها أخرى على يمينها، فيما الثالثة كانت معلقة بجانب مدخل الصحن الموحدي الموجود في الموقع الخلفي والشمالي للمسجد بمحاذاة الصومعة، أما فيما يخص خزانة المسجد والتي تعود إلى زمن أبي فارس أو ابي عنان المريني ( سنة 757 هجرية ) فبقيت على حالها وهي مغلقة أصلا، رغم بعض التخوف الذي أبداه عدد من ممثلي المجتمع المدني، حول مصير محتوياتها في ظل الترميم والبناء، ويذكر أنه كان بها أيام تألقها أزيد من 10000 مخطوط ومجلد في مختلف العلوم والمعارف المميزة للعصور الوسطى، لم يبق منها سوى ما يناهز 700 بسبب النهب الذي تعرضت له على فترات متقطعة ومتواصلة وبتواطؤ سري وعلني أحيانا بين العديد من الجهات وخاصة بعد استقلال البلاد، في غياب كل حسيب أو رقيب ولنا عودة للموضوع لاحقا.
تعد هذه الزيارة النشاط الثاني من نوعه لجمعيات المجتمع المدني، بعد الزيارة الميدانية للأسوار التاريخية المرينية الموجودة في الحيز الجنوبي للمدينة العتيقة والمهددة بالاختفاء، تبعا لزحف النفايات والأتربة دون حسيب أو رقيب، كما أنه يعد باكورة البرنامج الميداني الذي ينفذه الائتلاف المدني لإنقاذ مدينة تازة والذي تأسس في وقت سابق، جامعا شمل العديد من الإطارات والجمعيات المختلفة الأنشطة والتوجهات والتي تلتقي في الدفاع عن مدينة تازة أمام ما يهدد نسيجها العمراني والتاريخي والرمزي، ومن المقرر أن تلي هذه الزيارة فعاليات أخرى للتتبع والمعاينة، كما أن برنامج الائتلاف حافل بالأنشطة المختلفة من أجل إنقاذ تازة ورد الاعتبار إليها.