تازة بريس
عبد اللطيف جنياح
تحت شعار”ضمانا للحق في التقاضي” ينظم فرع تازة لنقابة المحامين بالمغرب بشراكة مع هيئة المحامين بتازة ، يوم الخميس 15/ 06/ 2023 , ندوة بعنوان”أي مسطرة مدنية نريد ؟ وذلك بقاعة الندوات بمقر هيئة المحامين بتازة.
وتأتي هاته الندوة في إطار مواكبة المخطط التشريعي لوزارة العدل، الذي تروم من خلاله هاته الأخيرة إحالة مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على البرلمان قصد المناقشة والمصادقة خلال الدورة التشريعية الربيعية.
وينتظر من هاته الندوة إبراز تصور المحامين لإصلاح قانون المسطرة المدنية، وإبداء مقترحاتهم حول ذلك من منطلق ممارستهم المهنية، وإلمامهم بالإشكالات العملية التي يطرحها تطبيق هذا القانون، وإطلاعهم على المستجدات التي تحملها مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المعد من طرف وزارة العدل.
وتبرز أهمية هاته الندوة في مقاربة قانون يعتبر أكثر القوانين تطبيقا والتصاقا بالحياة العملية للمواطنين، وهو ما يتطلب توفير نص تشريعي جيد يتحقق معه الأمن القانوني باعتباره مدخلا لتحقيق الأمن القضائي.
وتتوزع محاور الندوة بين عدة مداخلات متكاملة ومتناسقة بهدف تحقيق المقاربة الشاملة للموضوع، والتي يؤطرها نخبة من الهامات العلمية التي راكمت الكثير على مستوى الممارسة المهنية والبحث العلمي والعمل التنظيمي والحقوقي.
وتتناول المداخلة الأولى الحاجة الى تأمين الولوج المستنير إلى العدالة، باعتبار أن الحق في التقاضي كمبدأ دستوري لن يتحقق إلا برفع المعيقات، التي تحول دون وصول فئات عريضة إلى العدالة واستحصال حقوقها، وهي معيقات متعددة ومتنوعة وتتحدد أساسا في إلزامية أداء الرسوم القضائية ومصاريف الدعوى، كشرط للاستفادة من خدمات المرفق القضائي كمرفق عمومي، من المفروض أن يكون الولوج إليه مجانيا تكريسا لمبدأ مجانية العدالة وضمانا للحق في التقاضي، بالإضافة الى معيقات أخرى تتجلى في تضييق مجال المساعدة القضائية الممنوحة بشروط تعجيزية وعدم استفادة الفئات الهشة وذات الدخل المحدود منها، هذا بالإضافة أيضا إلى ما يتطلبه تأمين الولوج من ضرورة توفير الموارد البشرية الكافية والكفأة والمتخصصة، وتجويد الأنظمة القانونية والقضائية.
أما المداخلة الثانية في الندوة فتقارب موضوع الاختصاص والمسطرة أمام المحاكم، انطلاقا من الترابط والتداخل بين قانون التنظيم القضائي وقانون المسطرة المدنية، وما يتطلبه الاختصاص المعمول به من مراجعة ترقى بالغرف المحدثة على مستوى المحاكم الابتدائية إلى أقسام على غرار أقسام قضاء الأسرة، وذلك لتجاوز الآثار السلبية لنظام الغرف المعتمد في تدبير العمل القضائي داخل هاته المحاكم، فضلا عن ضرورة إلغاء الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري والتجاري على مستوى المحاكم الابتدائية، التي نص عليها قانون التنظيم القضائي باعتبار أن إدراج القضايا الإدارية ضمن اختصاص المحاكم الابتدائية، يعتبر تراجعا عن التوجه الرسمي للدولة حول تعميم القضاء الإداري وإحداث مجلس الدولة، فضلا عن أن إدراج القضايا التجارية أيضا ضمن اختصاص المحاكم الابتدائية، يعتبر التفافا على مطلب تعميم تجربة القضاء التجاري وإحداث غرف تجارية بمحكمة النقض، وتمكين المتقاضين من الاستفادة من خدمات قضاء متخصص ومؤهل وكفء، علاوة على أن إحداث أقسام من هذا النوع بالمحاكم الابتدائية، هو تعميق لأزمة تراكم الملفات وزيادة الضغط على الموارد البشرية المحدودة، وهو ما سينعكس سلبا على جودة الأحكام والخدمات ونجاعة التقاضي.
إن تأمين الولوج المستنير إلى العدالة يتطلب إعادة النظر في إجراءات التقاضي وتبسيطها، وتصنيف المساطر عبر توسيع مجال المساطر الكتابية، درء للآثار الجسيمة لضياع الحقوق وهدرها، نتيجة جهل المتقاضي الذاتي والمعنوي بالقواعد والمساطر القانونية. وفي نفس السياق يستحضر المحور الثالث من الندوة، موضوع الآجال وطرق الطعن للوقوف على الآثار القانونية للآجال في إجراءات الدعوى، والوقوف على الإشكالات العملية التي تثيرها هاته الآجال وانعكاساتها على حقوق المتقاضين، خاصة في النزاعات التي تكون فيها الدولة أو الإدارات العمومية طرفا في مواجهة الخواص، فيسود التمييز القانوني على حساب مبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليه في الدستور، وبنفس الأهمية يطرح موضوع الطعن في الأحكام والقرارات القضائية والإدارية، مع استحضار ضرورة اعتماد مبدأ التقاضي على درجتين وتعميمه على جميع الأحكام، باعتباره من مباديء القضاء وضمانات تحقيق العدالة.
وارتباطا بالمحاور السابقة يتعرض المحور الرابع من الندوة لإجراءات التبليغ باعتبارها إجراءات أساسية في التقاضي، وباعتبار أن المخطط التشريعي يتوجه نحو حصر وسيلة التبليغ في فئة المفوضين القضائيين، رغم أن مشكلة التبليغ لن تجد حلها الناجع إلا عبر إحداث مصالح خاصة بالتبليغ، تضم موارد بشرية مؤهلة لهذا الغرض على مستوى بعض الإدارات العمومية ذات الارتباط بالسكان، مع ضرورة تفعيل دور مأموري التبليغ على مستوى المحاكم.
وتختتم محاور الندوة بمقاربة لإجراءات التنفيذ، باعتبار أن عملية التنفيذ هي أهم مرحلة في التقاضي، لارتباطها باستيفاء الحقوق، وباعتبار أن الثقة في القضاء مرتبطة بتنفيذ الأحكام الصادرة عنه، والتي لا قيمة لها دون تنفيذ، وهو ما يستوجب الوقوف على التعثرات التي تطال عمليات التنفيذ، وإبراز الحلول الكفيلة لتجاوزها، وتفعيل الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتنفيذ وتوسيع مهام المسؤولين الإداريين والمكلفين بالتنفيذ بمصلحة كتابة الضبط. هذا وينتظر أن تنبثق عن الندوة توصيات، ستمثل محورا للمذكرة الترافعية التي سيتم رفعها عقب هاته الندوة إلى الجهات المعنية.