نادي القراءة بتاهلة وجائزة أحسن ناد قرائي لشبكة القراءة بالمغرب..

  تازة بريس

علي غوزالي

واقع القراءة لدى الأطفال المتمدرسين، من خلال تجربة نادي القراءة بمدرسة الامام البخاري بتاهلة، يطرح سؤال المهتم والمتتبع وحتى الباحث حول”هل مازال خير جليس في الأنام كتاب”؟ سؤال حارق حقيقة في ظل هيمنة سلطة الصورة والرقميات على كل الفضاءات والميادين. ولعل غرس عادة القراءة في صفوف المتمدرسين، هو بحاجة لجملة ادوات ووسائل تربوية ومهارية وحتى نفسية. وللتعرف على واقع القراءة عند اطفال متمدرسين، التقت جريدة تازة بريس، بالاستاذ رشيد بوغنم، الفاعل الجمعوي ومنسق نادي القراءة بمدرسة الامام البوخاري بتاهلة، وكان الحوار التالي:

تازة بريس: الأستاذ رشيد مرحبا بك في جريدة تازة بريس، هل مازالت القراءة عند الطفل حاضرة، وتمثل شغفا؟ لا شك ان القراءة حاجة إنسانية وغذاء للروح والعقل، اذ لا يمكن تصور حضارة في بلد ما يغلب عليه طابع الجهل والأمية، فهي من أهم ركائز تقدم الأمم وتحضرها وتطورها، فبالقراءة يبنى فكر الانسان وقيمه وسلوكه، فهي اعظم أداة وهبها الله للإنسان لتغذية عقله ووجدانه واكتمال وعيه. وبناء على هذا فالقراءة كانت حاضرة لدى الأطفال وستبقى، بدءا بتنظيم أوقات فراغهم بأنشطة قرائية مفيدة، وصولا الى تعويدهم وتدريبهم وتزويدهم بأدوات القراءة النافعة ، فيجد في القراءة راحة ومتعة وسفر مع الكتاب في عوالم مختلفة.   

تازة بريس: ماهي خصوصيات القراءة عند الأطفال؟ يقول الدكتور محمد الوهابي – وهو أديب وطبيب للأطفال – في كتابه: (لكل طفل كتاب – ص 25): (بينما أنا عائد من هولندا إلى بلجيكا في القطار، كان بجانبي سيدة هولندية بمعيَّة ابنها الصغير، فجأة طفق الطفل في البكاء، فتحت الأم حقيبةً في يدها وسلَّمت له كتابًا، وراح يقرأ بحيويَّة وارتياح، وانقطع عن البكاء، واستغربتُ من هذه الحادثة؛ لأنني ظننتُها ستعطي ابنها الحلوى، فإذا بها تعطيه زادًا نفسيًّا لا ينضب معينُه، وهو الزاد الفكري الذي يحتاجه أطفالنا) فاذا نظرنا الى الأمر بعين المحدق في مجال التربية وراعينا وضع الاسر المغربية سيبدو الأمر لأول وهلة بأن هذا  غير ممكن ، لكن عكس ذلك تماما اذا حاولنا ان نعود أطفالنا على عادة القراءة وسعينا أن نخلق لديهم طقسا يوميا ،وان نحترم ميولاتهم ورغباتهم، سوف تتولد لديهم مع مرور الوقت الرغبة وحب القراءة وفق نظام زمني محدد.

تازة بريس: كيف يتم تأطير نادي القراءة بالمدرسة؟ النادي هو اطار تنظيمي لتفعيل الحياة المدرسية داخل المؤسسة، وفضاء تربوي ملائم لتنمية مؤهلات التلاميذ في مختلف المجالات، واكتشاف ميولاتهم وصقل مواهبهم، بحيث يساهم المتعلمات والمتعلمون في كل أنشطته بكل حرية ، تحت اشراف المنسق والمكتب المسير للنادي وفق مقتضيات القانون الداخلي. تأسس نادي القراءة بمدرسة الامام البخاري بتاريخ07/11/2022م كما تنص على ذلك المذكرة 42الصادرة بتاريخ 12أبريل2001 والمذكرة87 في موضوع تفعيل الحياة المدرسية. فالنادي يشغل وفق برنامج سنوي يوضع في بداية السنة، توزع فقراته على امتداد السنة الدراسية، ويتضمن زيارات للمرافق والمؤسسات المحلية كخزانة البلدي وداري الشباب للاستفادة من خدماتها المتنوعة، وتنظيم مسابقات في الثقافة والابداع (مثلا مسابقة في الشع، القصة القصيرة، تلخيص كتاب..)، وتنظيم ورشات قرائية وتعبئة بطاقة قراءة الكتاب أعدت لهذا الغرض، وتقديم عروض يؤطر بعضها الأستاذ حول ماهية القراءة وأهدافها وانواعها واستراتيجياتها ، وعروض أخرى يشرف التلاميذ على تقديمها في ارتباط تام بالمناسبات الوطنية والعالمية، إضافة الى المشاركة في كل التظاهرات والمسابقات الوطنية والعربية كمسابقة شبكة القراءة بالمغرب ومسابقة تحدي القراءة العربي، كل هذا يتم وفق رؤية تكاملية تستحضر بناء التفكير النقدي لدى الطفل وربط المقروء بالواقع. بحيث يتم توجيه المتعلمين الى انتقاء الكتب المقروءة بحسب سنهم وميولهم، مع الحرص على تنويع المجالات القرائية (علمية، أدبية ،تاريخية ، بيئية، دينية ….)تجنبا لتنميط التلاميذ في قالب قرائي واحد. كما اعددنا “بطاقة قراءة كتاب” التي أشرنا اليها سابقا بدقة كبيرة، وتتضمن معلومات مكتبية وأسئلة تتدرج في دراسة النص واستخراج المغزى المستنبط منه ،وصياغة ملخص للكتاب، مع ابداء رأيه حول الكتاب وتعليل ذلك، إضافة الى الدور المهم للمشرف المتمثل أساسا في المواكبة المستمرة لعمل التلاميذ بالتأطير والتوجيه كي يجعل القراءة جزء لا يتجزأ من حياة الطفل.

تازة بريس: ما هي بعض انجزات نادي القراءة بمدرسة الامام البخاري؟ يمكن اجمال أهم أنشطة النادي خلال هذه الفترة كما يلي: التأهل للاقصائيات الجهوية في مسابقة تحدي القراءة العربي( هاجر رخصاص – عبير عزيم – تلويزت جهان) برسم الموسم 2019/2020 فوز التلميذة عبير عزيم من الصف الخامس بالجائزة الوطنية لشبكة القراءة بالمغرب برسم الموسم2019/2020 ، فوز نادي القراءة بالجائزة الوطنية لأحسن ناد قرائي لشبكة القراءة بالمغرب برسم سنة 2020 . فوز التلميذ مغيس زينب من الصف الخامس بالجائزة الوطنية لشبكة القراءة بالمغرب برسم الموسم2020/2021، التأهل للاقصائيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي (مغيس زينب) برسم الموسم الدراسي 2021/2022، حضور حفل نظمته الاكاديمية الجهوية لفاس مكناس للتلميذات والتلاميذ المؤهلين للاقصائيات الجهوية وللأساتذة المشرفين على النوادي وتسليم شواهد تقديرية لهم في 20يوليوز2022م.

تازة بريس: أي مساهمة لباقي الشركاء والفاعلين للمدرسة؟ فالنادي لا يمكنه ان يشتغل بشكل منفرد، بل يعمل ضمن نسق متكامل تتكاثف فيه جهود كل من الأسرة والشركاء وكل الفاعلين بالمدرسة، فجسور التواصل لا بد ان تبقى مفتوحة لتوفير الدعم النفسي والمادي لإنجاح أنشطة النادي وضمان استمراريتها، فالأسرة هي الحاضن الأكبر للطفل وبالتالي فيه تضطلع بمسؤوليات كبيرة تعهد اليها ، فكلما كان وعي الأسرة بدور وبأهمية القراءة في حياة الطفل كلما يسر الامر وقلت مسافة الجهد، وتبقى مساهمة باقي الشركاء ذات قيمة كجمعية الأمهات والاباء التي تتكفل أحيانا بتلبية بعض الاحتياجات المادية للنادي، إضافة الى الدور الريادي للمدرسة في هذا المجال ، فمن واجبها بقوة القانون ان تفعل الحياة المدرسية وان تحرص على تنشيط الأندية وتضمن فعاليتها وتتولى تمويلها من ميزانية جمعية دعم مدرسة النجاح.

تازة بريس: أي أدوات ووسائل يمكن توظيفها لزرع ثقافة القراءة عند الأطفال؟ بالنسبة الى الأدوات والوسائل التي يمكن توظيفها لزرع ثقافة القراءة عند المتعلم، فقد اشرنا الى بعضها سابقا، أهمها تعويد الطفل على القراءة منذ صغره كأن تقرأ على مسامعه قصص وحكايات قبل نومه لتتحول بعد ذلك الى قراءة ذاتية ، كما ينبغي تغيير فكرة الأسر التي تعتبر القراءة شأنا مدرسيا ومسؤوليتها ملقاة على عاتق الأستاذ ، اذ يمكن للآباء والأمهات جعل القراءة أمرا ممتعا للأطفال ويحفزهم على حبها طوال حياتهم. كما أن للمدرسة دور كبير زرع ثقافة القراءة عند الأطفال عبر تفعيل الأندية التربوية وتوفير مكتبة مدرسية بالمؤسسة مجهزة بأنواع مختلفة من الكتب، بالإضافة الى الدور الأساس الذي يلعبه الأستاذ المشرف على النادي في تنشيطه والابداع في العمل والتضحية بكل نكران للذات خارج أوقات عمله.

تازة بريس: ماهي الاكراهات التي تواجهكم اليوم في نادي القراءة أو التي تعترض القراءة عند الاطفال؟ مدرسة الامام البخاري لا تتوفر على قاعة متعددة الاستعمالات تكون رهن إشارة الأندية التربوية تستغل لأنشطتها، كما أنها لا تتوفر على مكتبة مدرسية مزودة بأنواع مختلفة من الكتب، اذ نعتمد حاليا على امكاناتنا الذاتية لتوفير الكتب المقروءة للأطفال، ينضاف الى ذلك صعوبة جمع كل منخرطي النادي من الفوجين معا في نفس الوقت. هذا ودون أن ننسى الغزو الالكتروني للبيوت الذي أصبح يشكل خطرا حقيقيا على الأطفال ما لم يتفطن الجميع لكيفية استغلاله فيم يعود بالنفع عليهم.

تازة بريس:ماهي الاقتراحات التي يمكن تقديمها-انطلاقا من تجربتكم- لتجاوز بعض هذه الاكراهات؟ أصبح ضروريا بناء قاعة خاصة بأنشطة الحياة المدرسية وبعمل الأندية التربوية ، وتوفير مكتبة مدرسية غنية بكتب متنوعة، مع ادراج فترة زمنية لا تقل عن ثلاث ساعات أسبوعيا في استعمال الزمن الرسمي إما في منتصف  أو في نهاية الأسبوع، تخصص للحياة المدرسية بكل أنواعها. بالإضافة إلى ذلك يجب تنظيم استعمال الأجهزة الإلكترونية لدى الأطفال لوقت محدد في الأنشطة المفيدة تحت مراقبة الآباء والامهات.

تازة بريس: ما دمنا بصدد القراءة، ما الكتاب الذي تقرؤونه الآن؟ رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي رواية ذاكرة الجسد تدور أحداث رواية ذاكرة الجسد حول البطلان خالد وحياة، حيثُ يقرر خالد أن يكتبَ قصَّته مع وطنه ومدينته قسنطينة التي وجدَ أنَّ حياة تجسدهما معًا، فقد كان خالد من أوائل الشباب الذين شاركوا في الثورة الجزائرية، خصوصًا أنَّه كان جارًا للسي طاهر أحد قادة الثورة آنذاك، وهو والد حياة، وبعد وفاته أصبح أخًا وسندًا للأسرة في فترة من الزمن، لكن بعد الاستقلال ينفصل خالد عن أسرة السي طاهر، ويغادر البلاد إلى فرنسا، لأنَّه يجد في النظام الجديد القائم ما يخالف مبادئه وقناعاته التي شارك في الثورة من أجلها يومًا ما. يتحوَّل خالد إلى فنَّان مبدع  في الرسم في فرنسا ، ويبدأ بتنظيم المعارض الخاصة به يعرض فيها بعض لوحاته على الجمهور، وفي احد المعارض يلمح فتاتين تجذبانه بملامحهما الجزائرية، تعرَّف فيهما على ملامح مدينته قسنطينة، فتقرب منهما، ثم يفاجأ بأنَّها حياة نفسها التي كان قد لاعبها كثيرًا في صغرها، وهو مَن أطلق عليها هذا الاسم، وقد أصبحت فتاةً بكامل أنوثتها وبهائها، حتى وقع أسيرا في حبِّها ، وكان يتمنى أن تبادله نفس المشاعر، وبقي يحلم ويعيش على ذلك الأمل، إلى أن وصلته دعوة من السي الشريف عمِّ حياة لحضور حفل زفافها، فقد ضاع حلمه وتزوجت حياة من مسؤول عسكري يشتهر بفساده. جسَّدت رواية ذاكرة الجسد الكثيرَ معاناة شابّ جزائري طعنته الحرب وطعنه الحب وكسره الوطن أيضًا، فاستطاعت أحلام من خلال هذه الشخصية أن تكسب قلوب كل الناس ، وكان من أجمل ما كتبت في روايتها هذه: “يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلُّم النُطق، وتقضي الأنظمة العربيّة بقيّة عمره في تعليمه الصمت”. “ثروة الآخرين تُعدُّ بالأوراق النقدية، وثروته بعناوين الكتب، أنا رجل ثري كما ترين قرأت كل ما وقعت عليه يدي تمامًا كما نهبوا كلَّ ما وقعتْ عليهِ يدُهم”.”نحمل الوطن أثاثًا لغربتنا، ننسى عندما يضعنا الوطن عند بابه، عندما يُغلق قلبه في وجهنا، دون أن يلقي نظرة على حقائبنا، دون أن يستوقفه دمعنا، ننسى أن نسأله من سيؤثثه بعدنا”.”عزائي اليوم، أنَّك من بين كلِّ الخيباتِ، كنتِ خيبتي الأجمل”.” الندم هو الخطأ الثاني الذي نقترفه”.”هل الورقُ مطفأةٌ للذاكرة؟ نترك فوقَه كلَّ مرَّةٍ رمادَ سيجارةِ الحنين الأخيرة، وبقايا الخيبة الأخيرة”.”الذين نحبُّهم لا نودِّعُهم، لأنَّنا في الحقيقةِ لا نفارقُهم، لقد خُلِقَ الوداع للغرباء، لا للأحبّة

تازة بريس: شكرا الأستاذ رشيد بوغنم على هذه المساهمة النوعية،في موضوع ذي راهنية وأهمية  تربويا ومعرفيا وحياتيا، وانا بدوري أود ان أشكر ختاما طاقم جريدة تازة بريس على هذه المبادرة النبيلة التي تدون لها في سجل تشجيعها للفعل القرائي بإقليم تازة، ولمواكبتها لكل المبادرات الجادة التي تدعو الى العودة الى الكتاب خير جليس في الانام، للرفع من الكفايات اللغوية عند المتعلمات والمتعلمين وتحسين أدائهم التواصلي وتعويدهم على القراءة الهادفة والحد من الغزو الالكتروني الذي اقتحم كل البيوت. وشكرا للأستاذ الباحث علي غوزالي على هذا الحوار القيم وهذه الالتفاتة النوعية.