تازة بريس
عبد السلام انويكًة
من المفيد في ورقة حول مذكرات امحمد التوزاني ومن خلالها ذاكرة راهنِ مغربٍ سياسي، الاشارة لِما حصل من اهتمامٍ بهذه الفترة خلال العقدين الأخيرين في ارتباط بجملة شروط منها ما صدر من مذكرات سياسيين وغيرهم، لعل من شأن ما احتوته من تحليل ذاتي ومعطيات أن يكون بأثر في تفكير أكثر تدفقاً حول ما جرى من وقائع وتطورات. ولا شك أن تناول فترة ما بعد استقلال البلاد من قِبل مؤرخين هي بصعاب عدة منها غياب مسافة كافية تسمح بتعاملهم مع ما يشكل تاريخاً آنياً، ناهيك عن شبه استحالة بلوغ محفوظات رسمية بحكم قوانين محددة ذات صلة. وعليه، فراهن الزمن يبدو مفتوحاً في وجه صحفيين وباحثين في علوم سياسية أكثر من المؤرخين. ورغم ما لا تزال تحتله كمكانة ضمن مصادر المعلومة التاريخية، تشكل المذكرات وعاء ً هاماً لكتابة تاريخ المغرب الراهن وبخاصة ما يتعلق بطبيعة علاقات وترابطات قائمة بين هذا الأخير وحاضر الحاضر بفهم”بولريكور”. مع أهمية الاشارة الى أن العلاقة بين ذاكرة جماعية وتاريخ، لا ينبغي فصلها عما يطرحه موضوع مصدر المعلومة التاريخية من تنوع وتباين حول الترتيب. وبقدر حصيلة مذكرات سياسيين مغاربة كانوا في قلب أحداث يصعب بلوغ ما يشفي حولها من وثائق بقدر الحاجة لمزيد من السِّير، مع ما تقتضيه المسألة من فحص في أفق ما ينبغي من موضوعية وذاكرة جماعية أفيد وأدق.
ولا شك أن عمل المؤرخ مثل متجول في غابة بأشجار تملأ ظلالها كل شيء تقريباً، معرفته بمسالكها وشعابها وحدها التي يستطيع بواسطتها السير باطمئنان وهو ينتقل من موقع لآخر حتى يخرج دون صعاب. وإذا لم يكن عارفاً بالطريق حاد عنها في خطواته الأولى لدرجة تيه لا يعرف فيه شماله من جنوبه ولا شرقهمن غربه، وقد يظل يدور لفترة بنفس المكان دون حلم بجولة حقيقية مفيدة الى أن يخرج صدفة بغنيمة ليست سوى إفلاته من تيهه. وما أشجار الغابة بالنسبة للمؤرخ سوى وقائع وظواهر، وما كثافة الأغصان وامتداداتها والتقاءها إلا علاقات تصل الأحداث بينما المنهج فهو الطريق. وليس ولوج وقائع التاريخ أمراً سهلاً عموماً خلافاً لِما يعتقد الكثير وبخاصة زمنه الراهن، وليست مرامي التاريخ أمراً ميسوراً لكل زائر في مزاجه بعض من التفاؤل، فبمجرد ما يجد نفسه وسط أحداث متشابكة وقضايا معقدة ينتابه شعور أنه بات تائهاً لا يميز بين سابق الأمور ولاحقها ولا بين سبب ومسبب، فيغرق في مادة تاريخية من شدة ثقلها لا يأخذ منها الا ما تمكن منه ليترك الباقي عملاً ب “كم من حاجة قضيناها بتركها”. وليس البحث في التاريخ إعطاء مادتة ترتيباً مع تصفيف أحداثه، فالواقع التاريخي أبعد من شكل زليج وجبس منقوش وأقرب الى منظر طبيعي لا خط مستقيم ولا خطوط متوازية واستواء سطح ولا دائرة ولا قوس فيه ماعدا قوس قزح ميزته قِصر عمره. وعليه، فالمؤرخ الحقيقي هو من ينظر لواقع تاريخي في سمكه وامتداده بدل اخضاعه لتصور مثالي ذاتي، ويكون هو من يخضع له ويتتبعه في جميع التواءاته لفهم ما كان يصعب عليه فهمه لأول وهلة وينفد لأغوار كان يجهلها. وهو أيضاً ذلك الجهد الذي يروم جني نفيس الأثر بوضع كل شيء في مكانه الحقيقي وهو يعرض للماضي، مع أهمية الاشارة الى أن المكان الحقيقي ليس دائما ما يبرز في ظاهر صورة ونظرة سطحية للأحداث علماً أن التاريخ نصفه أسرار وخلفيات بحاجة لكشف.
حول تناول ومعالجة وكتابة تاريخنا الراهن وأهمية المصادر خاصة منها المذكرات، ارأينا ورقة تخص مذكرات اختار لها امحمدالتوزاني عنواناً “ثورة لم تكتمل..مذكرات امحمدالتوزاني..من معسكر الزبداني بسوريا الى معسكر السواني بليبيا الى حمام بوحجار بالجزائر”، وهو نص صدر في حوالي ثلاثمائة صفحة ضمن طبعة ثانية. مساحة ذاتية ارتأى صاحبها ختمها بجملة اشارات، تقاسمتها حياة نفي وفترة سياسية نضالية امتدت من نهاية خمسينات القرن الماضي حتى أواسط ثمانيناته، كانت شرارة انطلاقتها ما استشعره من حيف حوله وهو طفل إبان فترة الاستعمار. ما ولد لديه بذرة وطنية صادقة رافقتنه طوال حياته مع مسارسياسي قام على منطلقين مترابطين،نضال من أجل وطن يقوم على دمقرطة ودولة حق وقانون وحلم باشتراكية واعادة نظر في هياكل مجتمع راح ضحيته الكثير.
ومذكرات امحمدالتوزاني تهم زمنا سياسياً انتقالياً بعد فترة حماية،توجهت بعنايتها لتاريخ حركة تحررية وتقدمية بالمغرب، ولانعاش ذاكرة زمن سياسي راهن من خلال استحضار محطات وبسط حقائق بقدر أمانة مؤلِّفٍ، وصفه الطالبي المسعودي في تقديم خص به مذكراته ب”الشهيد الحي”. مشيراً لتعرفه عليه قبل لقاءه في ستينات القرن الماضي من خلال رأي الفقيه البصري وحديثه عنه بانبهار. مضيفاً أنه بمسيرة نضالية مثيرة التقى في بدايتها بالمهدي بنبركة في المغرب وهو في أوج عطاء يجوب العواصم تحضيراً لمؤتمر القارات الثلاث، وحاوره في دمشق قبل التحاقه بمعهد دراسات عسكرية. وإذا كان امحمدالتوزاني- يضيف الطالبي المسعودي- قد عاش فترة تآمر ضد قوى تحرر عالمي بتصفية رواده: تشي كيفارا، المهدي بنبركة، بارتريسلومومبا..، ففي صمت انخرط في تكوين عسكري مع ثلة مناضلين عن مختلف البلاد العربية، فكان ممن استخرجوا رفاة الأمير عبد القادر الجزائري من قبره بدمشق وحملوا نعشه وسلموه لوزير خارجية الجزائر آنذاك قبل نقله اليها.
وبعد ما كان عليه من عمل نضالي مشترك مع غسان كنفاني لفائدة فلسطين وما أسهم به من تكوين عسكري لعشرات المناضلين، تحول الى مذيع لامع من خلال حلقات موجهة لجماهير المغرب باذاعة التحرير”صوت الجماهير” بطرابلس ليبيا،والتي كان يشرف عليها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي والفقيه البصري. قبل توجهه الى الجزائر لفترة ثم باريس حيث ما حصل من صراع مرير مع رفاق أوفياء وجيل جديد لتصحيح مسار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يقول أحمد الطالبي، مضيفاً في ختام تقديمه أن امحمد التوزاني كان بمبادرة سخية بتسليطه الضوء على أحداث ساخنة عاشها أو كان صانعها مقدماً معطيات كانت مغمورة.
وامحمد التوزاني هو أحد أبناء تازة التي خصص لها حيزاً في مذكراته عنونه ب” تازة الجذور والمنبع”، مشيراً لِما كانت عليه أواخر النصف الأول من القرن الماضي من وضع بسبب توالي سنوات جفاف، وما كان من رقابة استعمارية صارمة على مواد غدائية كانت توزع بوصولات”عام البون”، واصفاً ما بات عليه واقع حال ساكنة من تردي وقلة عمل وتباين فئوي معيشي، وما ترتب عن استغلال المعمرين لأجود الأراضي الفلاحية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عما كان من أشغال شاقة مفروضة مثل تكسير الحجر لترصيف الطريق في اطار عمل سخرة فرضها المستعمر على المواطنين”ضريبة الأذن”، مشيراً لِما كانت تقوم به حتى النساء من أعمال في هذا الورش تحت حرارة شمس ملتهبة وبرد قارس. مشاهد وممارسات أشعرت امحمد التوزاني بحكًرة واشمئزاز علماً أنها لم تكن بادية في منزل عائلته بحومة “أشرقيين” بتازة العتيقة حيث ترعرع، وقد خصه بوصف دقيق معرجاً على ما كانت عليه المدينة من أيام سوق أسبوعية ومنتجات وحرف وزيارات وتقاليد وعادات أسرية وغيرها، قبل حديثه عن فترة انتقاله رفقة عائلته الصغيرة بداية خمسينات القرن الماضي للعيش في بيت جديد بحومة”صب الماء” بعيداً عن بيت الجد، حيث سيبدأ مسار تعلم في”مسيد” بدرب “بني توزين” عبر حفظ القرآن الكريم وبعض المنظومات.
وبعدما عرج على ما عاشته البلاد من تطورات خلال سنوات خمسينات القرن الماضي الأولى، وخاصة ما ارتبط باحتجاجات المغاربة على مقتل فرحات حشاد ونفي السلطان محمد الخامس وما حصل من مد جماهيري مطالب باستقلال البلاد وعودة سلطانها، يقول امحمد التوزاني أنه كان يعيش هذه الأحداث ويتفاعل معها رغم عدم ادراك تفاصيلها وأبعادها الحقيقية آنذاك، لكنه كان مدركاً ومستوعباً لضرورة النضال من أجل حصول البلاد على استقلال حقيقي. وعليه، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية بفاس عام 1956 التحق بتكوين بدار المعلمين العراقية، ليعين معلماً بمدرسة “معسكر كودير” بتازة في وقت كان فيه أغلب أطرها أجانب فرنسيين وكان مدير المدرسة آنذاك “بنعيسى الزرهوني” من أصل جزائري. فترة كانت بوعي جديد لديه وبأهمية انخراطه السياسي في ظرفية عرفت بداية تشكل استقطاب بارز وسط الحركة الوطنية، مع ما كان عليه حزب الاستقلال من أزمة بين اتجاه محافظ وآخر تقدمي. وما حصل من ممارسات وتصفيات لوطنيين كما بالنسبة لعباس المسعدي 27 يونيو 1956، والذي أورد أنه صادفه في تازة قبل يوم من اغتياله وهو خارج من حمام بالمدينة.
بعد تجربة سنتين من التدريس بتازة التحق امحمد التوزاني بالمعهد العراقي العالي لتكوين المدرسين بالدار البيضاء في اكتوبر 1961، لإستكمال تكوين في سلك التعليم الثانوي دام سنتين قبل توجهه الى كلية التربية بجامعة بغداد. ويذكر أنه لتجاوز ما اعترضه من عراقيل قابل علال الفاسي في الموضوع، وأنه أثناء ذلك كان منخرطاً في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ تأسيسه لقناعته في قادته، الذين كان يرى فيهم صدقاً ووطنية ورغبة في تغيير وضع البلاد وتجسيد استقلال حقيقي اقتصادي وثقافي واجتماعي. ما دفعه ورفاقه للتجند خلفه – يقول- خدمة للأهداف التحررية النبيلةفكان عضواً في لجنة تنظيم مؤتمر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الثانيماي 1962رفقة مصطفى القرشاوي وأحمد الخراص..،وقد ضم في جلسته الافتتاحية عبد الرحيم بوعبيد ومحمد البصري وعبد الرحمن اليوسفي والشيخ محمد بلعربي العلوي، مشيراً لِما حصل من خلاف حول صياغة تقرير المؤتمرالختامي بين المهدي بنبركة وعبد الله ابراهيم.
وقد خصصت مذكرات امحمد التوزاني مساحة معبرة في تناولها أولا لـ:حكومة البلاد الوطنية بقيادة عبد الله ابراهيم، التي انضم اليها عدد من مناضلي الحزب منهم عبد الرحيم بوعبيد في حقيبة الاقتصاد، وكان بفضل في فصل العملة المغربية عن الفرنك الفرنسي وإرساء وحدة تكرير البترول”لاسمير” ومغربة المكتب الشريف للفوسفاط.. وثانيا لـ: دستور 1962 وما تزامن معه من أحداث ونقاشات وانقسام بين القوى السياسية خاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية داعياً للمقاطعة وبين حزب الاستقلال داعياً للمشاركة والتصويت بنعم. ويذكر امحمد التوزاني أنه بعد تمرير الدستور واجراء انتخابات تشريعية وبعد اعلان تاريخ اجراء انتخابات المجالس البلدية والقرية، انتقل الى تازة انسجاماً مع قرار المشاركة الذي أصدره الحزب. وكُلف بالذهاب الى دائرة أكنول صحبة أحمد بن قليلو الكاتب الاقليمي للحزب آنذاك من أجل الدعاية لمرشحه مسعود بن الصديق أحد أعضاء جيش التحرير بالمنطقة. وفي خضم الحملة- يقول- فوجئ بقائد الدائرة”امحمد عبابو” صحبة مساعده أحمد عصمان ومخازنية يقودونه الى مركز الدائرة، حيث قضى يوماً وليلة تعرض خلالها لجلد قاس بتهمة تسلمه أسلحة من أحمد بن قليلو. مضيفاً أنه قضى أسبوعاً بنفس المكان قبل نقله الى تازة حيث تمت مجابهته في مركز الشرطة مع أحمد بن قليلو، ليتم نقله رفقة عدد من المناضلين الى معتقل بفاس الى غاية اطلاق سراحه بعد ثلاثة اشهر من الاعتقال تقريباً صيف 1963.
ويذكر امحمد التوزاني في مذكراته أنه بعدما عاد لتازة وما لاحظه من تغيرات وهواجس وردود فعل وتخوفات، ورغم القرار الصادر في حقه بعدم مغادرته المدينة وواجب تأكيد حضوره أمنياً كل يوم إثنين، قرر الرحيل الى الدار البيضاء رغم احساسه بصعوبة مغادرة مدينة ألف أهلها وأزقتها وأجواءها لانها مسقط رأسه ومهد طفولته وملتقى أسرته وأحباءه، مشيراً الى أنه كان يرغب بالبقاء فيها والمساهمة بقسط في تنميتها بعدما ساهم الاستعمار في تهميشها وتحويلها الى مدينة منسية. مضيفاً أنه عرج في سفره على مكناس أين رأى وودع والده لآخر مرة في حياته قبل انتقاله الى الدار البيضاء لترتيب أمور مغادرته الى العراق اكتوبر 1963..
ومن هنا قصة حياة ومسار آخر ملآ حيزاً هاماً من مذكرات امحمدالتوزاني، وهو ما توزع على فترات تقاسمتها عناوين معبرة يطول الحديث عنها وقد جاءت كالتالي”نحو بلاد الرافدين مهد المعرفة ومستنقع السياسة” و”نداء نهر بردى” حيث لقاء رئيس الجمهورية السورية والالتحاق بالكلية العسكرية. ثم “التخرج من الكلية العسكرية والمشاركة في تسليم رفاة الأمير عبد القادر الجزائري”و”حرب 5 يونيو 67..في عمق أحداث الساحة” بين حرب حزيران وحرب الاستنزاف، و”لقائي بالفقيه البصري في سوريا..ولادة مسار جديد في حياتي”و”دعوتي من طرف الفقيه الى الجزائر”. أيضاً “الانتظار..بداية التداريب من أجل الثورة”و”النضال المسلح والالتحاق بالمقاومة الفلسطينية 1969″و”أيول الأسود 1970″ و”من نداء القاهرة الى نداء التحرير1971”. فضلاً عن “صوت التحرير 1971” حيثتناول فكرة إحداث واجهة اعلامية صوتية كانت راودت الفقيه البصري بعد توقف جريدة “التحرير” مند يوليوز 1963 الى غاية 1975، بحيث سيصبح محمد بنونة مسؤولاً عن اذاعة تبث من ليبيا باشراف وتوجيه من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكانت مدة البرنامج الموجهة للمغرب خمساً وأربعين دقيقة. وكان امحمد التوزاني يساهم كغيره في إعداد برامج صوت التحرير بمعية محمد بنونة وابراهيم أوشلح والحسين المانوزي وآخرين.
ومن عناوين مذكراته أيضاً “زيارة الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي لليبيا بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة الفاتح من شتنبر 1972″ و”معسكر السواني” بليبيا، و”انقلاب 16 غشت 1972″ و”اختطاف الحسين المانوزي في مطار تونس”تحضيرات لانطلاقة انتفاضة 3 مارس 1973″ و”عودتي من ليبيا الى الجزائر”و”مهام وتحضيرات للعمل المسلح بأطر قيادية جديدة” بحمام بوحجار غرب وهران، ثم”التفكير في خطة مستقبلية تهم الفقيه البصري وأروبا”و”الجزائر الملجأ الأساسي للمعارضة المغربية”ومن تنظيماتها مجموعة فاس ومنظمة الى الأمام والاتحاد الوطني للقوات الشعبية. اضافة لعناوين أخرى في جزء أخير من المذكرات جاءت كالتالي”الاجتماع الذي شتت الشمل”و”..باريس تأكل عمر ملحمتي”و”لقاء عبد الرحمن اليوسفي وعبد الغني بوستة وأحمد الطالبي”و”نحو هيكلة الاختيار الثوري”و”التحول الأكبر”.
وفضلاً عما جاءت به مذكراته من تنوير واضافة حول فترة حرجة من زمن المغرب السياسي الراهن، وما طبعها من حقائق حولها على امتداد حوالي العقدين من الزمن منذ بداية ستينات القرن الماضي، ارتأى امحمد التوزاني أن يضع بين أيدي القراء شهادته ومساره التاريخي سلسلة وثائق تاريخية هامة، يقول عنها أنها شذرات من تاريخ وطن لا يريد أن يطالها النسيان لكونهاذاكرة جماعية، وعياً بأن حوادث ووقائع أواسط القرن الماضي لها امتدادات راسخة فيما يعيشه مغرب الحاضر. وعليه فضلاً عما جاء في ملحق هذه المذكرات من صور، نجد سلسلة وثائق تناولت مواقف الأستاذ محمد عبد الجابري حول تقرير الشهيد المهدي بنبركة، ثم تقديم كتَبَه المهدي بنبركة لمؤلفه “الاختيار الثوري”، ثم تقرير من فدرالية العمال الاتحاديين بأروبا الغربية الى مؤتمر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم توضيحات حول العلاقة مع المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكيثم رسالة جوابية من محمد بنونة الى محمد البصري، ثم مذكرة محمد البصري عضو اللجنة الادارية مكلف بالتنسيق الى اللجنة الادارية واللجنة المركزية وجميع المناضلين الاتحاديين، وأخيراً رسالة محمد البصري الى الأخويين عبد الرحمن اليوسفي وعبد الرحيم بوعبيد.
يبقى بعد هذه الاطلالة الموجزة حول مذكرات امحمدالتوزاني التازي، أنه لنقد كل كتابة تاريخية وبنائها ومن أجل كل تطارح تاريخي علمي بين باحثين ومهتمين لابد من مصادر، فالمؤرخ ليس شاعراً ولا روائياً ولا فيلسوفاً .. يستقي مادته من تأملات داخلية ومسايرة حدس ووجدان..، بل المؤرخ ملزم في كل سطر يحرره بتقديم مرتكزه مقابلاً اياه بحجج مضادة، ومن هنا ما يكون عليه من جهد تنقيب عن مادته التي تظل مجهولة الى حين عثوره عليها في مصادر، وفق ما هي عليه من تنوع وتبايُنِ بفهم المؤرخين.
ولا شك أن مذكرات السياسيين وغيرهم ممن كانوا في قلب الحدث،كمذكرات الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي ولحسن آيت يدر وامحمدالتوزاني..، هي بقيمة مضافة هامة لفائدة المغرب التاريخية وبأهمية في تناول وكتابة تاريخ البلاد الراهن،بإعطاء الكلمة لمن كان فاعلاً كتاريخ يقوم على أرشيف حي يمثله الناس وفق رؤية”جان لاكوتور”،في زمن يعيش التاريخ فيه بحسب”جاك لوغوف” ثورة وثائقية تقتضي تصوراً جديداً للوثيقة ولنقدها.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث ..